اشتبك الأمن الأردني، أمس الأربعاء، مع تجار مخدرات ومهربين في مناطق صحراوية شرق البلاد، وذلك بعد خوض الجيش اشتباكات على مدى 14 ساعة مع مجموعات مسلحة على الحدود مع سوريا، تخللتها غارات جوية على أهداف في داخل سوريا تنطلق منها، كما ذكر تقرير لـ«القدس العربي» عمليات تهريب لتجار مخدرات مقربين من أجهزة أمن للنظام السوري و«ميليشيات إقليمية».
تخترق هذه العمليات الحدود الطويلة للبلدين، على طول 370 كيلومترا، وتحاذي المثلث العراقي – السوري – الأردني، وتمتد إلى محافظات درعا والسويداء وريف دمشق والمناطق الصحراوية المفتوحة، وتمتدّ، حسب الخبر الآنف، إلى العمق الأردني، ويمكن اعتبار المواجهات العنيفة الأخيرة، الأكبر بين مئات العمليات التي جرت حتى الآن.
ارتفاع حدة المواجهات، وطولها، واستخدام الطائرات الحربية فيها، لا يتناسب مع توصيف السلطات الأردنية للخصوم الذين تواجههم، ورغم إلقاء الضوء على علاقة هؤلاء بأجهزة النظام السوري وميليشيات إقليمية، فإن الاتساع الجغرافي الكبير لحركة هؤلاء، وشمول وصف الميليشيات، جنسيات عربية وأفغانية وإيرانية، والتوزع الكبير لمصانع المخدرات وتوضيبها وشحنها، وإضافة الأسلحة إلى منتجات التهريب، وربط النظام السوري وقف هذه العمليات بإلغاء عقوبات قيصر عليه، يعني أن ما يحصل هو حرب حتى لو كان هدفها تمرير المخدرات عبر الأردن ونحو السعودية والخليج العربي، وتحقيق أرباح طائلة (قدّرت صحيفة «دايلي تلغراف» حجم الصناعة بـ57 مليار دولار أمريكي) فإن ذلك لا يخفي أهدافها السياسية.
يجيء التصعيد الأمني الكبير على الحدود ليضغط على المنظومة السياسية والعسكرية والأمنية والأردنية في وقت يتعرّض فيه الشعب الفلسطيني إلى العدوان الأكبر عليه منذ حربي 1948 و1967، ويتلقى الأردن، الذي يجمع شعبه بين المكوّنين شرق الأردني والفلسطيني، تهديدات مسعورة من رموز حكومة الحرب اليمينية المتطرّفة الإسرائيلية بإحداث تغيير ديمغرافي وتهجير جديد للفلسطينيين. يتزامن ذلك مع إعلان السلطات السورية مؤخرا إيقاف جميع عمليات شراء العقارات للفلسطينيين في سوريا ككل، ومعاملتهم معاملة «الأجنبي» بالنسبة لتملك العقارات، وهو ما كان موضوع مطالبة من اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين لحكومة بشار الأسد بالتراجع عن ذلك القرار.
هاجم الأسد قبل أشهر، خلال لقاء مع قناة تبث من الإمارات، حركة «حماس» ووصفها بالغدر، وبأنها «تدّعي المقاومة» ورغم ابتعاث الحركة وفدا في تشرين الأول/أكتوبر في العام الماضي التقى الأسد، فإنه قال إن «العلاقات مع حماس لا يمكن أن تعود كما كانت» وذلك لأن «المعارك داخل سوريا هي الأولوية بالنسبة إلينا». المعارك المقصودة طبعا هي القصف المستمر على المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وقد زادت هجمات النظام عنفا وشراسة على تلك المناطق خلال فترة الحرب على غزة، في الوقت الذي لا تلقى فيه الهجمات الإسرائيلية المستمرة والمتلاحقة على مطارات دمشق وحلب، وعلى المواقع الإيرانية في سوريا.
لا يحتاج الأمر تفحّصا كثيرا لرؤية المشترك في هذه الوقائع كلها، ولكون إسرائيل هي متلقّي الرسائل الأول في هذه الأحداث. ما يقوله النظام السوري بوضوح هو إعلان براءة من أي نيّة سلبية تجاه إسرائيل، ورغم الضرر الذي تسببه الهجمات الإسرائيلية لمرافق النظام العامة، فإن لعب دور «الصنم الصامت» تجاه العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، والضربات التي توجهها لإسرائيل لـ«حزب الله» أو ميليشيات إيرانية فوق أراضيه، وشراسته، في المقابل، في فتح الجبهات ضد الأردن والمدنيين السوريين، يعني أن «الأولوية» هي لبقاء نظامه، ولاستمرار «كارتل المخدرات» المربح، والرهان على إسرائيل، في كل ذلك، قد يكون ورقته الرابحة للتطبيع مع العالم، بعد كسبه ورقة التطبيع مع «الجامعة العربية».