ما العمل كي لا تكون «المنطقة الآمنة»مدخلاً لتقسيم سوريا؟

حجم الخط
3

قبل أسبوعين، قال دونالد ترامب لرجب طيب أردوغان في تغريدة هاتفية: «سوريا لك». «هدية» ترامب جاءت في سياق إعلان متكرر وملتبس حول عزمه سحب قواته المحتلة من شرق سوريا (التنف) وشمالها الشرقي (الرقة والحسكة). أردوغان كشف، مضمون الهدية بإعلانه لاحقاً، إنه توصّل وترامب إلى «تفاهم تاريخي» حول إقامة «منطقة آمنة» على طول الحدود التركية – السورية بعمق نحو 30 كيلومتراً.
قبل كشف هذا «التفاهم» الغامض، كانت تركيا قد سيطرت على المنطقة الممتدة بين عفرين في شمال غرب سوريا وجرابلس في شرقها بعمليتين عسكريتين، أطلقت على الأولى اسم «درع الفرات» سنة 2016 وعلى الثانية «غصن الزيتون» في 1918. الذريعة؟ مقاتلة «الإرهابيين» من الأكراد السوريين و»داعش».النتيجة؟ باتت تركيا تسيطر على نحو 400 كيلومتر مربع من الأراضي السورية. فوق ذلك، قامت تركيا بإنشاء ما يُسمى «الجيش الوطني» بدمج أكثر الفصائل التي كانت تقاتل تحت راية «الجيش السوري الحر»، وأضافت إليه لاحقاً جهاز «الشرطة الوطنية « المكلف فرض الأمن داخل المدن.
يتضح من معلومات سربتها صحف تركية أن «المنطقة الآمنة» تشمل مدناً وبلدات تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية، وقد أظهر مسح أجرته وكالة «انباء الاناضول» التركية شبه الرسمية، أن المدن والبلدات المراد ضمها إلى «المنطقة الآمنة» تشمل مدينة القامشلي وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، واليعربية، والمالكية (محافظة الحسكة)، وكذلك عين العرب (محافظة حلب) وتل أبيض (محافظة الرقة). كما عارضت تركيا عودة الجيش السوري إلى منبج.

تقسيم سوريا عدوى ستنتقل حتماً إلى سائر الأقطار، إذا لم يتم تطويقها وسحقها في مهدها

لم تكتفِ تركيا بالسيطرة العسكرية على هذه المدن والبلدات، بل قامت ايضاً، على الصعيد القضائي، بتشكيل محكمة عسكرية في مدينة الباب، وضابطة عدلية في مناطق إعزاز والباب وجرابلس. وعلى الصعيد الاقتصادي، دشنت تركيا مشاريع تنموية واهتمت بالبنى التحتية وفتحت باب الاستثمار، ما أدى إلى ربط المنطقة بأنقرة ارتباطاً وثيقاً. وعلى الصعيد التعليمي، أصبحت المناهج تحت رعاية أنقرة، وكذلك المدرّسين والعاملين في المشاريع الجديدة والموظفين في المجالس المحلية والمؤسسات العسكرية، التي باتت رواتبهم تُدفع بالليرة التركية. قيام أنقرة بعملية التتريك هذه لمنطقة سورية مترامية الأطراف ذكّر المراقبين بخطة تطلق عليها أنقرة اسم «ميثاق ملي» للوصول من حلب في سوريا إلى الموصل وكركوك في العراق.
ظاهر الحال أن غالبية الاكراد السوريين يعارضون مخطط أردوغان للسيطرة على شمال شرق سوريا. مسؤول العلاقات الخارجية لحركة المجتمع الديمقراطي الكردية ألدار خليل، احتج على الخطوات التركية بقوله: «إن تركيا احتلت إدلب وعفرين وهي تحاول الآن احتلال منبج وشمال سوريا لعزلها عن أراضي البلاد وبذلك تُقسّم سوريا».
أصاب ألدار خليل في وصف ما تقوم به تركيا بأنه محاولة لتقسيم البلاد. أردوغان اعترف بأن ما يقوم به ليس برضى سكان المناطق المسيطر عليها، ولاسيما الاكراد منهم، بقوله: «إنهم ارهابيون، وهل يمكننا أن نترك هذه المنطقة لإرهابيين؟».
رغم وضوح غايات تركيا فإن القيادات الكردية المعنية لم تتخذ، بعد، قراراً حاسماً بالعودة إلى حضن الدولة السورية ورعايتها، ذلك أن المفاوضات بين الطرفين لم تتوصل بعد إلى اتفاق واضح لتوحيد الجهود في وجه المخططات التركية التي تحظى، على ما يبدو، بدعمٍ من الولايات المتحدة وتأييد ضمني من «اسرائيل» كأن ما يقوم به اردوغان من تدابير تقسيمية هو بالنيابة عن ترامب ونتنياهو. فها هو رئيس هيئة الاركان الأمريكية المشتركة الجنرال جون دانفورد يبحث مع المسؤولين الاتراك تفاصيل خطة السيطرة التركية على مناطق الشمال السوري.
لأبرز مؤسسي الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون توصية لافتة لزملائه: إن بقاء «اسرائيل» رهن بنجاحها في تقسيم محيطها الجغرافي الذي يشمل لبنان وسوريا والاردن والعراق ومصر. قادة الولايات المتحدة المتعاقبون، ولاسيما بوش الابن وترامب، تبنّوا مخطط بن غوريون وخلفائه من القادة الصهاينة وقاموا بتنفيذه بعمليات عدوانية متدرجة. أليس الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003، والسيطرة على ما لا يقلّ عن ثلث مساحة سوريا سنتي 2017 و2018 بدعوى محاربة التنظيمات الإرهابية، عمليات حربية سافرة تصبّ في خدمة المخطط الصهيوني التقسيمي الذي يقوم أردوغان الآن، لأسباب يدّعي أنها تخدم أمن بلاده القومي، بمتابعة تنفيذه؟
لا يغيب عن حصافة المراقبين مشهديات التمويه والتغطية التي تقوم بها واشنطن وتل أبيب لشدّ انتباه العالم بعيداً عن الساحة السورية. فالولايات المتحدة تعدّ لقمةٍ في وارسو، عاصمة بولونيا، تشارك فيها سبعون دولة في منتصف الشهر المقبل غايتها إعداد البيئة السياسية العالمية لإمكانية استعمال القوة العسكرية ضد إيران بعدما تمكّنت من تجاوز العقوبات الامريكية المفروضة عليها من جهة، وتتجه إلى النجاح في إطلاق قمر اصطناعي بصاروخ باليستي من جهة أخرى. نتنياهو هدد هو الآخر باستعمال القوة ضد إيران إذا لم «تمتثل» لتعليماته بعدم تمركز قواتها في سوريا. المراقبون يرجّحون بألا تنجح قمة وارسو لأن معظم دول الاتحاد الاوروبي ستقاطعها، كما يرجّحون ألاّ يتمكن نتنياهو من إلحاق أذى بسوريا، لأن الغاية الرئيسة من تهديداته لها ولإيران هي للاستهلاك المحلي، في سياق معركة انتخابية يريد الفوز فيها دونما تداعيات.
لا يقتضي، بطبيعة الحال، الاستهتار بتهديدات ترامب ونتنياهو العدوانية، فما العمل؟
الجواب، بالإضافة إلى ما تقوم به سوريا وقوى المقاومة العربية حالياً من جهود في مواجهة «اسرائيل» وتركيا مباشرةً وامريكا مداورة، يقتضي ترسيخ حقيقة بازغة في عقول القادة والقوى الحيّة في المشرق العربي مفادها أن تقسيم سوريا عدوى ستنتقل حتماً إلى سائر الأقطار، إذا لم يتم تطويقها وسحقها في مهدها، وأن شرط نجاح هذه المهمة التاريخية هو في ترفيع مستوى التنسيق والتحالف السياسي والعسكري بين سوريا والعراق، وتنظيمات المقاومة في كل أنحاء القارة العربية، من أجل مواجهة مخططات أمريكا و»إسرائيل» التقسيمية بتوسيع دائرة الاشتباك معها. كل ذلك بالتعاون والتنسيق السياسي والميداني مع كلٍّ من روسيا وايران، والانفتاح على الأكراد لكفالة ممارسة حقوقهم المدنية والديمقراطية في إطار وحدة الدولة والبلاد.
هل ثمة خيار افضل؟

كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Sami Soufi:

    إذا القيادات الكردية تريد العودة إلى حضن النظام، الله يسّرلون، اليوم قبل الغد.
    بس يا ريت تركيا أن تضمّ اللادئية، و تريحنا من العلويين!

  2. يقول ابوتاج الحكمة/فرنسا:

    تصويب للخطأ المطبعي
    ابوتاج الحكمة.شاعر عربي من سورية.باريس يناير 20, 2019 at 11:25 م
    بسم الله
    في حال إجراء انتخابات رئاسية لسوريةفي العام 2021 فإنني اجد واجبا علي الترشح للرئاسه لأقوم بالإصلاح الاجتماعي الذي انشده ونشر المحبة والتسامح بعون الله لو قدر لي الفوز واستبدل كلمة رئيس ب خادم الشعب
    ارفض تعليق صورتي
    البر والإحسان لجميع الطوائف والأعراق وسيادة اللغة العربية
    علاقات متوازنة خارجية مع الجميع
    تطبيق قانون المصالحة الوطنية وميثاق السلم المدني الجزائري
    عفو عام
    تبييض السجون
    الغاء عقوبة الاعدام
    الغاء الرسوب في المرحلة الابتدائية وجعلها مرحلة تلقي وتهيئة الطعام واللباس للطلاب فيها
    حث الدول الإسلامية على إحياء منصب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الناحية الاجتماعية فقط ممثلا بشيخ الأزهر الشريف لحفظ الأسرة
    شكراللمحرر العريز

  3. يقول ابوتاج الحكمة.شاعرعربي من سورية.باريس:

    يتبع لطفا
    جعل الولاية الرئاسية ل7 سنوات فقط وغير قابلة للتجديد تحت اي ظرف
    منح الأيتام والأرامل امتيازات اجتماعية تعوضهم عن ما لحق بهم
    تجريم من ينتقد اي دين أو ينشر أفكارا معادية للأديان و التزام الجميع بجعلها في مصاف واحد محل تقدير وإجلال

إشترك في قائمتنا البريدية