ما هي «كلمة سر» بشار الأسد؟

حجم الخط
0

نشر مقاتلو المعارضة السورية بعد تحريرهم مدينة حلب مؤخرا شريطا مصوّرا يتجوّلون فيه داخل «قصر الضيافة» الذي اعتاد رئيس النظام السوري بشار الأسد الإقامة فيه عند زيارة المدينة، وظهر بعضهم وهو يحاول استخراج كلمة السر التي يستخدمها الأسد من أجهزة إيصال شبكة الإنترنت إلى القصر.
بعد انطلاق هجومها، يوم الأربعاء الماضي، سيطرت المعارضة السورية على كامل محافظة إدلب، وعلى غالبية أحياء حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، باستثناء أحياء يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني، المدعوم أمريكيا، ومع اندفاعها باتجاه حماه، وسط البلاد، أعلنت المعارضة سيطرتها على «تل رفعت» وهي أيضا منطقة يسيطر عليها «الكردستاني».
أدى الهجوم إلى خسائر جغرافية وعسكرية كبيرة حيث تمكن المعارضون، حسب تقديرات مصادر عديدة، من الاستيلاء على أكثر مما جهّزوه من ترسانة وذخيرة، كما سيطروا على مطارات حلب (المدني) وكويرس ومنّغ (العسكريين) ومعامل الدفاع في منطقة السفيرة التي تضم معامل تصنيع وتخزين ذخائر وصواريخ ومواقع دفاع جوي.
توقّع موالو رئيس النظام، بعد هذه الانعطافة الخطيرة في الأحداث، أن يخرج عليهم الأسد ليفسّر مكامن الخلل الذي أدى إلى هذه الخسائر الكبرى لنظامه لكنّ الذي جرى أن الأسد سارع للاتصال برئيس الإمارات، محمد بن زايد، وبرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وبرئيس إقليم أبخازيا، ليخرج بعد هذه المكالمات مع «الحلفاء والأصدقاء» على حد تعبيره، بالقول إن «الإرهاب لا يفهم غير لغة القوة»!
يمثّل القول الآنف، عمليا، تكرارا مأساويا للخطاب الأول الذي ألقاه الأسد بعد أسابيع قليلة من اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد حكمه والتي وصفها حينها بـ»المؤامرة الكبيرة» وخلص فيه إلى أن إجراء الإصلاحات تحت ضغوط شعبية هو «ضعف» وأن «وأد الفتنة واجب» وأنه «إذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلا وسهلا بها»!
قوبل خطاب احتقار الشعب وإلغاء السياسة ذاك، بتهليل وتصفيق وإلقاء شعر من أعضاء البرلمان السوري (المسمى «مجلس الشعب») ولكنه أخذ بسوريا إلى حرب مدمّرة، هجّرت نصف سكانها، وقتلت مئات الآلاف من أبنائها، واستدعت احتلالات وتدخّلات أجنبية دولية وإقليمية، وقسّمت الجغرافيا بين أربعة مكوّنات عسكرية ـ سياسية حرمت الدولة من سيادتها، وحوّلت جيش النظام إلى قوى مخترقة إيرانيا وروسيا، تعتاش أهم فرقها (الرابعة) التي يقودها ماهر الأسد، على اقتصاد صناعة وتهريب المخدرات، وعلى فرض الأتاوات والتهريب وابتزاز السوريين.
تعاملت طهران مع ما حصل باعتباره هجوما عليها (حسب أنباء المعارضة فإن مناطق النظام في حلب كانت تحت سيطرة «الحرس الثوري» وميليشيات عراقية) فأرسلت وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى دمشق، غير أن حديث الأسد عن «حلفاء وأصدقاء» يبدو متهافتا، إذا أخذنا في الاعتبار اقتصار اتصالاته على مسؤولي الإمارات والعراق و«إقليم أبخازيا» (المنشقّ عن جورجيا).
يلفت النظر، ضمن التداخلات المعقّدة للموضوع السوري، هو أن بعض وسائل الإعلام الخليجية، التي تناصب إيران العداء، تبنّت موقف النظام السوري بحذافيره، وهو شيء يبرره العداء للطبيعة الأيديولوجية الإسلامية للمعارضة، والخصومة المعروفة مع تركيا، وقد تماثل ذلك مع المواقف المعادية للفلسطينيين، بمبرر الاختلاف مع «حماس» وبذلك التقت مواقف التطبيع مع إسرائيل، بمحاولة الأطراف الخليجية نفسها إعادة تأهيل النظام عربيا ودوليا، ويندرج في ذلك ما أشيع عن بدء توريد أسلحة للنظام السوري من تلك الأطراف.
يؤدي بنا ذلك، بالضرورة، إلى المواقف الإسرائيلية، التي تراوحت بين إعلان بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، «متابعة ما يجري في سوريا» وحديث وزير خارجيته، جدعون ساعر، عن أن «لا طرف جيدا في الصراع السوري» معيدا الإشارة إلى ضرورة التحالف مع «الأكراد» وتحليل «الخبير الإسرائيلي» يارون فريدمان، للوضع في صحيفة «معاريف» الذي خلص إلى ما خلصت إليه المنظومة الإسرائيلية، مرارا وتكرارا، من أن «الأسد هو أهون الشرّين» وكانت تلك الخلاصة، إضافة طبعا إلى التدخلين الروسي والإيراني، عتلة كبرى ساهمت في بقاء الأسد على كرسيّه الراشح بالدم، وهذه، على الأغلب، هي «كلمة السرّ» التي يراهن عليها الأسد!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية