مع كثرة الاختلافات في وجهات النظر حول ما يجري في فلسطين المحتلة، وعلى الأخص في غزة المبتلاة بالبؤس والمستهدفة بألف حجة مصطنعة، لا بد من تذكير الكل، وعلى الأخص شابات وشباب الأمة، بالمبادئ والممارسات والضوابط التي يجب أن تحكم معارك الاختلافات تلك. ونحن هنا نشير على الأخص إلى ما يجري عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية وغيرها، وإلى ما يجري بين أنظمة الحكم العربية من خلافات.
ومن البداية دعنا نشدد على الأهمية القصوى لأن يحكم تلك النقاشات، عدد من الفضائل، بعيداً بمقدار ما أمكن عن أضدادها من الرذائل. ولعل روح وأعماق تلك الفضائل تتمثل في الآية القرآنية الكريمة: «وجادلهم بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم». وليكن مدخلنا للممارسة الصحيحة، ما أكده البعض من أن التأدب هو مصدر الفضائل الرئيسي، والإخلاص هو مبدأها الأساسي، والتعقل والاحتراس هو الشرط الذي يجب أن يسبق ممارستها. فالتعقل والاحتراس عند بحث وقائع بالغة التعقيد، مثل الذي يجري في فلسطين، بحيث ينتبه إلى محدوديات وخصوصيات الواقع، وموضوع النقاش، ولا يتيه في تبسيط ما تتطلبه المثاليات والعموميات أحياناً، وفي الإصرار على الأخذ بها مهما كانت الظروف ومهما كان الثمن، هذا النوع من الاحتراس، الذي قد يسميه البعض بالنية الحسنة، هو ضروري أحياناً، وإلا فإن النتيجة قد تكون كارثية، من دون هذا التعقل والاحتراس وأخذ الحيطة، فإن فضائل مهمة مثل الشجاعة والعدالة قد تتيه في التطبيقات الخاطئة والنتائج الكارثية. لكن يقابل ذلك، وبالأهمية نفسها، عدم السماح للحيطة والحذر بأن يؤديا إلى الجبن وضعف الإرادة والتعايش مع الذل، الذي يمس كرامة الإنسان والشعوب.
المطلوب من مؤتمري القمة أن يشعروا الملايين من مواطنيهم والآلاف من أطفال غزة في قبورهم بأن ما بعد 7 أكتوبر سيكون غير ما قبله وأن ذلك سيكون تحت سقف الإرادة الحرة المستقلة
نبرز هذه الجدلية ما بين الحذر والجبن وقلة الحيلة، وذلك بمناسبة اجتماع القمة العربية في الرياض بعد بضعة أيام، والذي نرجو أن يعقبه اجتماع قمة إسلامي في الحال، وذلك قبل أن ينعقد اجتماع باريس الذي دعا إليه الرئيس ماكرون والذي سيحاول التكتل الاستعماري الأمريكي – الأوروبي أن يجعله مظهرياً فارغاً من الحكم الأخلاقي على الجلاد الصهيوني، ومتجنباً الغوص في لب الموضوع الفلسطيني كاحتلال واستعمار وتهجير وإذلال لا يتوقف.
إن الملايين من البشر الذين ملأوا شوارع الكرة الأرضية دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني واستنكاراً لمذبحة غزة الهمجية سينتظرون إذن من مؤتمري القمة العربي والإسلامي أكثر من بيانات الاستنكار والمطالبة باحلال السلام، الذي على أي حال يرفضه الكيان الصهيوني بنبرات عنصرية نازية لم يعرف مثلها العالم حتى في أحلك عصوره، وإنما سيطالبهم بخطوات وأفعال سياسية وأمنية واقتصادية توقف الكيان الصهيوني عند حدّه، وتعزله عزلاً تاماً عن محيطه العربي والإسلامي، وخطوات تنبه أمريكا وبعض دول أوروبا التابعة لها باستجابة ذليلة ما كانت تخطر على البال، تنبههم إلى الخطوط الحمر التي لن يسمح لهم بتخطيها، وإلى أن كرامة الأمتين العربية والإسلامية قد أصبحتا في الميزان هذه المرة، ولذك فإن تجييشهم الأعمي لقدراتهم العسكرية ولنفوذهم السياسي ولإعلامهم المنحاز في سبيل دعم الهجمة الصهيونية الحيوانية على أهل غزة لن يسمح لها أن تمر هذه المرة، من دون ثمن يدفعه هذا التكتل الاستعماري الغربي، الآن وفي المستقبل المنظور. ولذلك فسيكون من الحصافة، وضمن فضيلة الحذر والتأني المدروس، الاتفاق على أن تكوّن القمتان مجموعة مفكرين واستراتيجيين وناشطين لوضع استراتيجية شاملة لتبنيها من قبل مؤتمري القمة مستقبلاً وتنفيذها خطوة خطوة.
المطلوب من مؤتمري القمة أن يشعروا الملايين من مواطنيهم والآلاف من أطفال غزة في قبورهم بأن ما بعد 7 أكتوبر سيكون غير ما قبل 7 أكتوبر، وأن ذلك لن يكون تحت سقف الجبن والذلة، والتسليم بما تفرضه أمريكا وحلفاؤها الصهاينة والأوروبيون، وإنما سيكون تحت الإرادة الحرة المستقلة، الحذرة والمتأنية ولكن أيضاً الشجاعة الملتزمة أخلاقياً وتضامنياً مع ثوابت العروبة وثوابت الإسلام.
كاتب بحريني