فوز المغرب على إسبانيا ليس حدثا يتكرر كل يوم، بل هي المرة الأولى في تاريخ العرب بكأس العالم التي يتأهل فيها أحد منتخباتهم إلى ربع نهائي البطولة.
لكي تفوز على منتخب بحجم إسبانيا فإن الإيمان لا بد أن يكون حاضرا. الإيمان وحده لن يكفيك للفوز لكن من دون الإيمان لن يمكن ذلك أبدا، والحقيقة أن تفاؤلا واضحا كان سائدا في الأجواء قبل تلك المواجهة بالنظر لما قدمه المغرب في دور المجموعات الذي أصبح معه أول منتخب أفريقي يتصدر مجموعته منذ أن فعلتها نيجيريا في 1998، والمصادفة أن تلك الكأس غادر فيها المغرب بسيناريو مؤلم لحساب النرويج التي فازت على البرازيل، وهو نفس السيناريو الذي لعبت فيه نيجيريا دور البرازيل آنذاك ومنحت باراغواي، التي لعبت دور النرويج، بطاقة التأهل لإقصاء إسبانيا التي لعبت دور المغرب وقتها.
لا يمكنك أن تقول ان المغرب لعب كالكبار، ففي البطولة المغرب كان واحدا من الكبار ولم يلعب مثلهم فقط. شوط أول في غاية القوة بينما شهدت الأشواط التالية تراجعا بدنيا ورغم ذلك لم تخلُ من فرص مغربية كفيلة بالتسجيل لولا رعونة شديرة، لكن ياسين بونو كان في النهاية حاضرا للذود عن مرماه في الأوقات الإضافية وفي ركلات الترجيح ليصبح ثاني حارس في تاريخ كأس العالم يحافظ على نظافة شباكه طوال 120 دقيقة وفي ركلات الترجيح كذلك.
قبلها كان الأمريكان يغادرون دور الـ16 أمام الهولنديين. شاهدت المباراة من المدرجات والحقيقة أن الجمهور الأمريكي كان أكثر سخونة من الهولندي، لكن هتافاتهم أشعرتني وأنني أشاهد مباراة كرة سلة بمصطلحات من نوعية “هيا يا شباب” و”هيا يا فريق” بالإضافة لهتافهم الأشهر “يو اس ايه”.. ربما فقط كان ينقصهم هتاف “defense defense!” لأتخيل أن ليبرون جيمس يتواجد على أرضية الملعب.
رغم كل المفاجآت التي شهدتها هذه البطولة إلا أنها مفاجآت لم تغير كثيرا من مجريات الترشيحات، فالبرازيل لا تزال تقدم مستوى مبهر وفرنسا لا تزال تسير بثبات، والأرجنتين رغم عدم تقديمها لما كان متوقعا إلا أنها لا تزال مرشحة فوق العادة لنهائي مبكر بينها وبين البرازيل حتى وإن كان هذا النهائي المبكر في نصف النهائي لأن تلك المواجهة هي الوحيدة التي لم تحدث في نهائي البطولة بين أنجح 4 فرق في المسابقة البرازيل وألمانيا وإيطاليا والأرجنتين رغم أنها ربما ستكون المباراة الأقوى والأعنف والأشرس، تماما كالتي تحدث شبه يومي في مترو الدوحة وكنت شاهدا على احداها بين جماهير البرازيل والأرجنتين وكيف لا يطيق أحدهما الآخر. صحيح كانت المواجهة سلمية لكن الهتافات تعالت بين الاثنين اللذين يدركان أن المواجهة اقتربت وأنه على الأرجح سيأكلان هولندا وكرواتيا ويتفرغان لمواجهة يُسال فيها من الحبر أنهار، وتُكتب عنها من الأغاني أشعار. الا أن البرازيل خيبت الظن وخرجت أمام كرواتيا.
فلا ننسَ أن أهم وأشهر أغنية في تاريخ كرة القدم هي “مارادونا أفضل من بيليه” تلك التي كُتبت خصيصا بعدما فازت الأرجنتين على البرازيل في كأس العالم 1990 وأن أشهر أغنية في كأس العالم حاليا والتي ستسمعها في كل مكان من أرجاء العاصمة القطرية هي “أريد الثالثة!” كانت قد كُتبت عقب فوز الأرجنتين على البرازيل في نهائي كوبا أميريكا العام الماضي، وقبل أن تظنني متحيزا للأرجنتين فربما أنا كذلك على الأقل على مستوى الأغاني، فمستوى الكلمات والألحان لجماهير التانغو لا يمكن أن تفوقها أغاني أخرى ومجرد سماعها لمرة وحيدة سيجعلك تذوب في حبها وحب ألحانها.
وربما يحمل أحدهم نظرية أخرى أن النهائي الأقوى والأعنف والأشرس هو الذي قد يمكن أن يحدث فعلا بحسب مجريات القرعة، وهو النهائي الذي قد يجمع بين ميسي ورونالدو والفائز به قد تكون له الحظوة في إنهاء كل ذلك الجدل الذي دار على مدار 15 عاما تقريبا في صراع فردي لم نشهد له مثيلا في تاريخ كرة القدم، لكن أحوال رونالدو ليست على ما يرام فالشاب غونسالو راموس انتزع الأضواء في المباراة الأخيرة، وإن كسر فيرناندو سانتوس الجبل الجليدي الأول واتخذ قراره بإجلاس رونالدو على مقاعد الاحتياط فإن اتخاذ نفس القرار مجددا ربما يكون أسهل.. وربما يكون أصعب! فجلوس رونالدو من جديد على الدكة أمام المغرب من شأنه أن يقضي على كريستيانو نفسيا، فهو الذي سوق لأزمته مع مانشستر يونايتد على أن جلوسه احتياطيا أمر لن يحدث إلا من مدرب “محدود” كتين هاغ لكن ها هو رجله الأمين فيرناندو سانتوس يفعلها ويضعه في موقف محرج لم يستطع الخروج منه رغم اشتراكه لـ20 دقيقة كانت كافية للتسجيل في مباراة سحقت فيها البرتغال سويسرا بسداسية.
أما بالنسبة لي فإن العاطفة ستلعب دورها فالنهائي المثالي هو الذي سأجد فيه وليد الركراكي يُرفع على الأعناق وياسين بونو يحمل الكأس وسفيان أمرابط يحمل جائزة الأفضل في البطولة. كأس عالم لا يزال مثيرا، جمع بين المفاجآت الصاخبة المدوية ومع ذلك حافظ على أغلب القوى التقليدية في صراع ناري في الأدوار النهائية.. معادلة ليست بالسهلة على بطولة استعادت بريقها بشدة في تلك النسخة.
أتمنى أن يكون النهائي بين المغرب وكرواتيا ?