إنه لمؤلمٌ، بالنسبة لشاعر، الكتابة عن الشعر، أو جدواه؛ تُرى كم كتبتُ عنه شعراً، ونثراً؟ كم قرأت عنه وتكلمت؟ بيد أني، ما زلتُ – حتى بعد مرور خمسة وعشرين عاماً – طفلاً تائهاً في غاباته البكر (الوصايا بوصلةٌ زائفة)
الشعر أبجدية نتعلمها كُلَّ يوم،
ما أصعب ذلك!
وما أشقاه!
٭ ٭ ٭
يحمل الشاعر في صحرائه المترامية، جرة ذهبية. يُنزلها، من على كتفيه، كلما شقق كيانَه العطشُ.. ينزلها بمشقة وشغف لا يعادلهما شيء. الشعر، هو جرعة الماء، إن وجدت! والجرة الحياة.
٭ ٭ ٭
إنه قدره الذي حكمت عليه به، فرادةُ تكوينه العصبي؛ يشفى من اغترابه، بقصيدة، ليجد نفسه، بعد زمن يقصر أو يطول، محكوماً بقصيدة أخرى، ليس يعلم، هو نفسه، عنها شيئاً، وعن أي شيء، وليس يعلم متى تأتي، ومن أين؟ كُلُّ ما يعلمه، هو، أن روحه مريضة بالحنين إلى غامض – ما في كلمات- ما.
٭ ٭ ٭
ليس الشعر غرفاً، بلا ثمن، من محيط المفردات، وليس سكباً، بلا حساب، لقاموسها على بياض الورقة؛ ليست القصيدة، بداهةً، شعار التزام سياسي، أو أخلاقي، لكن، وضع كل مفردة في مكانها المحدد، هو التزام من نوع آخر، يقتضيه موضوع القصيدة ذاتها. يقودنا سياق حديثنا، هنا، إلى ضرورة التذكير بأهمية الموضوع في الشعر؛ إذ إنه يقي القصيدة خطر الانزلاق إلى هاوية الهذيان العقيم، كما إنه يعمل على كبح اندفاعة الشاعر العاطفية؛ بعض الشعراء يحاولون إثبات شاعريتهم، لقرائهم، في كل سطر يكتبونه، حتى لنجد أنفسنا، بعد الانتهاء، من قراءة النص، في غابة من الصور العصية على الترابط في ما بينها. وعليه؛ يمكننا القول: ليس الشعر عرضاً للمهارات.. عرضها من شأن مصارعي الثيران، ولاعبي كرة القدم. أكتب ما شئت، بالطريقة التي تشاء، على أن تظل محتفظاً باثنين لا غنى للشعر الحقيقي عنهما: البساطة والعمق، بهما وحدهما يفتح الشعر ذراعيه لقرائه، مهما تنوعت مشاربهم وانتماءاتهم. الموضوع يفرض عليك انتقاء مفرداتك بدقة وسواسية صارمة، تزيل عبرها كل أعراض الترهل عن جسد النص الشعري. بيد أن السؤال، هو: هل بإمكان شاعر ما، كارهٍ لتراثه، أو جاهل به، اختيار مفرداته بدقة؟ الجواب ـ قطعاً- لا؛ إذ كيف يمكنه فعل ذلك، وهو يجهل سياق استخدام هذه المفردة، أو تلك في نصوص أسلافه الشعرية، منها، والنثرية؟ لا نطالب الشعراء بقراءة كل ما كُتِب في لغة هي الأعرق في العالم، لكن قراءة أمهات كتب التراث بشغف وحب حقيقيين، تظل ضرورة لا غنى عنها لشاعر راغبٍ بكتابة قصيدة يعي كاتبها ما يفعل، أو ما يريد أن يفعل. جهل بعض أدبائنا بتراثهم، هو وحده ما يفسر لنا امتلاء نصوصهم بتراكيب لغوية لا تمت للغتهم الأم بصلة.
٭ ٭ ٭
ينقرض الشعرُ
حينما ينقرضُ الموت:
أنا الشعر
الذي أنبت الطينَ
أجنحةً،
فاستوى مطراً
أو زرقة
في القلوب.
٭ ٭ ٭
لكن!
ما الشعر؟
شاعر عراقي