ستكون الأسابيع القريبة المقبلة، حتى أداء بايدن اليمين القانونية، فترة حرجة وحساسة من الزاوية الإسرائيلية، يتعين فيها على إسرائيل أن تسير بحذر كي لا تبدو تبتعد بعجلة غير مناسبة عن ترامب الذي سيظل رئيساً، كما يتعين عليها في الوقت نفسه السعي لحوار مع الإدارة الجديدة. فانتصار بايدن معناه عودة من عالم من العلاقات الودية غير المسبوقة إلى عالم جديد – قديم من العلاقات الودية، ولكن لا تنعدم فيها الخلافات. ومن شأن الرئيس الإيراني بخاصة أن يشكل عقبة كأداء؛ فليس واضحاً ما سيكون عليه نهج إدارة بايدن في الموضوع. وكما كتب في تقرير معهد السياسة والاستراتيجية: “أمام إسرائيل نافذة زمنية ضيقة كي تؤثر على موقف الولايات المتحدة”. معنى الأمر أنه يتعين على رئيس الوزراء منذ المرحلة الانتقالية الشروع في اتصالات سرية في الموضوع. كما يتعين على إسرائيل أن تتفكر بخطواتها بالنسبة لسياستها الأمنية العامة في موضوع إيران، بما في ذلك الخيارات التي ألغيت في الماضي.
يعدّ بايدن صديقاً لإسرائيل ولنتنياهو أيضاً، ولكن الصداقة السياسية محدودة الضمان دائماً. فالتأييد الثنائي لإسرائيل في الكونغرس لم يختفِ ولكنه ضعف في عهدي ترامب وأوباما، ويجب ترميم أحد الأهداف الإسرائيلية الأهم. وثمة دور أساسي في هذه المهمة سواء للحكومة أم لليهود الأمريكيين الذين صوتوا للمرشح الديمقراطي بنحو 70 في المئة هذه المرة، وبعض منهم في مواقع مهمة في الحزب. ولن تتبين تشكيلة مجلس الشيوخ إلا في كانون الثاني في أعقاب إعادة الانتخابات في ولاية جورجيا. وبينما يقرر الرئيس السياسة الخارجية، فإن لمجلس الشيوخ قدرة على التأثير، خيراً كان أم شراً، يمكنها أيضاً أن تحظى بتأييد سيناتورات ديمقراطيين كثيرين في المواضيع المتعلقة بإسرائيل، وتأييد المرشح لرئاسة لجنة الخارجية، السيناتور روبرت ماننداز.
وكما أشارت “الفايننشال تايمز” البريطانية، فقد نجحت سياسة ترامب الخارجية أكثر مما يعترف به منتقدوه. وفي هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى مساهمته في تغيير وجه الشرق الأوسط، تغيير سترغب حتى الإدارة الجديدة في مواصلته وتوسيعه. فبايدن كنائب أوباما، لم يتفق دوماً مع سياسته الخارجية؛ فقد عارض مثلاً ترك الرئيس مبارك لمصيره. ولكن، ولفحص اتجاهات سياسته الخارجية، ينبغي الانتظار لنرى من سيعين وزيراً للخارجية ومستشاراً للأمن القومي. وتشهد الأسماء التي ذكرت حتى الآن ظاهراً على نية العودة إلى خطوط سياسية تقليدية أكثر، وإن كانت هذه لا يمكنها أن تتجاهل التغييرات التي طرأت في هذه الأثناء.
إن اليسار في الحزب الديمقراطي الذي حظي بتعزيز في مجلس النواب حذر بايدن من تجاهل مواقفه، والناطق الرئيس بلسان اليسار هو بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي السابق للرئيس أوباما، والذي يعارض ميول سياسة بايدن الخارجية، وكذا الشخصيات المتماثلة معه. وهو يدعو إلى إلغاء العلاقات “الهدامة” مع السعودية والإمارات، وإدارة كتف باردة لحكم الرئيس السيسي في مصر، و”إملاء الحل على الطرفين” في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني. فاليسار يطالب بتقليص ميزانية الدفاع، ورفع العقوبات عن إيران وفنزويلا واشتراط المساعدة الأمنية لإسرائيل بـ “تغيير موقفها من الفلسطينيين”. ويقول أصدقاء أمريكيون لي إن بايدن سيقف كالصخرة المنيعة في وجه هذه الميول، ولكن المستقبل سيظهر إذا كان حقاً، مثلما قال: “الحزب الديمقراطي هو أنا”.
على أي حال، سيواصل اليسار السعي إلى إحداث التغييرات، مثلما قالت عضو الكونغرس الكساندرا اوكسيو – كورتيز، من زعمائه البارزين: “أعتقد أننا سننجح في دفع بايدن إلى اتجاه تقدمي (أي يساري) أكثر، والسياسة الخارجية مجال هائل لدينا القدرة على تحسينها”. في وقت المداولات على برنامج الحزب، حاولت المجموعة التقدمية المناهضة لإسرائيل واللاسامية في بعضها، والتي تستعين بجيمس الزغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، أن تدرج فيه بنوداً مناهضة لإسرائيل، قامت الأغلبية بإزالتها. ولكنها نجحت بالفعل في إدراج بند يعارض “توسيع المستوطنات”. من جهة أخرى، شجب البرنامج نشاط الـ BDS.
أعلن بايدن عدة مرات بأن التزامه بأمن إسرائيل “التزام حديدي”. وبالفعل، فإن كل المؤشرات تظهر أنه سيواصل التعاون مع إسرائيل، بما في ذلك مجال المساعدة المباشرة ومواضيع أخرى، بما فيها تلك ذات الحساسية الخاصة. وعلى أي حال، فإن تغييراً واضحاً قد يقع في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني. صحيح أن السفارة الأمريكية ستبقى في القدس، ولكن قد يعاد فتح القنصلية الأمريكية في شرقي المدينة، وستتخذ خطوات لترميم العلاقات بين واشنطن والسلطة الفلسطينية، ولكن بتقنين. ولكن في موضوع النشاط الإسرائيلي خلف الخط الأخضر، قد تسود أجواء غير مريحة لإسرائيل.
وكانت المرة الوحيدة التي اتخذ فيها بايدن -عندما كان رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ- لغة قاسية بالحديث معي، كانت عندما أقيمت مستوطنة جديدة. واضح أيضاً أن موضوع السيادة الإسرائيلية في المناطق سيجمد في السنوات الأربع المقبلة. ولكن أجزاء أخرى بمبادرة ترامب كفيلة بأن توجه سياسة بايدن أيضاً؛ لأن توسيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي هو مصلحة أمريكية أيضاً، وعلى إسرائيل البقاء هكذا.
بقلم: زلمان شوفال
سفير إسرائيل في أمريكا سابقاً
معاريف 10/11/2020