لندن- “القدس العربي”:
على الرغم من انتصار المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، فهو لم يتقدم على مستوى الأصوات العامة في البلاد، ويبقى السر في انتصاره هو معاقبة الناخب للحزب الديمقراطي الذي فقد أكثر من 12 مليون صوت مقارنة مع انتخابات 2020، والتي لم تذهب لصالح ترامب.
ويجري الحديث عن تقدم مذهل لترامب واكتساحه للخريطة الانتخابية في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي. وتنسب عدد من وسائل الإعلام الدولية هذا إلى نجاح ترامب في إقناع الطبقة المتوسطة وكذلك الناخب اللاتيني والعربي ومن إثنيات أخرى.
غير أن لغة الأرقام تشير إلى عكس ذلك، فمقارنة مع الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال نوفمبر 2020، حصل ترامب على 74 مليوناً و233 ألفاً و251 صوتا، بينما حصل في الانتخابات التي جرت الثلاثاء على 74 مليوناً و333 ألفاً و299 صوتاً، وهذا يعني أنه بالكاد تقدم بمئة ألف صوت، وهذا لا يشكل حتى 0،1% مقارنة مع ما حصل عليه سنة 2020. ومن المنتظر أن تقدم الإحصائيات الأخيرة رقما مخالفا نسبيا، وقد يفقد ترامب قرابة 500 ألف صوت، وهذا يعني أنه تراجع على مستوى الأصوات العامة في البلاد.
في المقابل، حصل المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات 2020 التي قادته إلى البيت الأبيض على 81 مليوناً و881 ألفاً و888 صوتا، أي تقدم على ترامب وقتها بأكثر من 7،7 مليون صوت، بينما حصلت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات الثلاثاء، على 69 مليوناً و857 ألفاً و510 أصوات، وهذا يعني أن الحزب الديمقراطي فقد ما يقارب 12 مليون صوت ما بين انتخابات 2020 و2024، ولم تذهب هذه الأصوات إلى ترامب.
ولم يستفد ترامب حتى من أصوات الناخبين الجدد، فقد كان عدد الذين يحق لهم التصويت سنة 2020 هو 231 مليون أمريكي، وارتفع سنة 2024 إلى 244 مليون أمريكي، بزيادة 13 مليون ناخب جديد.
ودراسة هذه النتائج تبرز أن ترامب لم يستفد من أصوات الناخبين الديمقراطيين الغاضبين، ولا يعود فوزه بالضرورة إلى إقناع الناخب اللاتيني ولا الناخب العربي ولا باقي الجاليات المسلمة مقارنة مع خطابه سنة 2020. بل يكمن السر في حفاظه على كتلته الناخبة، مقابل معاقبة الناخب الديمقراطي ومن يتعاطف معه للمرشحة كامالا هاريس.
لقد اقتنع الناخب الديمقراطي والمتعاطف مع هذا الحزب بخطر ترامب سنة 2020، ولهذا صوّت 81 مليون ناخب ديمقراطي لبايدن. أما هذه المرة، فقد فقد جزء من الشباب ومن الأمريكيين من جاليات أخرى الثقة في الحزب الديمقراطي ويعتبرونه مثل الجمهوري.
ويعود هذا إلى عاملين، الأول وهو أن نسبة من الناخبين اللاتينيين فضّلوا عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع نظرا لتخلي الحزب الديمقراطي عن تسوية أوضاع المهاجرين اللاتينيين الذين هم في وضعية غير قانونية منذ سنوات طويلة، وعددهم يفوق 11 مليوناً. والتزم اللاتينيون الجمهوريون بالتصويت، وتبيّن وكأنه حدث تغيير جذري في صفوفهم. كما فضّلت نسبة من الناخبين الأمريكيين من أصول عربية عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع بسبب قضايا منها فلسطين. ويضاف إلى هذا، غضب الناخب الأمريكي سواء الأبيض أو الأسود من الحزب الديمقراطي الذي لم يلتزم بكلمته في الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
وعلاوة على هذا، يرى الناخب الجمهوري المحافظ مثله مثل الناخب الغربي المحافظ أو من الأحزاب القومية الوطنية “اليمين المتطرف”، في صناديق الاقتراع فرصة للدفاع عن البلاد من الهجرة والعولمة، بينما الناخب الديمقراطي يحاسب حزبه ويعاقبه في بعض الأحيان بالامتناع عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع. هذا الامتناع هو الذي جعل ولايات معينة تذهب لصالح المرشح الجمهوري، ويحصل على الفارق الكبير في عدد الناخبين الكبار 295 لصالحه، مقابل 226 لصالح هاريس.
وهكذا على ضوء الأرقام، فإن أصوات الديمقراطيين لم تذهب إلى ترامب، ولم يستفد الرئيس المنتخب من ارتفاع الكتلة الناخبة، ولم يتقدم حتى بـ1% مقارنة مع 2020، لكنه حافظ على ناخبيه.
بينما المعدل المرتفع للامتناع في صفوف الناخبين الديمقراطيين بسبب الخيبة في حزبهم، هو الذي أحدث الفارق ويسمح بقراءات سياسية وسوسيولوجية قد تكون متسرعة مثل رهان اللاتينيين على ترامب.