ما بعد مقتل خاشقجي

حجم الخط
28

الآن وقد حصحص الحق قي قضية مقتل جمال خاشقجي، وبدأت الوقائع المرعبة تتكشف رويدا رويدا يمكن القول، دونما تهويل، إن مرحلة ما بعد مقتل خاشقجي لن تكون كما قبلها، ليس فقط بالنسبة للحكم السعودي وإنما للمنطقة الخليجية بأكملها فضلا عما كشفته هذه القضية من نقاط لا بد من التوقف عند أبرزها:
ـ مهما تكن التخريجات السياسية التي سيتم التوصل إليها بعد انتهاء التحقيق الجنائي فإن لا شيء سيطمس في النهاية حقيقة أن ولي العهد السعودي أصيب في مقتل في صورته الدولية، وأن ما لحق به من اتهامات مشينة، صحت تماما أم لم تصح، ستظل تلاحقه كظله فإما أن تزيحه من موقعه أو تبقيه فيه ضعيفا منهكا. كلتا الحالتين مدمرتان للبلد ولرجل اظن أن لا شيء يقف في وجه طموحاته الجارفة.
ـ الشيء الأكيد الذي سيترتب عما سبق هو سعي الأسرة المالكة في السعودية إلى إعادة ترتيب أوراقها في ضوء الزلزال الذي أصابها، خاصة وأن آلية تسلسل الوصول إلى الحكم قد اهتزت بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان بخلاف الأعراف التي كانت سائدة لعقود، مما أثار الكثير من السخط داخل الأسرة التي وجدت كذلك في السياسات التي اعتمدها الأمير الشاب، وفي نوعية الأشخاص المحيطين به، ما عمق هذا التذمر المكتوم في الغالب.
ـ دخول العلاقات السعودية الأمريكية في أزمة غير مسبوقة، إذا استثنينا الحظر النفطي في بداية سبعينات القرن الماضي، وهذا أمر لم يتجل فقط في تصريحات الرئيس ترمب وبعض مستشاريه وإنما الأهم في تصريحات الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ. أما الإعلام الأمريكي فقد انخرط في متابعة إخبارية لا ترحم ترصد كل التفاصيل كبيرها وصغيرها. وإذا كان بإمكان السعوديين مثلا تبرير تغطية قناة «الجزيرة» المكثفة بـــ «ضغائن قديمة وتصفية حسابات» فكيف لها أن تصف تغطية «سي ن ن» وغيرها من القنوات الأمريكية؟!! لقد دمرت هذه القنوات إلى جانب كبرى الصحف الأمريكية، لا سيما «واشنطن بوست»، صورة القيادة السعودية تدميرا سيتطلب إصلاحه سنوات وسنوات.

إن مرحلة ما بعد مقتل خاشقجي لن تكون كما قبلها، ليس فقط بالنسبة للحكم السعودي وإنما للمنطقة الخليجية

ـ الفشل الذريع، وربما القاتل، الذي منيت به الآلة الإعلامية السعودية، والإماراتية الحليفة، من قنوات تلفزيونية وكتاب وصحافيين وجدوا أنفسهم في وضع غير مسبوق، مدفوعين لتبرير ما لا يمكن تبريره والدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه. لم تصمد الرواية التي أرادت إقناع العالم بأن القصة كلها ملفقة وعبارة عن مسرحية. لم يبلع عادل الجبير لسانه وحده، كثيرون فعلوا مثله من كبار الإعلاميين، أما من تجرأ و«اجتهد» في كتابة مقال حول الموضوع فاتضح أن سكوته كان أفضل بكثير.
ـ الفشل الأخلاقي المروّع للمؤسسة العربية الحاكمة فأغلب المسؤولين العرب لم ينبسوا ببنت شفة. وإذا ما استثنينا بيانات «التضامن» الغريبة مع المملكة ضد «الحملات الظالمة التي تتعرض لها» والتي أصدرتها بعض وزارات الخارجية العربية، فإن لا أحد من الوزراء العرب تناول هذه المسألة، ولو بعبارات غائمة، في حين لم يبق مسؤول غربي إلا وأدلى بدلوه، مع أن الصحافي المغدور عربي والقاتل المفترض عربي كذلك!!
مهما يكن من أمر، فإن الضرر الفادح الذي أصاب الحكم السعودي جراء عملية القتل هذه، ضرر فادح ومدمر لا يذهب فقط بملايين الدولارات التي أنفقت في الغرب من أجل تسويق صور الإصلاح والتطوير داخل المجتمع السعودي و«رؤية 2030» وإنما أيضا بالمكانة الخاصة التي لأرض الحرمين في قلوب ملايين العرب والمسلمين وهذا ربما هو الأخطر.
لا شك بأن عملية تصفية خاشقجي كانت عملية حمقاء، فكرة وتنفيذا، وتداعيات لعنتها ستظل تلاحق الرياض لفترة طويلة. كذلك، ليس من السهل أبدا طي صفحتها في القريب إذا استمر العناد في جعل من اتخذ القرارات فعلا يدفع ثمنها في أقرب وقت. وغني عن القول إن انهماك السعودية في لملمة ذيول هذه الأزمة سيعيق تحركها في معالجة ملفات أخرى حارقة ليس أقلها الحرب في اليمن والمضي في الاصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها خاصة أن ما جرى لن يمضي دون أن يلقي بظلاله الثقيلة على الوضع الاقتصادي للمملكة. هنا يمكن أخذ من اعتذر من الشركات العالمية الكبرى عن حضور الملتقى الاقتصادي الكبير «دافوس في الصحراء» هذا الشهر في السعودية مجرد مؤشر أولي على ما ينتظر السعودية من منغصات اقتصادية مع شركات دولية مرموقة.
السعودية دولة كبرى ومن المهم جدا والملح تعافيها مما أصاب سياساتها في الفترة الأخيرة من تخبط وخفة تنم عن عدم نضج وتهور وغرور، وهو ما لم يُعهد فيها من قبل تاريخيا في ظل كل الملوك السابقين. إذا ما حصل ذلك، وهو في مصلحة الجميع، فدم الزميل جمال خاشقجي لم يذهب هدرا… رحمة الله عليه.

كاتب وإعلامي تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد السوري:

    (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)

  2. يقول محمود:

    المقاول ترمب ولي نعمة سلمان وابنه القاتل السفاح .. نسأل الله أن يهينه كما أهان المجرم بن سلمان .. يستبيح دم الأبرياء في سبيل الحصول على المال

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    قبل ان اكتب في الموضوع سارد على السيد محمد السوري
    هذه الاية او غيرها ممن درج الاخوة المعلقين على حشرها بمواضيع كثيرة ,اذا كانت القرية تمثل الدولة والمجتمع السعودي فان الله بهذه الحالة يكون ظالم وهو امر غير مقبول لان الله مطلق العدل,وان كانوا ال سعود فعليك ان تجد اية اخى مناسبة

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    اولا ان الداخل السعودي لن يتاثر بالقضية لاسباب عديدة منها اولا ان القبلية والعشائرية في المجتمع السعودي هي الفاصل بينهم فشخص مثل الصحافي الخاشقجي لا يمت للقبائل السعودية بصلة سوى جنسية الدولة لايهتمون لمقتله بتاتا وهم من يطلقون المراة من زوجها في حالة لم يتكافا النسب بينهما,وكذلك مبايعة القبائل وقسمهم ووجود المشايخ التي تفتي بعدم الخروج على الحاكم.اما الخارج فتحكمه المصالح وليس الانسانية

  5. يقول ابن الجاحظ:

    اياك…ثم اياك أخى محمد من ……..” الذهاب الى قنصلية ما “………!!

  6. يقول الفاحص- مصر:

    يتساءل الأستاذ كريشان عما سيحدث بعد ((مقتل)) السيد جمال خاشقجي. وهنا نبدي بعض الملاحظات: أولا، أقر الأستاذ كريشان وحسم التحقيقات بأن السيد خاشقجي قد ((قتل))! هذا يعني أن سيادته لديه معلومات مؤكدة. ثانيا، أن مرحلة ((ما بعد مقتل خاشقجي))، لن تكون، كما قال السيد كريشان،كما قبلها. والحقيقة أن دروس التاريخ تعلمنا أن المرحلة (بفرض أن خاشقجي قتل)، لن تختلف عما قبلها. دروس التاريخ تعلمنا ذلك. في السياسة، المصالح تتصالح. ثالثا، نتفق مع ما قاله السيد كريشان من أن السعودية دولة كبيرة ويجب أن تتعافى. الحقيقة أن السعودية متعافية سوف يستمر هذا التعافي، ليس لأن هناك من يحب ذلك أو يبغضه، وإنما حقائق الجغرافيا والتاريخ والقوة الاقتصادية تقرر ذلك. وختاما، سيكتشف كل من علقوا آمالهم على خاشقجي لقصم ظهر السعودية، سيكشتفون أنهم يحرثون الماء. أيا كانت نتائج التحقيقات، الحقيقة الوحيدة هي أن السعودية باقية وستبقى كما هي.

  7. يقول محمود:

    ((الشيء الأكيد الذي سيترتب عما سبق هو سعي الأسرة المالكة في السعودية إلى إعادة ترتيب أوراقها ))
    أسرة النظام الدولي و أذرعها العسكرية في
    جميع عواصم العالم رتبت اوراقها .

    ارتكاب أبشع الجرائم ، تحت و امام بصر و سمع
    العالم ، ثم إنكار البديهيات ثم إنكارها ثم تطويها
    الجريمه التاليه

    فينسي آخرها أولها ،

    ((لا شك بأن عملية تصفية خاشقجي كانت عملية حمقاء، فكرة وتنفيذا،))

    النظام العالمي تخطى مرحلة الخوف من ردود
    الأفعال ، فعندما كانت تسحق مدن بأسرها
    و لم يزل الآلاف مدفونون تحت ما هدمته
    ضرباتهم المجنونه فوق رؤوس الأبرياء

    كُنتُم تشاهدون تتباكون تتحذلقون ، ثم تطوى
    صفحتها ، الصفحة التاليه

    انها حرب على الجميع
    بين فئه قويه منتصره
    و شعوب ضعيفه و مهزومه سلفاً

    و اكبر هزائمها ، هي الشريحة المثقفة
    بسطحية تحليلها و اهتراء فكرها
    فتسارع في كل مره للتأكيد بإن هذه المره
    ليست ككل مره ، غير قادرين على ربطها
    بالمرات السابقة و الاستنتاج ،
    بأن النظام العالمي و بسبب قصوركم الفكري

    ضرب و يضرب و سيضرب
    قتل و يقتل و سيقتل
    سحق و يسحق و سيسحق

    و أن المؤسسات الحقوقيه بأسرها بعضاً يسيراً
    من بعض أدواتها ،

  8. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    السعودية هى مثال الدولة الدينية ….من يخرج على ولاية الأمر…ينتهى ….اليست هذه قواعد و ثوابت دينية ….تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها

  9. يقول سامح //الأردن:

    *من الآخر ؛ا(محمد بن سلمان
    إنتهى دينيا واخلاقيا وعربيا وعالميا وأصبح
    منبوذا .
    سلام

  10. يقول بولنوار قويدر الجزائر:

    السلام عليكم
    تحية وبعد…
    أستاذنا الكبير والكريم لا فض الله فاك ولا تكسّر قلمك لقد برعت وفيت…
    الإعلامي جمال لمّا دخل القنصلية لم يكن يحجمل لا بندقية ولا رشاش على كتفه كلّما كان معه قلم وفكر…جمال لمّا دخل القنصلية أراد يبني عشا وكان في عنقه بيعة(..) جمال السعدي لم يقل جديدا حول المملكة ولكن كل ما قاله بال بال بال فقط لمّعه جدده ليظهر ثانية للتذكير بما فعل(مبني للمجهل)بشعبه وأهل طنه في بلاد الحرمين تحت ولاية وليّ العهد…
    نخشى نظرا لبعض التحركات أن يذهب دم”جمال هدرا”تحت طائل الإغراءات والمساومات والضغوطات فدم جمال في عنق كل مسؤول سعودي ومواطن سعودي وعربي وحاكم عربي وأهل النهى من حكّام العرب ثمّ بالدرجة الكبيرة أهل “مهنة المتاعب”رجال الإعلام عليكم أن تقفوا صفّا واحدا من أجل الامطالبة بالتحقيق وكشف الحقيقة من وراءها وبذلك تكون لكم درعا في المستقبل حتى لا يقترب منكم الخونة والطغاة للمساس بكم هكذا…
    وللهفي خلبقه شؤون
    وسبحان الله

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية