ما بعد «قضية المطاعيم» الأردنية … هل تكشف التحقيقات عن مفاجآت؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي» : قد يصلح على نحو أو آخر القول إن ما حصل في ملف المطاعيم من تشكيك عبر وسائط التواصل الاجتماعي هو المساحة الحيوية التي من الصعب الاعتراض عليها لتطبيقات قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، مع أن بقية القوانين الناظمة للنشر والترويج تكفل مواجهة الانفلاتات والمخالفات.
قدم متحدثون غامضون عبر شرائط صوتية بثت في الفضاء الإلكتروني أدلة وقرائن مبهجة للتيار الرسمي الذي اهتم طوال الوقت بتسويق عناصر الغلاظة والتشدد في قانون الجرائم الإلكترونية، الذي أثار ولا يزال يثير في تطبيقاته جدلاً ونقاشاً سياسياً وإجرائياً بين الحين والآخر.
في أزمة التشكيك في حملة التطعيم الوطنية، اتخذت وزارة الصحة -كما أعلن وزيرها الدكتور فراس الهواري- موقفاً قانونياً منضبطاً عندما أحالت ما لديها من ثبوتيات إلى النيابة لإجراء التحقيق اللازم.
وهي خطوة وإن ساهمت في تسويق قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، لا يمكن لوم الوزارة والحكومة عليها، لا بل خدمت الوثائق الصوتية تلك النظرة الكلاسيكية المنادية بضبط الإيقاع على الشبكة الافتراضية.
ولا شكوك لدى الباحث الإلكتروني حمدي أبو الروس في أن حالات مثل التشكيك بمطاعيم وزارة الصحة وجدالات ما سمي بالمطعوم الهندي تثبت الحاجة الموضوعية لنصوص قانونية رادعة لها علاقة بمثل هذه الفتاوى والاجتهادات التي تشوش على الرأي العام، لا بل تحترف التشكيك. يتفق أبو الروس على هامش نقاش مع «القدس العربي» مع استنتاجات لها علاقة بتبدل قواعد اللعبة في التواصل.

دعاة التشدد الإلكتروني «مبتهجون» و«الردع» لم يتحقق بعد

ويلاحظ أن حالات مثل التشكيك بمطعوم يقرره خبراء الصحة في الدولة تخدم التشدد والغلاظة في نصوص القانون، لا بل تشكل ذخيرة تجعل المجتمع أحياناً أكثر تفهماً لضرورة وجود ضابط رادع، خصوصاً أن البوصلة العامة مستعدة لتلقف أي تشكيك أو سلبية أو حتى معطيات مفبركة، لكن أبو الروس في الوقت نفسه يحذر مما حذر منه خبراء حقوقيون سابقاً من أن الردع للسلبيات عبر منصات التواصل قد يتحقق فعلاً، لا بل يتحقق الآن، لكنه يحمل معه الإيجابيات.
وفي المقاربة العامة، بعد نحو شهر على الأقل من الالتزام بتطبيق معايير القانون الجديد، اختفت كثير من موجات التعليق السلبي أو غير المنطقي، وبدا حتى لنخبة من كبار السياسيين والملاحظين بأن الردع يتحقق وأن ميل المجتمع عموماً لتداول وتصديق روايات منصات التواصل جعل مهمة الردع أساسية في حسابات القرار الرسمي.
والكثير من أصحاب الاختصاص أيضاً والمحاججة هنا تقترح صيغة تقول إن المجازفات بتقليص هوامش حريات التعبير قد يقبلها الرأي العام بعد وقت قصير إذا كانت ستعفي الناس والدولة من كلفة الانشغال بالسلبية والتشكيك.
يلاحظ الإسلامي الدكتور رامي العياصرة أن مستويات الردع تحققت في الواقع. والمقصود هنا هو تلك العبارات الخادشة للأردنيين في ما حصل في ملف المطاعيم أو المطعوم الهندي حصراً الذي يثبت أن الرادع نفسه يمكن تجاهله عندما يتعلق الأمر بممارسات «منصاتية» لها علاقة هذه المرة بصراع أسواق.
وهنا لا يقف تأثير جدل المطعوم الذي ردت عليه الحكومة بصرامة ومهنية تحسب لها عملياً، عند إعادة صياغة منطق الردع في قانون الجرائم الإلكترونية، بل امتد إلى مساحات إضافية دفعت في اتجاه التأمل والتعمق.
سؤال أزمة المصداقية في الرواية الحكومية والرسمية تكرر في كل الزوايا تقريباً. وصحيفة «عمون» الإلكترونية الأقدم والأبرز في البلاد، نشرت ما تقول فيه إن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مهند مبيضين، تجاهل 3 أسئلة في المؤتمر الصحافي، لها علاقة بأزمة الثقة الاجتماعية مع مصداقية البيان الحكومي.
يعلم المبيضين كمثقف وأكاديمي مختلط بالجمهور، أكثر من غيره أن سؤال أزمة الثقة كبير ومتدحرج حتى عندما تقرر صحيفة مثل «عمون» تسليط الضوء على المسألة.
لكن في المقابل، نقاشات المطعوم وتدحرج ملفه، طرحت سؤالاً مكتوماً ولم تتكشف بعد تفاصيله عن أسباب ومبررات ومسوغات وجود حراك نيابي في اللجنة الصحية لمجلس النواب لم يقلص من حدة النقاش، بل زاد المساحة الجدلية.
يقدر المراقبون بأن مجلس النواب يفترض أن يقدم للحكومة والرأي العام لاحقاً توضيحات تخص إما مواقف أو تصريحات أو أدوار عضوين على الأقل في المجلس بقي لهما إطار ما فيما بعد الشرائط الصوتية التي وصفتها الحكومة على لسان وزير التربية الدكتور عزمي محافظة بأنها خزعبلات مشتبه بها.

هوة… وأسئلة
دوافع النواب على الأرجح منطلقة من الحرص على سلامة المطاعيم، لكن وجود هوة ملموسة في خطاب النواب قياساً بالوزراء، مسألة تحتاج إلى تأمل أيضاً الآن في ظل آخر دورة عادية للبرلمان الحالي دستورياً، وفي ظل دروس وخلاصات ما بعد أزمة المطعوم أيضاً.
يقترح وزير الصحة الأسبق والبرلماني العريق الدكتور ممدوح العبادي، أمام «القدس العربي» بأن وزارة الصحة وغيرها في القضايا الأساسية مثل المطاعيم، عليها القيام بواجب بدون أدنى التفات أو اهتمام بكل ما يقال عبر منصات التواصل وغيرها.
لا يريد العبادي من وزارة أساسية ومهمة مثل الصحة، أن تتأثر واجباتها العملياتية بطامح سياسي ولا بمشاغل يفبرك معطيات على فيسبوك.
الأهم في مرحلة ما بعد نقاشات المطعوم الهندي هو معرفة الحد أو المسافة التي قد تصل إليها التحقيقات في معطيات إلكترونية شوشت وفبركة واختلقت الأزمة.
هل ستقف التحقيقات في إطار نصوص قانون الجرائم الإلكترونية فقط؟
هل ستكشف التحقيقات عما هو أبعد من مخالفات إلكترونية؟
هل سيكون الطاقم الوزاري بعد التحقيق عبر القضاء العادل ممتلكاً لنفس جرأة الإفصاح للكشف عن خيوط مثل هذه القصة وأسبابها ودوافعها؟
تلك أسئلة قد تجيب عليها الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، بأن ما حصل عموماً يوحي بصراع خفي تستمر فعالياته في ملف ينبغي ألا يسمح لأي صراع بالتأثير فيه وفي أي وقت، مثل الصحة العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية