ما سرّ التصعيد الاعلامي للأسد؟

حجم الخط
28

بعد تهديده تركيا بدفع ‘ثمن غال’ لدعمها المعارضة السورية يأتي لقاء الرئيس السوري بشار الأسد المنشور بصحيفة ‘دير شبيغل الألمانية’ لينفي إمكان الوصول لحل للصراع الجاري في سورية عبر المفاوضات، لأن المعارضة السورية حسب تعريفه ليست معارضة ‘لأن لديها أسلحة’!
هجمة التصعيد السياسي التي يقوم بها الرئيس السوري مدروسة جيداً فقد انطلقت بداية من تركيّا، البلد الذي كان أول من فتح أبوابه أمام المعارضة السورية، لاعباً على اوتار الخلافات السياسية في تركيا ومزوّداً الأعداء السياسيين لحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان بورقة جديدة للتحريض ضدهما.
ثم اتجه الأسد بعدها الى ألمانيا، الخاصرة الطريّة في الموقف الاوروبي تجاه نظامه، التي لعبت، منذ انطلاق الثورة السورية، دوراً غير مباشر لإعاقة التحركات البريطانية والفرنسية الأكثر حزماً وشدّة في التعامل مع النظام، وبذلك يقدّم الأسد للأطراف المختلفة مع سياسات بريطانيا وفرنسا الخارجية أيضاً مناسبة اعلامية جديدة لاعادة تكرير واستهلاك الوصفات الاعلامية المفضلة التي يلعب عليها النظام السوري، من ادعائه المشين بحماية الأقليات (وهو المفترض ان يحمي شعبه كله)، الى المفاضلة بينه وبين تنظيم ‘القاعدة’، وصولاً الى دفاعه الركيك عن عدم مسؤولية نظامه عن الهجوم بالسلاح الكيماوي في غوطة دمشق بدعوى ‘أن لا أحد يستطيع ان يقطع بأنه تم استخدام صواريخ’.
السرّ وراء هذه الهجمة الدبلوماسية والاعلامية هو:
اولا، انحسار الضربة الأمريكية ضد الآلة العسكرية للنظام، بعد المناورات الدبلوماسية الأمريكية الروسية والتي أدت في النهاية الى صدور القرار الأممي 2118.
ثانيا، تحوّل النظام السوري من مجرم حرب مهدّد بالعقاب الى شريك للمجتمع الدولي بصفقة تسليم الكيماوي السوري بالتقسيط المريح، بحيث تحوّل أسبوع كيري لتسليم الأسلحة الكيميائية الى 10 أشهر طويلة، تنتهي مع منتصف العام المقبل بالتزامن مع موعد انتخابات الرئاسة السورية.
ثالثاً، الأجواء التي أشاعها غزل الرئيسين الأمريكي والايراني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بتوجّه نحو صفقة تضمن لإيران دورها الاقليمي في المنطقة مقابل منع تصنيعها قنبلة نووية، وهو ما أثّر أيضاً في وزن ومصداقية حلفاء أمريكا العرب الداعمين للمعارضة السورية.
رابعا، اشتداد قوة التنظيمات الاسلامية الجهادية وخصوصاً تنظيم ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’ الذي بدأ بخوض معارك ضد ألوية الجيش السوري الحرّ، كما هدّد تركيا بالقيام بهجمات ضدّها، وهو الأمر الذي أعطى زخماً كبيراً لدعاية النظام الخارجية، وفتّ في عضد الجيش السوري الحر والمعارضة السورية عموماً.
خامساً، تراجع تأثير المعارضة السياسية السورية المجتمعة تحت راية ‘الائتلاف السوري’ على تشكيلات الداخل العسكرية بعد انفضاض عدد من الألوية والتشكيلات العسكرية المعارضة المسلحة عنه واعتباره لا يمثّلها.
اعتبر بشار الأسد أن تنسيق ‘المجتمع الدولي’ معه (حتى لو كان الثمن استسلامه التام في موضوع عتاده الكيميائي) نوعاً من الاعتراف به وبدوره، بل افترض، على الأغلب، أن ما جرى من تدمير لبلده وابادة لشعبه إنجازاً عبقرياً له.
يشبه ما قام به الأسد عمل خيميائيي القرون الوسطى الذين اجتهدوا لتحويل المعادن الخسيسة الى ذهب فالرئيس السوري أنجز المعادلة الخيميائية المستحيلة: قم بابادة شعبك بالسلاح الكيماوي فتتحوّل فجأة الى شريك دولي وبطل اعلاميّ.
بهذا التصور الجديد لاعادة تأهيله دوليا ظهر الأسد على تلفاز تركيّ مهدداً البلد الذي يستضيفه، واسترخى مجدداً في صورة العبقريّ الذي يعيد تعريف الأشياء في العالم في صحيفة ‘دير شبيغل’.
تعريف الأسد للمعارضة يتناسى عامداً كل المعارضات المسلحة في العالم، من الثورة السورية التي أنجزت الاستقلال الأول، والمعارضة الفيتنامية، والمعارضة الجزائرية ، والمعارضة الامريكية اثناء حرب الاستقلال عن بريطانيا، والمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني، والمقاومة الفلسطينية المسلحة لاسرائيل، وأخيرا لا آخراً، يتناسى مقاومة حزب الله المسلحة التي يتغنى النظام بالتحالف معها.
في عالم تتحول فيه الابادة الجماعية للبشر الى بطولة ويتحوّل وارث للسلطة بقوة المخابرات فيلسوفا سياسيا جديدا يتلاعب بالمعاني السياسية والاخلاقية التي كدّ مئات الملايين من البشر ليؤسسوها، يحقّ لبشار الأسد ان يفعل ويقول ما يشاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول kassem:

    we love you assad son of assad

  2. يقول Amir Hamza:

    كل هذا الوقت ويدفع الشعب السوري المزيد الم يحن الوقت للجلوس وايجاد حل سياسي ومن المستفيد من هذا الوضع بغض النـظر عن الاتهامات لكل من المعارضة والنـظام ولم يربح من هذا الصراع والخراب الا امريكا واسرايل والخاسر بالدرجة الاولى هو الشعب السوري وبالتآكيد آمتنا العربية والاسلامية …
    ومن الممكن الان ايجاد صيغة موفقة قبل فوات الاوان ويوم لا ينفع مال ولا مطامح سياسية فكروا بآجيالكم الذين تفتك فيهم الامراض النفسية والاحقاد الجاهلية
    وانهيار كامل لكل مرافق الحياة …لا تصدقوا وعود ة دول المخازي وامريكا فلم تحصلوا منهم غير الوعود والعراق والصومال ولبنان ووووو شاهد على ذلك.

  3. يقول رضوان بن الشيخ عبدالصمد:

    تحياتي لقدسنا العزيزة
    وشكرا على المقال والتحليل الرائع كالعادة من قدسنا
    لا أستغرب هذالتصعيد الإعلامي للطاغية في دمشق بعد ان بدأ الإعلام الغربي التنافس على إجراء المقابلة مع السفاح الذي دمر بلده وقتل شعبه .وبعداستخدامه الأسلحة الكيماوية ضدالمدنيين أصبح شرعيا بعدماكان فاقدا للشرعية.

  4. يقول Wlddadh:

    الانسان على فطرته يرى ارهابين دمروا سوريا وقتلوا شعبها عشوائيآ بدون تميز وشردوه خارج الوطن فعندما الامريكان والغرب والاسرائيلين ودول الانبطاح من الدول العربية يزودوا الارهابين بالمال والسلاح وبوجود هولاء الارهابين في داخل سوريا من اجل ماذا اليس من اجل تسليم سلاح سوريا الكيماوي وتمزيق الجيش والبلد . المؤامرة على الشعب السوري من قبل الصهاينة وكل عبيدهم من حكام عرب واضحة وضوح لا يحتاج لها الى تحليل حتى تعرف الشعوب العربية ما يفكر به الاسد ومايدور في ذهنه بعد مشاهدتنا لجرائم الارهابين بحق الشعب السوري من قتل للناس بالمفخخات ولم يتركوا وسيلة للقتل الا واستعملوها ضد الشعب السوري فهل بعد تلك الجرائم الفضيعة يحتاج منا الى تحليل هل الاسد مع الشعب او ضد الشعب , فالشعب السوري يقف بكل طيافه مع الاسد .

  5. يقول Aadel Kudsi:

    تحليل هو عين الصواب.

  6. يقول د. محمد اليماني:

    تحية للرئيس الأسد من عاشق أبدي لسوريا … سوريا الشموخ والصمود ..

  7. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحبم(عالم تتحول فيه الابادة الجماعية للبشر الى بطولة ويتحوّل وارث للسلطة بقوة المخابرات فيلسوفا سياسيا جديدا يتلاعب بالمعاني السياسية والاخلاقية التي كدّ مئات الملايين من البشر ليؤسسوها، يحقّ لبشار الأسد ان يفعل ويقول ما يشاء)هذه آخر فقرة في رأي القدس اليوم تحت عنوان(ما سرّ التصعيد الاعلامي للأسد؟)
    لاينطبق على سلوك وتصرف الاسد الا-اللي بيستحو ماتو-وكذلك-اذا لم تستحي فاصنع ما شئت.فبعد تقتيل وتذبيح 120 الف من اطفال ونساء وشيوخ ورجال سوريا وتشريد ملايينها وتدمير عمرانها وبكل انواع الاسلحة الفتاكة او المحرمة دوليا،يطلع علينا الاسد بصورة الحمل الوديع والمظلوم الذي يدافع عن وحشيته المفرطة والمقززة بكل استخفاف بعقول المشاهدين والسامعين.واعتقد ان ذلك من حقه فهو وارث كرسي ابيه الذي صعد اليه بانقلاب مدعوم من كل اعداء سوريا واعداء العرب والمسلمين..والاسد الاول والثاني مع الشعب السوري ينطبق عليهم قول الشاعر(اسد علي وفي الحروب نعامة ربداء تجفل من صفير الصافر)
    بشار في تصرفه الارعن هذا يستندالى الآتي:1-دعم ايران صفوي طائفي غير محدود بالمال والرجال والسلاح.2-دعم دولي روسي علني وامريكي صهيوني مراوغ ومن وراء الكواليس

  8. يقول سعودي:

    تحرير سوريا سيفتح الباب واسعا أمام تحرير فلسطين ومعها الأندلس

  9. يقول سامح // الامارات:

    مقال رائع من قدسنا العزيزة …وتحليل أروع وبارك الله فيكم .
    كل ما أردت أن أقوله …وجدته في المقال الجميل .
    الطاغية ( الأسد ) : ـ
    * ذبح شعبه
    * دمر بلده
    * سلم سلاحه الإستراتيجي الرادع .
    وبعد كل هذه الفضائح …بدل ما يخجل من نفسه ويصمت …!!!
    عمل العكس تماما …وكأنه يفتخر بهذه الإنجازات الهمجية الدموية الحمقاء ؟؟؟
    فعلا : اذا ( لم تستح …فاصنع ما شئت ) …!!!؟؟؟
    شكرا .

  10. يقول سلمى:

    حسبنا الله و نعم الوكيل. لكن فيما يتعلق بما يسمى بالتنظيمات الجهادية , يكاد المرء يجزم أنها لا تخدم إلا أهداف أعداء الأوطان العربية و الإسلامية على اختلافهم حسبنا الله و نعم الوكيل

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية