ما وراء ابتسامة مبارك

حجم الخط
10

الظهور الأخير ‘الشامت’ و’المستفز’ للرئيس المصري السابق حسني مبارك أمام المحكمة أثار أوجاع كثير من المصريين لكنه يمثل رغم ذلك فرصة ذهبية لوقوف الجميع في أرض الكنانة أمام المرآة ليسألوا أنفسهم ماذا فعلنا بهذا البلد بعد كل الآمال العريضة التي حملتها ثورة 25 يناير الرائعة.
ترى هل كان للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي أن يكون على نفس هذا القدر من الإنشراح لو شاءت له الأقدار أن يكون ماثلا هذه الأيام أمام القضاء التونسي؟! الأرجح أن نعم، ولنفس الأسباب. لقد كان حجم انتظارات التونسيين والمصريين أكبر بكثير من مستوى الأداء السياسي وأكبر بالخصوص من قدرة بلديهما الاقتصادية والمالية.
في خضم حماسة التونسيين والمصريين ونشوتهم بانتصار ثورتيهما لم يخرج أي مسؤول بارز يصارح الشعب بحقيقة أوضاع البلاد، وما الذي يمكن أن ينجز في القريب وما الذي يمكن أن ينتظر وإلى متى. لم يشأ أحد على ما يبدو أن يلعب دور منغـــّص اللذات فكان أن سار الجميع وهم غير مدركين تعقيدات الوضع الحقيقي الذي عليه البلدان. جاءت بعد ذلك حمى انتخابات المجلس التأسيسي في تونس وانتخابات البرلمان والرئاسة في مصر لتعمق المأزق بإطلاق الوعود ورفع سقف توقعات المحرومين والعاطلين والمهمشين.
الذي حصل بعد ذلك أن قطاعات واسعة من العمال والموظفين دخلت في إضرابات واعتصامات عديدة للمطالبة بتحسين أوضاعهم ورفع رواتبهم بعد تراكم مظالم سنوات طويلة، فيما اعتبر العاطلون أن ذهاب رأس النظام في تونس والقاهرة كفيل بفتح الباب الفرج. تصاعدت في مصر ما تسمى بالمطالب الفئوية المختلفة وكذلك في تونس حيث الحركة النقابية قوية ومؤثرة، كما اعتقد أهالي المناطق المحرومة التي منها انطلقت الاحتجاجات الشعبية أن الثورة كفيلة بإنهاء معاناتهم.
إلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب وتدهور الوضع الأمني وتأثير الجوار الليبي المضطرب، جاء الأداء السياسي للحكام الجدد في كل من تونس ومصر مخيبا للآمال، بشكل صادم أحيانا، مما أفسح المجال واسعا أمام المعارضة في كلا البلدين للتنكيد على الحكومة حتى حولت حياتها إلى جحيم حقيقي. دخلت الطبقة السياسية برمتها في مناكفات زادت من حيرة مواطن لم ير إلا ظروفه المعيشية تزداد سوءا والأمن في تراجع مع صعود تيارات التشدد الديني. وبعد فترة توارى فيها أنصار النظامين خوفا أو خجلا عاد هؤلاء تدريجيا ليزحفوا من جديد لعل خيبة الناس من الوضع الجديد تجعلهم يحنون لما كان سائدا من قبله. أحدث مثال: في سبر اراء أجرته مؤسسة ‘سيغما’ في تونس مؤخرا ونشرت نتائجه قبل أيام فقط كان لافتا للانتباه جدا قول 51 بالمائة أن الوضع في تونس قبل الثورة كان أفضل وأن 80.7 بالمائة يرون إدارة البلاد مخيبة و87 بالمائة يرون الوضع الاقتصادي كارثيا. أما عن ترتيب الأولويات لدى المستجوبين فكانت كالتالي: غلاء المعيشة، البطالة، والإخفاقات الأمنية فيما أعرب 70.4 عن انشغالهم من ظاهرة التشدد الديني. أرقام جديرة فعلا بالتوقف عندها قبل فوات الأوان.
إنه الإعلام الذي ألـّـب الرأي العام على الحكومة، قد يسارع المسؤولون التونسيون والمصريون إلى القول. لكن هذا الإعلام المنتشي بالحرية غير المسبوقة التي يعيشها ما كان له أن يكون له هذا التأثير لو لم تكن الحقائق على الأرض هي من يسند خطابه ولو لم يكن المسؤولون هم الذين يقدمون لهم، بأخطائهم المتكررة، الذخيرة الحية اللازمة لمواصلة ‘إطلاق النار’ عليهم.
لا غرابة أن يطل مبارك مبتسما وملوحا. الغريب هو ألا يسارع القائمون على شؤون البلاد في مصر وتونس إلى فتح حوار وطني واسع وذي مصداقية بحثا عن آفاق جديدة تقلص منسوب الاحتقان وتقنع الرأي العام أن هناك توجها مخلصا للخروج بالبلاد من مأزقها. هذا لن يكون إلا بالتوافق وبتنازل السلطة عن العزة بالإثم والمعارضة عن إدمان التنكيد حتى نستطيع الوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية الشاقة بأسرع وقت ممكن. إن لم نفعل سيطل مبارك في المرة المقبلة وهو بالكاد يستطيع مسك نفسه من الانفجار ضحكا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Frank Musa:

    لقد فات الأوان
    في المسرحية العالمية في انتظار جودو ينشغل الكل في الانتظار ولا يعرفون القادم هذه هي مسرحية الامة العربية المسلمة. ينتظرون جنة لن تكون.
    إن الدين الاسلامي الذي يتم اقحامه في كل شيء قد أصبح مسخا لا يصلح لاي شيء. لقد كبلت عقول الناس وايقنوا أن من الافضل العودة الى أيام خلافة حسني مبارك بدلا من العودة الى أيام الخلفاء الراشدين.

  2. يقول ظافر:

    لو كان مبارك حقاً وطني ويحب مصر لبكى على حال البلد بدل ان يشمت وينتشي ولكنه إنسان بلا إحساس وطني وذو أنانية وغرور شديدين

  3. يقول adil shadid:

    سلامات سي محمد
    الحقيقة التي يراها اي متابع , مثقف سياسيا كان ام سكر خفيف في علم السياسة , ان الوطن العربي بدوله جميعا سواء ازهر ربيعها ام ينتظر هي ان هذا الوطن الكبير انقسم الى فريقين اسلامي الاتجاه وفريق ليبرالي الاتجاه مع قناعتي بان الفريقين يعتنقون الاسلام (مع احترامي لبقية الاديان) .
    والحقيقة العجيبة الاخرى ان كل الفريقين يعتبر نفسه الاصح والاولى بتمثيل هذا الربيع ويبذل كل ما في وسعه لافشال الاخر فقط في مجال السلطة !!! وليس في مجالات العمل والانتاج ومقاومة الفساد ونقد السلبيات وطرح الحلول وكان المعارضة لا تعنيها نمو وتقدم الدوله في ظل سلطة الطرف الفائز بل تعمل ليل نهار على هدم ما بقي من مؤسسات من خلال اعلام سلبي في اغلب الاحيان
    المطلوب هو اعطاء الفرصة للاخر وعلى الاخر استيعاب المعارضة في تنمية هذا الوطن وعليكم ايها الاعلاميين بالعدل لانكم سوف تسالون عما تكتبون.

  4. يقول سالم عواد:

    الثورة تعني تغيير شامل لواقع يرفضه الشعب يقتضي اقتلاع النظام البائد من جذوره ومن ثم توفير الظروف المناسبة لحكومة وقيادة ثورية تجند طاقلت الشعب من اجل تحقيق اهداف الثورة خطوة اثر خطوه. وما جرى في كل من تونس ومصر من اطلاق للحريات قبل استتباب الامن والاستقرار ومن ابقاء على اركان الدولة الاستبداديه كانت الاسباب الرئيسية لاعاقة بل وتعطيل كل جهود القيادة الجديده. نستطيع القول بان النخب الثقافية والسياسية العلمانية والليبرالية وحتى القوميه في تلك الدول قد خانت الثوره لاسباب تتعلق بمواقفها العدائية ضد الحركات الاسلاميه ، والشواهد على ذلك لا تحصى. اما وقد وصلت الامور الى حد الفرحة العارمة في اوساط المعارضة وانصار النظام البائد بقرب اقصاء الاسلاميين عن الحكم مستبشرين ايضا بقرب الافراج عن الطاغية واعوانه ، فانهم بذلك يفتحون ابواب جهنم التي ستحرق الجميع بلا استثناء. وان كنا نتصور بان الجبهة الاسلامية منشقة فان الانشقاق اكبر واعمق بين فئات المعارضة . ومن يتطلع الى العسكر لانقاذ الدولة فهو واهما ومن ينتظر الفرج من اقطاب المعارضة فهو فاقدا لبصره وبصيرته . لاحلا ممكنا وآمنا غير الاستماع الى صوت العقل والاستجابة الى طلب الرئيس بالتحاور مع المعارضة على ان يتنازل كل طرف من اجل الوطن .

  5. يقول يوسف ابن تاشفين:

    اليست المعارضة هي التي حمت وما زالت تدافع عن القضاء الفاسد بحجة اخونة القضاء. لقد ألهت المعارضة القضاء الذي وضع الابتسامة النرجسية على وجه من يعتبر كنز استراتيجي لاسرائيل. ماذا سيحصل بعد تبرئة هذا المجرم. هل سيحاكم الشعب على فعلته الشنيعة بتهمة ثورته ضد حاكم عادل بريء. ماذا ستفعل جبهة الخراب التي لا تملك مشروعا سوى الخراب وتقديس القضاء الفاسد. ام اننا نحصد نتائج تجريف الوعي على مدار الستين عاما الماضية.

  6. يقول هيثم عبيدات:

    استاذنا الحبيب محمد كريشان

    انني اعيش في احدى الدول الشرق اوروبية او الشيوعية السابقة وانني ارى ان ابتسامة مبارك لم تفاجئني ولم اتفاجأ بتواطؤ القضاء المصري مع مبارك فهؤلاء رجاله هو عينهم وهذا نظامة وامر طبيعي جدا ان يعمل كل مافي استطاعتة لافشال التجربة الجديدة للاسلاميين.
    فعليك استاذ محمد ان تعرف ان الشيوعيية عادوا الى الحكم في الدول الشيوعية السابقة بعد اربع سنوات فقط على وقع فشل المعارضة في اصلاح الخراب الذي احدثه الشيوعيين في بلدانهم. فالخراب بعد مبارك هائل في الاقتصاد في التعليم في الصحة في قوت عيش المصريين في العمل في كل مكان وهذ يحتاج الى معجزة لاصلاحة. وانا لم استغرب لو عاد رجال مبارك للحكم.
    ولكن هذا لايعني ان الثورة فشلت فالثورة مستمرة وستحقق اهدافها ان اجلا او عاجلا فارجو منك اكثر تفائلا لانك استاذ محمد لك تاثير كبير على الجمهور العربي

  7. يقول mostafa from belgium:

    I HAVE ALWAYS SAID THAT AFTER ANY REVOLUTION THE CALM AND PROSPERITY WILL NOT BE ACHIEVED DIRECTLY,BECAUSE THE ENNEMIES OF THE REVOLUTION ARE PLOTTING NIGHT AND DAY IN ORDER TO SPREAD K.O AND STANDSTILL IN SOCIETY.THROUGH THE PRESS AND OTHER MEANS.ALL THIS IS BECAUSE THE ISLAMIC PARTIES WON THE ELECTIONS,WE HAVE TRIED SECULAR PARTIES SINCE THE INDEPENDANCE AND WHAT THEY HAVE DONE NOTHING AND NOTHING.LET THEM GOVERN THEIR FOUR YEARS AND AFTER THAT PEOPLE WILL KNOW HOW TO VOTE AND NOT FORBIDDING THEM FROM WORKING.WE CAN NOT JUDGE THEM IN A YEAR OR TWO AND ESPECIALLY MANY OBSTACLES ARE BEING MADE SO AS TO BLOCK THEM FRPM MOVING FORWARD.WE ASK ALLAH THE ALMIGHTY TO PROTECT EGYPT AND TUNISIA.

  8. يقول Tounsi:

    نحن في حاجة الى اصلاح اكثر من حاجتنا لثورة. المعارضة السابقة ليس عندها الخبرة والكوادر لقيادة البلاد بكفاءة. النخبة السابقة التي تولت الحكم لم تستطع ولم ترد انشاء ديمقراطية. حان الوقت لتكاتف الطرفين لاخراج البلاد من الازمة.

  9. يقول [email protected]:

    نحن فى مصر نحب رئيسنا مرسى وندعمة ضد قوى الشر المتمثلة فى الاعلام والداخلية والقضاء وسوف نقضى عليهم …ونحن متفائلين بمستقبل بلدنا وبدات البشاير تهل فمصر بخير وستظل بخير الى يوم القيامة

  10. يقول معتز الشامت المستفز:

    خيبة الامل راكبه جمل
    يارب اظهر الحق

إشترك في قائمتنا البريدية