أكتب هذا المقال قبل أيام من انعقاد «ورشة البحرين» في 25 و26 يونيو الجاري، التي أرادت بها إدارة ترامب الأمريكية، أن تكون ترويجا للشق الاقتصادي مما يعرف إعلاميا باسم «صفقة القرن»، وقد تحولت «الورشة» كأمها «الصفقة» إلى قصة عظيمة البؤس، فقد أعدوا الورشة لتصنيع منتج لا يقبل به الزبون الفلسطيني المستهدف أساسا، وربما لن يبقى من «الورشة»، سوى كونها مناسبة أو ندوة تطبيعية مخزية، تتورط فيها أطراف عربية رسمية، لا تملك من قرارها سوى إبداء الانصياع التلقائي لرغبات ودعوات سيدها الأمريكي، حتى لو كان يقودها إلى حتفها بالضبط.
نعم، لم تعد من قيمة سياسية للورشة ولا للصفقة، ولا لأي كلام عن سلام، أو خطط تسوية في المدى المنظور، فالوقائع على الأرض هى الفيصل والمحك الفعلي، وكل ما قيل عن «صفقة القرن» قائم ومتحقق للإسرائيليين، حتى قبل أن يفكر أطفال ترامب اليهود الصهاينة في رسم تفاصيل الصفقة المحكوم عليها بالإعدام، ولسبب وحيد، هو رفض الشعب الفلسطيني القاطع للاعتراف أو التسليم بنتائج الاحتلال، فقبل عقود من إعلان ترامب جعل «القدس» عاصمة موحدة لكيان الاغتصاب الإسرائيلي، كان كيان الاحتلال قد أعلن ضم القدس، وقبل سنوات طويلة من موافقة ترامب على ضم «الجولان» المحتل لكيان الاحتلال، كان كيان الاغتصاب قد أعلن ضم الهضبة، ومنذ عقد «اتفاق أوسلو» قبل أكثر من ربع قرن، كانت المنطقة (ج) في الضفة الغربية، التي تشكل نحو نصف مساحة الضفة الغربية، وتضم تجمعات الاستيطان اليهودي الكبرى، كانت كل هذه المناطق إضافة للقدس المحتلة، وظلت كلها تحت السيطرة الإسرائيلية المنفردة، وبدون أي وجود ظاهر فيها لما يسمى «السلطة الفلسطينية»، بل بموافقة السلطة ذاتها، وعلى أمل أن تأتي مراحل تالية، بعد اتفاق أوسلو 1993، يذهبون فيها إلى حل دائم لم يأت أبدا، وبافتراض أن إدارة ترامب قد تذهب إلى آخر الشوط، وتصادق أمريكا وتعترف برغبة إسرائيل في الضم النهائي للمنطقة (ج)، وكما سبق أن جرى في حالتي القدس والجولان، فإن ذلك كله لا يغير في الأمر الواقع شيئا حتى إشعار آخر، وكل ما يعنيه ظاهر تماما، وهو ببساطة نسف للأوهام التي تعيشت عليها الرجعية العربية والفلسطينية طويلا، وأوحت لقطاعات من العرب والفلسطينيين، بوجود مسافة ما تفصل موقف كيان الاحتلال الإسرائيلي عن موقف الإدارة الأمريكية، قد تؤهل «البيت الأبيض» للعب أدوار وساطة، أو لتقديم معونات مالية للسلطة الفلسطينية، أو لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وقد تكفل ترامب بنسف الأوهام جميعا، وكشف التطابق الذي كان مموها أحيانا بين إسرائيل وأمريكا، فهما في حالة «اندماج استراتيجي»، نبهنا إليه مع غيرنا من عقود، وكما لا تفهم إسرائيل سوى لغة القوة، فإن أمريكا كذلك، وقد بدأت أمريكا سيرتها ككيان استيطاني أوروبي، نجح في سحق وجود السكان الأصليين (الهنود الحمر)، وهو ما لم تنجح فيه إسرائيل، ولن تنجح مهما تعاظمت قوتها المسلحة، فلا أحد بوسعه سحق الشعب الفلسطيني، ولا إنهاء وجوده، وهو ما يجعل اللجوء إلى خطط الخداع واردا باستمرار، ولم تكن «أوسلو» سوى صفقة خداع تماما كلاحقتها «صفقة القرن»، التي بارت تجارتها قبل أن تعرض في المزاد.
وقد لا يدعو الفشل المتوقع لورشة البحرين وغلقها، ولا الانفضاح المؤكد لأمها «صفقة القرن»، قد لا يدعو ذلك إلى فرح واستبشار مبالغ فيه، صحيح أنه يؤكد على حيوية الشعب الفلسطيني، وعلى كونه الرقم الأساس في المعادلة كلها، وأن لا صفقة ولا تسوية ظالمة، يمكن لها أن تمر بدون اعتراف من الشعب الفلسطيني، وهنا «مربط الفرس»، كما كان يقول العرب القدامى، فلا يصح أن تستنزف حيوية الشعب الفلسطيني في صد غارات خيانة أكيدة، ولا في مجرد رفض صفقات خداع مكشوف، وقد يكون ذلك مهما في المدى الوقتي، وهو كذلك، لكنه لا يغني عن تصور كفاحي طويل الأمد، ولدى النخبة الفلسطينية المثقفة المفكرة حلولها، التي لا نزايد عليها ولا نزيد، فقط نلفت النظر إلى تناقض جوهري ظاهر، هو التناقض بين مبدأ وجود السلطة الفلسطينية، ومبدأ الكفاح الفلسطيني، وتلك هي المعضلة الأساسية في حياة الفلسطينيين اليوم، فالسلطة الفلسطينية الحالية من منتجات أوسلو وتوابعها، وهي محكومة تماما بالتصور الإسرائيلي، الذي تدعي السلطة محاربته، من أول التنسيق الأمني إلى جمع إسرائيل للضرائب بالوكالة عن الفلسطينيين، بما جعل السلطة صيدا سهلا للإسرائيليين والأمريكيين، فقد أوجعها الأمريكيون بوقف المعونات المالية، وأنهكتها إسرائيل بالتحكم في شروط تسليم حصيلة الضرائب البالغة شهريا ما قيمته 200 مليون دولار، واشتراط خصم المبلغ المخصص لعائلات الأسرى والشهداء في الموازنة الفلسطينية، وهو ما رفضته سلطة رام الله، وقررت عدم تسلم المبلغ من أصله، احتجاجا على خصم بعضه، ففقدت المورد الأساسي لتوفير رواتب بيروقراطية موظفين متضخمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبما دفع السلطة إلى خفض الرواتب إلى النصف، والبحث عن سبل اقتراض جديدة، قد لا تفيد طويلا، وتهدد بإفلاس مالي، وقد تخلق صداما متفاقما بين السلطة والشعب الفلسطيني نفسه، وهذه هي المصيدة، التي نُصبت شباكها، بدءا من التورط في قبول صفقة أوسلو، التي استهدفت بها إسرائيل كسب احتلال منخفض التكاليف إلى أدنى حد، تتخلص به من تكاليف الدم، بالانسحاب الصوري من المدن والتجمعات السكانية الكبرى، وتتخلص به من تكاليف إعاشة السكان الواقعين تحت الاحتلال، وتتفرغ لتعميق وتكثيف الاستيطان اليهودي الاستعماري في القدس والضفة الغربية، وهو ما جرى بالفعل من «أوسلو» إلى اليوم، واعترف به حتى رئيس السلطة الفلسطينية نفسه مرارا وتكرارا، ووعدت بالتخلص منه اجتماعات مؤسسات فلسطينية رسمية، وقالت إن إسرائيل تنصلت من التزاماتها بمقتضى اتفاق أوسلو وتوابعه، فلماذا ـ إذن ـ يبقى قيد السلطة وتكاليفها في رقبة الفلسطينيين؟ ربما يكون السبب في امتيازات طبقة سلطة منتفخة المنافع، تبدي رفضها ظاهريا لتزوير معنى القضية الفلسطينية، وجعلها مشكلة اقتصادية لا قضية تحرر وطني، وعلى النحو الذي تذهب إليه «صفقة القرن» وغيرها، بينما الحقيقة المفجعة، أن تزوير قضية الفلسطينيين لم يكن اختراعا جديدا لترامب وصبيانه، بل ذهبت إليه جماعة «أوسلو» الفلسطينية قبل إدارة ترامب بعقود، وصورت الشعب الفلسطيني كجماعة بشرية، لا تطلب شيئا سوى تلقي المعونات والهبات، واختبأت خلف شعار الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس الشرقية، وادعت أنها تقيم بيروقراطية الدولة قبل قيام الدولة نفسها، وحين جاءت لحظة الحقيقة، وسقطت الأوهام كلها، قالت السلطة إنها سلطة بلا سلطة، وبلا موارد تكفيها، وإنها في أزمة مالية مرعبة، وبدون أن تراجع نفسها بصدق كاف، وتعترف أن سلطة أوسلو هي الوجه الأبرز للأزمة الوطنية الفلسطينية، خاصة بعد تحريمها للكفاح المسلح، وسخرياتها المتكررة من صواريخ غزة، بينما غزة لم تتحرر جزئيا، ولم يذهب عن أرضها الاحتلال المباشر، وتفكك مستوطناتها اليهودية السبع، إلا بمزيج كفاحي تعرفه كل الأمم، التي وقعت تحت الاحتلال، هو مزيج المقاومة الشعبية والعمل المسلح، وهو الطريق الذي لا طريق غيره، إن أردنا كسب معركة التحرر والاستقلال الفلسطيني، فالاحتلال يزول حين تزيد تكاليف بقائه عن طاقة احتمال المحتل.
أعدوا «ورشة البحرين» لتصنيع منتج لا يقبل به الزبون الفلسطيني المستهدف أساسا، و»صفقة القرن» بارت تجارتها قبل أن تعرض في المزاد
ودعك من أعذار واهية تقال دفاعا عن بقاء سلطة أوسلو، من نوع تنظيم حياة الفلسطينيين، فالوقائع على الأرض أكثر صدقا، فقد نجح الفلسطينيون في تنظيم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية قبل أوسلو وسلطتها، وأبدعوا صيغا ومؤسسات ومدارس وجامعات ومستشفيات وسلاسل ارتباط كثيرة، تكفلت بها منظمة التحرير، التي أماتوها لتحيا سلطة أوسلو، وقد آن الأوان لفك قيد السلطة عن رقاب الشعب الفلسطيني، ورد الاعتبار لمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد، وضم «حماس» و»الجهاد الإسلامي» إليها، وإعادة توحيد الحركة الفلسطينية على أساس المقاومة الشعبية والكفاح المسلح، وليس بدواعي تقاسم سلطة عبثية بالانتخابات، أو بغير الانتخابات، فكل ذلك هزل في موضع الجد، ووضع للعربة أمام الحصان، وكلام في الهواء وقبض ريح، ومهما تعددت وتوالت اتفاقاته، فليس لها من آخر سوى العدم نفسه، وتبديد الحيوية الكفاحية للشعب الفلسطيني، وتزوير معنى قضيته، وخفض جاذبيتها في عيون وقلوب المناصرين لها.
وقد يلحظ القراء الكرام، أنني لم أذكر حرفا عن واجبات النظم العربية الرسمية اليوم في قضية دعم الكفاح الفلسطيني، فقد انقطع منها وفيها الرجاء حتى إشعار آخر، وقل في وصفها ما شئت من ألفاظ التفريط والاستسلام والتطبيع، أو حتى الخيانة، فهذه الأنظمة كلها، ربما بغير استثناء، لم تعد تخجل من شيء، ولا يخدم خنوعها أكثر من وجود سلطة فلسطينية تشبه الأنظمة، وتكتفء كلها بترديد جملة فلكلورية طويلة، تأخذها من عناوين السلطة الفلسطينية نفسها، وتردد من خلفها كلمات باهتة عن السلام ومبادراته، وتدعء أنها مع إقامة دولة فلسطينية على الأراضء المحتلة في عدوان 1967، وجعل عاصمتها القدس الشرقية المحتلة، وإلى آخر المعزوفة إياها من ذر الرماد في العيون، بينما ينهمك القطاع المؤثر الثري من الأنظمة العربية في عمل فعلي آخر، تتسابق فيه إلى استضافة القواعد الأمريكية العسكرية على أراضيها، وتدفع مئات مليارات الدولارات على سبيل الإتاوة لواشنطن، وتنسج شبكة تحالف سري وعلني مع إسرائيل، وبدعوى أولوية الخطر الإيراني على ممالك وإمارات الخليج، وما من سبيل في الظروف المرئية لرد اعتبار أولوية الخطر الإسرائيلي، وأولوية نصرة الشعب الفلسطيني، إلا بخلق مشهد فلسطيني جديد جامع، يأخذ فيه الفلسطينيون قضيتهم بأيديهم، وهم شعب عظيم ومتعلم وباسل وقادر، ويعيدون تنظيم صفوفهم من حول منظمة تحرير شاملة، تزيد من عنفوان المقاومة الشعبية التي يقدر عليها ستة ملايين فلسطيني في الداخل المحتل والمحاصر، ولا تستثني عمليات الكفاح المسلح للقادرين عليها، وهو تحول صعب، لكنه ممكن، بل هو الممكن الوحيد، وهو وحده الكفيل بإحياء روح الحماس لقضية فلسطين لدى الشعوب العربية من جديد، والقادر على كشف وعزل جماعة إسرائيل الحاكمة المتحكمة في قرارات العواصم العربية.
كاتب مصري
تسويقك للسيسي في سنواته الاولى لطخت كل تاريخك كوطني و لم يعد بالامكان اعادة تأهليك في عقولنا ,للاسف الاحداث التي تلت احداث يناير في مصر اثبتت ان كل ما كان يسمى بالنخب الوطنيه في مصر ما هم سوى ظواهر اعلاميه تسترزق من وراء الشعار و اذا جد الجد تنحاز للدرهم و الدينار و لن يشفع لك انك سجنت في عهد السيسي فقد سجنك عدم فهمك لواقع العسكر و السلطه في بلدك مصر و لم تسجن دفاعا عن قضايا الوطن و المواطن
سلمت يمينك يا أبا سلمى! اللهم لا شماتة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
سلمت يمينك و يسارك اخي الكروي
ابو سلمى
بارك الله فيك عبرت عما يجول في خاطر كل عربي كان مخدوعا في هؤلاء
كلام الاخ ابو سلمى يمثلني ،
ولعنة مرسي ستظل تطارد كل من تامر عليه وخذله
رحم الله شهيد الأمة الدكتور محمد مرسي, لا نامت أعين الجبناء!! ولا حول ولا قوة الا بالله
بحول الله و قدرته لن يمر وقت طويل حتى تقيم مصر الرسمية و الشعبية جنارة غير مسبوقة في تاريخ مصر للرئيس الرمز محمد مرسي رحمه الله
حمد الله على السلامة الخروج من السجن مناضل في كل الأوقات اشتقنا لمقالتك -فلسطين
لدينا مواضيع عدة … يمكن ان تكون مثيرة وهامة .. ولكنها لا تجلب الينا المتاعب ..
قضبة فلسطين .. كالعادة هب ام القضايا التي يستطيع القوم فيها ان يصولو ويجولو .. وبقليل من الحنكة نأمن سياط السلطان..
منذ قريب .. كان هناك زمنا عشنا فيه حرية لمدة عام .. امن فيها البعض العقوبة فأساءوا الأدب
كلام أبا سلمى لخص كل شيء واغنانا عن التعليق
شو مع الموجه الاعظم لثورة 25 يناير
شكرا أبا سلمى .. قلت ما نريده وتمنينا أن ينشر،ولكننا نتمنى التوبة لمن ضحى بالديمقراطية لحساب العسكر القتلة.