ما هو السلام يا جدّي؟

حجم الخط
0

”جاءت حفيدتنا من روضة الاطفال بنشيد عوزي حتمان. وأنشدت في حماسة طفلة بريئة: ‘يا إلهي، أردت أن تعلم وأردت أن تعرف حلما حلمته الليلة في سريري. رأيت في حلمي ملكا جاء إلي من السماء وقال لي: جئت من السماء لأبارك الاولاد جميعا. وحينما استيقظت تذكرت الحلم وخرجت أبحث عن سلام قليل فلم أجد ملكا ولا سلاما فقد مضى منذ زمن…’. وشاركناها في الغناء وصفقنا لها. وسألت فجأة في غرفة الالعاب بعد ساعة: ‘يا جدي لماذا ذهب الملك ولم يترك سلاما؟’.’
أُحرجت وأجبتها بسؤال كعادة كبار السن الذين يتهربون من قول الحقيقة: ‘هل تحلمين احيانا ايضا بملك يأتي بالسلام؟’. فأدارت رأسها جانبا وقالت في شيء من الحياء، ‘أنا أحلم بملائكة لكن لا بالسلام. ما هو السلام يا جدي؟’.’
قلت لها: ‘لا تخجلي فأنا ايضا لم أعد أحلم بالسلام ولم نعد جميعا نحلم بالسلام ولا نكاد نعلم ما هو السلام’.’
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانت عند الاسرائيليين أحلام سلام فلم تعد موجودة في الالفية الثالثة، فقد اختفى حلم السلام تماما من الخطاب والثقافة والاعلام والوعي العام، واختفى ‘السلام’ على مذهب اليسار و’السلام’ على مذهب اليمين. هل تتذكرون ملصقة السيارات ‘جيل كامل يطلب السلام’؟ لقد أصبحت شيئا يعرض في المتاحف. إن جيلا كاملا اليوم يطلب السكن أو الجبن الرخيص، أو الجائزة الاولى في مسابقة غناء، أو سيارة باستيراد شخصي أو عدالة اجتماعية.’
لم يحدث التخلي عن حلم السلام لسوء الوضع الاقتصادي، فقد كان شعب اسرائيل يحلم بالسلام حينما كان وضعه الاقتصادي اسوأ كثيرا من الوضع الحالي؛ فقد قامت ‘سلام الآن’ وقويت حينما كان الانتاج الوطني للفرد أقل من 10 آلاف دولار كل سنة لا 40 ألف دولار كما هو الآن. فشباب اليوم يُجلون الحياة المادية لأنهم يئسوا من معجزة السلام، أولست لا تكون شابا حينما لا ترفع علما وتتمسك بحلم. أثرت عوامل كثيرة في ابعاد السلام عن الاحلام والرؤى. يمكن أن نشير الى الانتفاضة الثانية باعتبارها نقطة الانكسار في حلم السلام. ويمكن أن نشير الى الهاوية العميقة الفاغرة برغم اتفاقات السلام الرسمية، بين الشارعين المصري والاردني والشارع الاسرائيلي. ويمكن أن نشير الى أنه في 15 سنة من الـ 17 سنة الاخيرة تولى رئاسة الوزراء في اسرائيل ساسة من الليكود أو من خريجي الليكود. ويمكن أن نعد مئات آلاف المستوطنين وراء الخط الاخضر وأن نستنتج من ذلك أن الامر قد حُسم وأن فكرة السلام حلت محلها فكرة كيان سياسي ذي شعبين.
يمكن أن يكون اليأس من مسيرة السلام قد أصبح يأسا من حلم السلام. ويمكن أن تكون الاخفاقات الدامية للتحول الديمقراطي في العراق ومصر وليبيا وسوريا وفلسطين قد أقنعت بأن السلام مع محيطنا ليس هدفا مناسبا من المرغوب فيه الطموح اليه. فالسور الحصين أفضل. ويمكن أن نشير الى تأثير صاغة رأي عام واقعيين يدعون الى الكف عن مطاردة أوهام ‘السلام المسيحاني’ كتعريفهم، والى الاكتفاء بتسويات عدم قتال جزئية وأن نعيش الى جانب الفلسطينيين والعرب لكن لا في سلام معهم.’
مهما تكن الاسباب فان حلم أبناء جيلي بالسلام قد زال وجُمد وخُزن في ثنايا اللاوعي. إن البنت الصغيرة في نشيد حتمان استيقظت خائبة الأمل من حلمها وهي تتجه الى الله قائلة في تحدٍ: أردت فقط أن تعلم يا الهي أنني بقيت بلا سلام لكنني ما زلت أحلم به. وليس ثم ما يدعونا الى مخاطبة الله بوقاحة فنحن لم تعد ملائكة السلام تزور أحلامنا منذ زمن.’
أصبحت منذ كان حديثي مع حفيدتي أستمع الى انشودة عوزي حتمان مرة بعد اخرى مع دمعة في العين احيانا. وأفكر في نفسي قائلا إن شعبا حرا يستطيع أن يحيا حقبا بلا سلام. لكن شعبا حرا لا يستطيع أن يحيا حقبا دون أن يحلم بالسلام.

يديعوت 19/1/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية