لندن-“القدس العربي”:نجحت وبامتياز خطة بوروسيا دورتموند في تحويل اليافع الشاب البريطاني جادون سانشيو من مجرد مراهق موهوب تقطعت به كل السبل في مانشستر سيتي لكثرة الأسماء اللامعة في مركزه، لواحد من أفضل وأشرس الأجنحة في الدوريات الأوروبية الكبرى، وجوهرة التاج التي تبحث عنها أندية البريميرليغ الكبرى، وبدرجة أقل عملاقي الليغا ريال مدريد وأندية أخرى تملك من القدرة الشرائية ما يكفي لإقناع أسود الفيستيفاليا بالتنازل عن أحد وألمع اكتشافاته.
ضربة معلم
باللهجة المصرية البسيطة، كانت ضربة معلم من كشاف مواهب “سيغنال أيدونا بارك” السابق سفين ميسليناتات، بالتقاط الصغير المتمرد على بيب غوارديولا بعمر أقل من 17 عاما، مقابل رسوم لم تتجاوز الثمانية ملايين يورو، وذلك في نفس الصيف الذي باع فيه الفرنسي عثمان ديمبيلي لبرشلونة مقابل أضعاف أضعاف هذا المبلغ -115 مليون من نفس العملة-، كأغلى صفقة في تاريخ البوندسليغا. والآن وبعد أقل من عامين ونصف، أصبح هذا الصغير لاعبًا أساسيًا في صفوف منتخب إنكلترا الأول، وأفضل صانع ألعاب في الدوريات الأوروبية الكبرى، بصناعة 23 هدفًا في كل المسابقات حتى الآن، منهم 11 في الدوري الألماني، غير أنه أضحى أصغر لاعب يصل لهدفه الـ23 في الملاعب الألمانية بعمر 19 عامًا و267 يومًا، محطما رقم هورست كوبيل الصامد منذ أواخر ستينات القرن الماضي، بتسجيل نفس العدد بعمر 19 عامًا و269 يومًا، والذي تحقق عام 1968. وبطبيعة الحال، هذا لم يأت من فراغ أو من قبيل الصدفة، بل لموهبته وجرأته كلاعب مراوغ من طراز فريد، أقرب ما يكون للمواهب اللاتينية التي تداعب الطريقة بطريقة خاصة في مواقف لاعب ضد لاعب، أو النسخة المعدلة لرحيم سترلينغ، لجودته العالية في الاحتفاظ والتحكم بالكرة، تشعر وكأنه يقبض عليها بيديه وليس بأقدامه، وهذه ميزة قلما تجدها في لاعب رأس ماله السرعة، عادة هذه الميزة (القدرة على التحكم في الكرة والمراوغة من وضع الثبات)، تتوافر لدى صانع الألعاب الكلاسيكي الذي لا يحتاج للسرعة، أو اللاعب رقم (8) وهو أيضا لاعب لا يحتاج للسرعة، فما بالك بمراهق يجمع أهم سلاحين في كرة القدم الحديثة، السرعة الفائقة والتحكم في الكرة.
أضف إلى ذلك، أنه يتمتع بعقلية لاعب في منتصف العشرينات، ويظهر ذلك في حُسن تصرفه بالكرة في الثلث الأخير من الملعب، إذ يعرف متى يتخذ قرار الانطلاق على الطرف الأيمن –مكانه المُفضل- ويعرف متى يضرب الدفاع بتمريرات في العمق، باختصار لاعب في منتهى الذكاء والمكر الكروي، ويفعل ذلك بإيجابية وحدة على المرمى، ونلاحظ أنه كلما تسلم الكرة في آخر 30 متر في الملعب، يُثير ذعر المنافسين بقراراته الجريئة، التي تصل أحيانًا لحد الإرهاب الكروي بالبحث عن المدافعين لاستعراض رشاقته ومهارته في المراوغة، ما يجعل المكلفين بمراقبته يواجهونه بحذر ومن مسافة بعيدة لتفادي التعرض لأي إهانة تبقى سنوات في مقاطع “يوتيوب” سنوات، وهذا سبب تهافت صفوة أندية القارة العجوز عليه في الآونة الأخيرة، وأيضا سبب نجاحه في تحقيق هذا الكم الهائل من الأرقام القياسية في البوندسليغا، ليصبح مرشحا فوق العادة لضرب رقم عثمان ديمبيلي، كأغلى صفقة في تاريخ النادي والدوري عموما.
وجهات محتملة
مع بدء العد التنازلي لاستقبال أول أيام يناير / كانون الثاني، ضاعفت وسائل الإعلام البريطانية جرعة الأنباء والشائعات حول مستقبل سانشيو في الميركاتو الشتوي، ما بين تقارير تتحدث عن انضمام تشيلسي لقائمة الطامعين في توقيعه، وأخرى تعطي الأفضلية لليفربول أو مانشستر يونايتد، ومؤخرًا، ظهر اسم ناديه الأسبق على الخط، تحسبًا لخسارة رحيم سترلينغ الصيف المقبل، وبإلقاء نظرة عن كثب على أبرز الوجهات المحتملة، سنجد أن خيار الذهاب إلى “ستامفورد بريدج”، سيكون فيه شيء من المغامرة إن لم تكن مقامرة، وذلك رغم السمعة الطيبة التي ثبتها فرانك لامبارد كمدرب خبير في التعامل مع الشباب العشريني وما دون ذلك، على غرار ما فعله مع تامي آبراهام، ماسون ماونت، تيموري وبقية الشباب الذين صمد بهم طويلاً في نصف الموسم الصعب بدون صفقات جديدة، وتكمن المشكلة في ازدحام مركزه بالأسماء التي ستشاركه الدقائق، ومن سوء حظه أن سوبر فرانك لديه كل الأعمار في مركز الجناح أو من يملك مرونة اللعب في عمق الوسط والطرف من نوعية ويليان، ماونت، روس باركلي، لوفتيس تشيك، كريستيان بوليسيتش وآخرون، ما يعني أنه لن يملك رفاهية اللعب بلا خوف أو قلق على مكانه، كما هو وضعه الآن في “سينغال أيدونا بارك”، ونفس الأمر ينطبق على خيار الذهاب إلى “أنفيلد روود”، إن لم يكن أكثر خطورة على مستقبله، في ظل وجود أسماء يصعب بل يستحيل تحريكها من تشكيلة كلوب الأساسية أمثال محمد صلاح وساديو ماني، والأعقد من ذلك احتمال ذهاب الياباني تاكومي مينامينو إلى الجزء الأحمر من مدينة نهر الميرسيسايد، الأمر الذي يصعب عليه فكرة دخول مشروع يورغن كلوب، رغم أنه سيكون الطريق الأسرع للوصول لمناص التتويج، في ظل الطفرة التي يعيشها الفريق منذ تتويجه بكأس دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة في تاريخه.
الخيار المثالي
منذ رحيل البرتغالي لويس ناني، لم يعثر مانشستر يونايتد على جناح أيمن قادر على صنع الفارق كما كان يفعل كريستيانو رونالدو ديفيد بيكهام وكل من كان يشغل ذاك المركز في حقبة الأسطورة سير أليكس فيرغسون، ربما يكون المدرب أوليه غونار سولشاير قد حل معضلة ضعف وهشاشة الجهة اليمنى دفاعيا بشراء الصخرة آرون بيساكا، لكن على المستوى الهجومي، هناك خلل وضعف فني في مركز الجناح الأيمن المهاجم، بإبقاء لاعب مثل جيسي لينغارد كل هذه الفترة، رغم أنه أوشك على الوصول لعامه الـ30 ولم يترك بصمة حقيقية حتى الآن، أو يثبت أنه لاعب كبير وقادر على تحمل المسئولية في الظروف الصعبة، حتى أنطونيو فالنسيا الذي جاء من ستوك سيتي كجناح أيمن لم يتألق إلا بعد تعديل مركزه لظهير أيمن، وتبعه أشلي يونج وأنخيل دي ماريا، بفشل صادم في هذا المركز، والحل؟ إعادة كبرياء رقم 7 بضم لاعب العدو السماوي في أقرب فرصة، أولاً أسلوبه الجريء ونزعته الهجومية بالتقدم دائمًا إلى الأمام وإرسال العرضيات، يتماشى مع مدرسة مانشستر يونايتد، بل هو النوع المفضل للجماهير، ثانيا سيلعب بأريحية ودون ضغط أو خوف على مكانه في التشكيلة الأساسية، لأنه نسخة مختلفة عن دانييل جيمس، والشيء الأكثر أهمية، أنه سيحظى باستقبال الملوك من قبل مشجعي النادي، لضرب عصفورين بحجر واحد، منها مساعدته على تقديم أفضل ما لديه من أجل شعار الشياطين الحمر داخل الملعب، ومنها أيضا رد الصاع صاعين لبيب غوارديولا وناديه السابق، الذي لم يمنحه فرصته للتعبير عن نفسه في بلاده.
ولا ننسى أن خزينة اليونايتد وقدرته الشرائية تجعله مفضلا على أي منافس حتى لو كان اسمه ريال مدريد أو برشلونة، وقد أثبت ذلك في كل صراعاته مع المنافسين على أي صفقة يبحث عنها، كما حرم عملاقي الليغا من بول بوغبا، غير أن ماركوس راشفورد سيكون أكثر الأشخاص سعادة إذا تمت الصفقة، لأنه سيساعده على إيجاد المساحات التي يعشقها في الثلث الأخير من الملعب، وبوجه عام، سيخف الضغط والتركيز على الجبهة اليسرى التي باتت مصدر القوة الوحيدة في الخط الأمامي، بينما في وجود رقم 7 حقيقي جديد، سيكون هناك تنوع في الهجمات والحلول في الثلث الأخير من الملعب، وهذا ما يبحث عنه ويريده سولشاير ليبدأ مرحلة جني ثمار مشروعه الشاب، بعدما تخلص من صداع هشاشة الدفاع بضم هاري ماغواير من ليستر سيتي وقبله آرون بيساكا، يحتاج فقط محرك للفريق في الجبهة اليمنى، على أمل أن يكون القطعة النادرة المتبقية لتشكيل ثلاثي مخيف في الهجوم كما هو الحال في ليفربول، وهذا وارد حدوث في المستقبل القريب إذا تمت الصفقة الشهر المُقبل أو الموسم القادم إذا تأجلت لفصل الصيف.