منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول في فلسطين المحتلة، وانكشاف الصورة الحقيقية الدامية للاحتلال الصهيوني في ردّ فعله الإرهابي الهمجي في غزة المحاصرة المدمرة تعرف العالم كله على ظاهرتين محيّرتين في المشهد الفلسطيني..
الأول هو الانحياز الكامل الرسمي لبعض دول الغرب الأوروبي – الأمريكي لوجهة نظر المحتل بالنسبة لما حدث، ورفضه التام لرؤية أية وجهة نظر أخرى لدى الضحية الفلسطينية. فجأة نسيت تلك الجهات الرسمية الغربية الخلفية الاحتلالية الاستعمارية الصهيونية، التي امتدت عبر خمس وسبعين سنة، والتي لم تكن أحداث 7 أكتوبر إلا عارضاً واحداً من عوارضها المأساوية، التي ظل ذلك العالم الغربي يتجاهل وجودها تحت شتى الذرائع.
والثاني هو التعامل الانحيازي السافر من قبل إعلام بلدان تلك الحكومات، تجاه أحداث 7 أكتوبر. كان واضحاً أنه كان تتمة لتاريخ طويل من الانحيازات الإعلامية الغربية، ضد المصالح والحقوق العربية، وذلك لكونها خاضعة دوماً لإملاءات الممولين والمعلنين، ودوائر الاستخبارات الأمنية، ومختلف القوى السياسية الدولية المهيمنة، وبالطبع على رأسها إملاءات المتبرعين لذلك الإعلام بشتى الصور.
ما فعلته تلك الحكومات وما تلاعب به ذلك الإعلام، كان فضيحة أخلاقية قيمية، هزّت أعمق أعماق الصورة التي بناها الغرب عن نفسه عبر ثلاثة قرون، واكتشف العالم كم من الجرائم والفضائح ارتكبت وترتكب باسم شعارات الأنوار الأوروبية الشهيرة، وخلط الأوراق بصور تحيل المجرم إلى ضحية، وتجعل الضحية تبدو في صورة مجرم، تماماَ كما يحدث الآن في الساحة الفلسطينية.
اكتشف العالم كم من الجرائم ارتكبت وترتكب باسم شعارات الأنوار الأوروبية، وخلط الأوراق بصورة تحيل المجرم إلى ضحية، تماماَ كما يحدث الآن في الساحة الفلسطينية
لقد أصبح ذلك المشهد الغربي مكشوفاً، واكتوت بناره شتى الأقطار العربية، والكثير من الحراكات التحررية النضالية العربية. لكن يبقى سؤال نحتاج أن نطرحه على أنفسنا بموضوعية وصدق مع النفس وهو: وماذا عن وسائل الإعلام العربي والأدوار التي يلعبها في المشهد الفلسطيني الحالي؟ ألم يكن موقف بعضه هو الآخر مثيراً للتساؤلات؟ ألم يتصف بعضه بغياب المهنية الموضوعية، وأحياناً حتى بغياب الالتزام بالقيم الإنسانية تجاه آلام ودمار حياة الألوف في غزة؟ ألم يكن موقف بعضه مسايراً لمواقف هذه الجهة الرسمية أو تلك، على الرغم من معرفته بأن تلك المواقف لا تكفي لتردع عنجهيّة جيش المحتل الصهيوني في تعامله المرعب مع المدنيين في غزة؟ بل ألم يقف بعضه مسايراً حتى لمنطق قوى خارجية أجنبية عرف عنها أنها تعتبر كل مقاومة فلسطينية مشروعة، إرهاباً في وجه الكيان الصهيوني؟ بل ألم نسمع ونقرأ قصائد اللوم والنقد لهذه القيادة، أو المقاومة الفلسطينية، في وقت كان المقاوم الفلسطيني في أشد الحاجة للتعاطف والمساندة، بدلاً من كلمات الغمز واللمز والتذكير بهذا الخطأ أو ذاك الموقف السابق؟ وألم يكن من واجب الإعلام العربي توجيه النقد الصادق الموضوعي لأية جهة عربية رسمية اكتفت بإصدار البيانات الاحتجاجية، التي لا يعيرها العدو الصهيوني أي اهتمام، بدلاً من اتخاذ قرارات واقعية عملية تشعر ذلك العدو بأنه يواجه أمة متكاتفة متناسقة في كل ما يخص الموضوع الفلسطيني، وتجعله يعرف أن أي تفاهم أو تعاون معه لن يكون قط على حساب شعب فلسطين العربي، خصوصاً حقوقه الإنسانية الكاملة وكرامته في الحرية والعدالة والرفض التام، طال الزمن أم قصر، للتفريط ولو بشبر واحد من أرضه الفلسطينية؟ ألم يكن من واجب الإعلام العربي أن يكون صوتاً للملايين من أفراد شعوب الأمة، الذين خرجوا ينادون بدعم كامل للمقاومة الفلسطينية؟ فقد كنا ننتظر من كل إعلامنا أن يكون الصوت المعبرّ، سواء عن طريق النشر الكامل لأخبار كل الجرائم التي يرتكبها الجيش الصهيوني، أو تقوم بها جماعات المستوطنات المسلحة الغازية، أو عن طريق سيل من المقالات الجريئة والأحاديث الجريئة التي كانت وحدها ستريح أرواح الآلاف من الأطفال الفلسطينيين ومن الأمهات الفلسطينيات الذين ماتوا وعيونهم زائغة نحو أمتهم، وعلى الأخص إعلام أمتهم، ولكن وللأسف خذلهم بعض ذلك الإعلام أي خذلان، عندما كان كل همّه هو استعمال هذه المناسبة الفلسطينية البطولية لإثارة النعرات والخلافات والشكوك وخلط الأوراق. تحية لذاك الإعلام العربي الذي لم يخذل، وإنما كان صوتاً مدوياً في معركة العرب الوجودية ضدّ جيش من الذين تآمروا علينا، منذ وعد بلفور المشؤوم إلى يومنا الذي نعيشه حالياً.
كاتب بحريني