السيناريو الأول: العسكر في خدمة السياسيين
لم تسقط طهران من حساباتها أن يكون هدف كل هذا العزف الأمريكي على وتر الضربة العسكرية والحرب هو دفع الجميع خاصة النظام السوري والقيادة الايرانية إلى إحداث تغييرات نوعية في سياستهما تجاه الأزمة السورية. بالنسبة لايران، إذا ما كان ذلك سيمنع حربا باتت تقف على بوابات دمشق وتهدد بانهيار منظومة التوازن العسكري في المنطقة، فليكن التغيير ضمن المساحة الدولية وليس في معادلة الميدان على الأرض، يبدو ذلك واضحا حين تلقف النظامان السوري والايراني المبادرة الروسية على قاعدة السلاح الكيماوي السوري، مقابل وضع خيار الحرب الأمريكي جانبا بشكل مؤقت. حقق الأمريكيون شيئا من أهدافهم عبر شطب السلاح الكيماوي الاستراتيجي جدا بالنسبة لسورية، وهي الجارة لاسرائيل، كذلك حقق الايرانيون والروس نجاحا أيضا من خلال منع الضربة وبقاء الأسد ونظامه في السلطة. في هذه المعادلة يبدو الخاسر الأكبر بالمعنى السوري، المعارضة السورية، وبالمعنى الاقليمي، السعودية وتركيا ودولا عربية أخرى، بينما الجميع خرج رابحا على المستوى الدولي. هذا أحد أوجه الوضوح في المعادلة السورية على الخط بين طهران وواشنطن، لا غالب ولا مغلوب، بل خطوتان نحو الأمام مع بقاء العداء قائما.
السيناريو الثاني: ضربة محدودة..
تضعف النظام وتمنح حلفاءه نصرا استراتيجيا
يعرف الايرانيون أن أمريكا تقصد ما تقوله بأن الضربة العسكرية لسورية هي رسالة لايران، لهذا لا ترى طهران المقترح الروسي اختراقا قويا قادرا على كبح الأمريكيين وإقناعهم بالعدول عن هدفهم الأساس في توجيه رسالة قوية للايرانيين قبل بدء جولة جديدة من المفاوضات بشأن البرنامج النووي. وهنا لا تستبعد القيادة الايرانية توجيه واشنطن ضربة عسكرية للنظام حتى بعد قبوله بالمقترح الروسي، بيد أن الأكثر قبولا لدى العقلية العسكرية الايرانية هو، أن الولايات المتحدة لا تريد حربا إقليمية واسعة، فربما تكتفي بوضع بنك أهداف إستراتيجي في سورية يتم التعاطي معها بسرعة، عبر ضربة خاطفة وموضعية قبل مؤتمر جنيف2 الخارج من غرفة الانعاش بفعل المبادرة الروسية. هناك ما يمكن أن يسمى إجماعا نظريا بأن الايرانيين سيحاولون إطالة أمد الضربة الأمريكية في حال حصلت وتوريط الأمريكيين أكثر في المستنقع السوري، وذلك بهدف الضغط على الرأي العام الأمريكي والغربي المهيأ فقط لضربة محدودة وخاطفة، كما يركز قادة الحرس الثوري على أهمية أن يرى الشعب الأمريكي بعض توابيت جنود المارينز وهي تعود إلى أرض الوطن ملفوفة بالعالم الأمريكي، إذ سيكون ذلك كفيلا بايقاظ كوابيس حرب العراق، على أن يترافق ذلك مع دعم مكثف للرئيس الأسد وفرص بقائه في السلطة، هذا البقاء سيقدم للعالم لاحقا على أنه نصر إستراتيجي لمحور المقاومة والممانعة، فالأمريكيون وحلفاؤهم جاؤوا وذهبوا من دون تحقيق هدفهم الأساس المتمثل باسقاط الرئيس الأسد ونظامه.
السيناريو الثالث: دمشق غراد
أكثر ما يخشاه الايرانيون هو أن تقرر الولايات المتحدة وضع مبادرة الروس وتجاوب النظام السوري معها جانبا وتمضي قدما في توجيه رسالة إلى ايران عبر صندوق البريد السوري. بالنسبة للايرانيين يعني ذلك أن تبدأ الضربة الأمريكية لسورية تحت شعار أنها محدودة وتتطور إلى ما هو غير محدود، وربما تنفلت الأمور من عقالها باتجاه أوضاع غير قابلة للسيطرة. يرسم القادة العسكريون الايرانيون أسوأ سيناريو ممكن، بأن تبدأ الضربة الأمريكية جوية صاروخية، وتتطور عبر إقامة ما يمكن أن يسمى مناطق آمنة للمعارضة، وصولا إلى منطقتي حظر طيران واحدة في الجنوب بمحافظة درعا على الحدود الأردنية، وثانية في الشمال تشمل محافظة حلب على الحدود مع تركيا. سيناريو كهذا من شأنه أن يؤمن للمعارضة السورية مناطق محمية من سلاح الجو السوري، كخطوة أولى باتجاه تطبيق السيناريو الليبي القائم على تأهيل بعض المطارات العسكرية التي تسيطر عليها قوات المعارضة، والبدء باستقبال طائرات المساعدات القادمة من الخارج، وتحديدا من دول عربية بعينها، وبالطبع المحملة بالمساعدات اللوجستية والمعدات العسكرية والأسلحة والسيارات المصفحة وغيرها من وسائل الصمود بوجه القوات النظامية، هذا سيكون اشارة أولى على وقوع العاصمة دمشق بين فكي كماشة مناطق حظر الطيران، لتصبح دمشق بمثابة دمشق غراد والحد الفاصل بين النصر والهزيمة لكلا الطرفين.
حين تتحدث مع الايرانيين يستبعدون مثل هذا السيناريو كأنه لن يقع أبدا، لكن حين تراقب وعن كثب تحركاتهم في المنطقة واستعداداتهم تشعر وكأنه سيقع غدا. ما يبدو مؤكدا بالنسبة للايرانيين اليوم هو أن المبادرة التي تبناها الروس وضعت الضربة العسكرية لسورية في الثلاجة حتى إشعار آخر، لكن ذلك لا يعني شطبها من الحسابات فاي تغيير ميداني بسيط قد يعود بها إلى الواجهة من جديد.
‘ كاتب فلسطيني متخصص في الشؤون الايرانية