مصطلح الأقلية لا يثير عادة في الميدان السياسي المشاعر السلبية ذاتها التي يثيرها استخدامه في الميدان المجتمعي، خاصة في مجتمعات لم تمتلك بعد القواعد والإجراءات القانونية الكافية التي من شأنها الإسهام في ترسيخ ثقافة احترام الآخر المختلف. فالأقلية المذهبية أو القومية أو الدينية محكومة لدينا بالمتغيرات والتبدلات التي تطرأ على أمزجة الحكام، وميول الناس، وذلك تبعاً لمتغيرات الوقائع، ونتيجة التحوّلات الأيديولوجية، لا سيما في ظل مناخات هيمنة الهيستريات الشعبوية بهوياتها المذهبية والدينية أو القومية المختلفة.
فالأكثرية المجتمعية، إذا صح التعبير، بصرف النظر عن طابعها الديني أو القومي، ترى في بلادنا أن من حقها إبعاد الآخرين، والتفرّد بمقدرات السلطة والثروة، وفرض النمط الثقافي، وحتى التوجه السياسي. أما الآخر المختلف، فعليه أن يقبل بعملية الصهر ووضعية التبعية، أو الصمت والقبول بما يتعرض له من اجحاف على صعيد الحرمان من الموارد والفرص وسائر الحقوق؛ بل والاستعداد لتحمّل صنوف من الاضطهاد، تمارسها الأكثرية من موقع صاحب الحق المشروع. وفي حالات غض النظر عن جملة من “التساهلات” هنا وهناك بخصوص ممارسة خجولة لحقوق مشروعة أصلاً، يتم تسويق ذلك على أنه مِنّة أو مكرمة من قبل “صاحب البيت الشرعي” الذي يحق له سلب تلك المكرمات أو الهبات في أية لحظة، طالما أنها غير محمية بأي إطار قانوني حقوقي، أو تفتقر إلى المرتكزات القويمة القوية في الثقافة الشعبية السائدة.
هذه الوضعية لها تاريخها في منطقتنا، تاريخ يعود إلى مراحل قديمة سبقت الإسلام. ولذلك فمن الاجحاف أن يعمد بعضهم إلى ربط هذا الموضوع بالإسلام تحديداً، أو بتعبير آخر، تفسيره من خلال المراحل التي أصبح فيها الإسلام عقيدة الدولة ودستورها.
ومع التقسيم الذي شهدته منطقتنا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وظهور “الدول الوطنية”، وفي أجواء انتشار الأيديولوجيات القومية، لم يعد مصطلح الأكثرية مخصصاً للأكثرية الدينية، بل باتت الأكثرية القومية هي الأخرى من الظواهر الشائعة، الأمر الذي ربما وجد فيه العديد من غير المسلمين ملاذاً يحميهم من مفاجآت وتحولات الميول والرغبات والمواقف ضمن الأكثرية الدينية.
وفي سوريا والعراق، تمكّنت الأقلية المذهبية من السيطرة على زمام الدولة تحت يافطة الأكثرية القومية بنسختها البعثية.
ففي العراق، سيطر نظام صدام حسين، الذي كان يُنظر إليه بوصفه يمثل السنة، في حين أنه في حقيقته كان “نظام مجموعة”، لم يتعد نطاقها حدود القرية أو العشيرة في أحسن الأحوال.
وفي سوريا، فقد تمكّن “نظام حافظ الأسد” من الهيمنة، هذا النظام الذي اتخذ منحى طائفياً عبر اتخاذه الطائفة العلوية أداة لترسيخ سلطة أسرته بالمعنى الواسع، تمهيداً لفرض بدعة التوريث في نظام جمهوري يتخذ من العقيدة القومية الاشتراكية أيديولوجية يستمد منها المشروعية التي فصّلها وفق مقاساته.
والغريب اللافت هو أن النظامين، نظام صدام حسين ونظام حافظ الأسد، كانا يستندان إلى شرعية الحزب القومي ذاته، لتغدو الدولة في عهدهما مجرد أداة بيد أقلية مجتمعية، تفتك بالمكونات الأخرى.
ومع سقوط الأول عام 2003، وترنّح الثاني في ربيع عام 2011، تغيّرت الأوضاع والتوجهات بالنسبة إلى القوى السياسية التي سوّقت نفسها بوصفها تمثل الأغلبية المجتمعية مذهبياً، أو مذهبياً وقومياً. ففي العراق، بدأت الأحزاب التي اتخذت من المظلومية الشيعية أيديولوجية تعبوية لها بممارسات انتقامية تحت شعار سياسة “اجتثاث البعث”، واستهدفت بذلك الكوادر والنخب العربية السنية، بل عمدت إلى تهميش المناطق العربية السنية، وسلبها امكانية التأثير في التوجهات السياسية للدولة العراقية وقراراتها المصيرية.
أما في سوريا، فقد اتخذ النظام، بالتنسيق مع راعيه وداعمه الإيراني، قرار مواجهة السوريين المناهضين لحكمه الفاسد المستبد، ولجا إلى استراتيجية الربط بين الثورة السورية والإرهاب عبر الإسهام في صنع وتسويق المنظمات الإرهابية، مثل جبهة النصرة وداعش. وقد استفاد كثيراً من أخطاء المعارضة السورية التي لم تبادر إلى اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، إذ لم تعبر عن رفضها وادانتها لتوجهات تلك المنظمات، بل اعتقدت مجموعة من الفصائل الإسلامية المعتدلة التي كانت جزءا من المؤسسات التي كانت تمثل الثورة السورية، خاصة المجلس الوطني السوري، وفصائل الجيش الحر، أن في مقدورها الاستفادة من “انجازات” تلك القوى المتطرفة، خاصة جبهة النصرة، وتوظيفها سياسياً لتقوية مواقعها ونفوذها ضمن المؤسسات المعنية، والاستعداد لمرحلة ما بعد سقوط النظام بهدف تعزيز مواقعها في سوريا المستقبل.
وكل ذلك كان يسوق عبر شعارات لا تُطمئن السوريين. شعارات تدعو إلى إعادة الاعتبار للأكثرية العربية السنية، وتغازل النزعات الانتقامية التي كان البعض يعلن عنها في سياق تحديد الموقف من النظام والطائفة العلوية على وجه العموم. هذا في حين أن الجميع يعلم بأن النظام له امتدادات بين جميع الطوائف والمكونات السورية، مع تركيزه بصورة أساسية على العلويين.
وفي مواجهة تطلعات الأكثرية المجتمعية نحو الهيمنة والسيطرة وإقصاء الآخرين، سواء تلك التي هي في الحكم (حالة العراق)، أو تلك التي تسعى إلى الحكم (في الحالة السورية)، برزت دعوات تطالب بتحالف الأقليات بهدف الحد من المخاطر المترتبة على حكم الأكثرية الحالي أو المستقبلي الاحتمالي. وقد انساقت أطراف لبنانية أيضا خلف هذا الشعار الذي يؤسس لمرحلة طويلة من الصراعات المجتمعية مستقبلاً، ولن يساعد المكوّنات المجتمعية المتعددة التي تشكل ماهية مجتمعاتنا على التوافق حول مشاريع وطنية تكون بالجميع وللجميع. وذلك عبر الاعتراف بالخصوصيات والحقوق، وإقرار ذلك دستورياً، وتعزيز الثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف من خلال الممارسات الواقعية، وضمان حق المشاركة في اتخاذ القرارات على جميع المستويات المحلية والوطنية، وتحديد الآليات التي ستُعتمد لدى بروز الخلافات.
أما الحديث العام عن المشروع الوطني الذي يقوم على مفهوم المواطنة المجرد، ومن دون اي تحديد أو بيان لضرورة احترام الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية، والاعتراف بالحقوق المترتبة عليها دستورياً، فإن ذلك لن ينظر إليه إلا بوصفه صيغة من صيغ المجاملات الخاوية من أي مضمون واقعي. مجاملات لا تطمئن أحداً، بل تثير الكثير من الشكوك والهواجس، وتعزز مواقع أصحاب المشاريع ما قبل الوطنية.
إن الدعوة إلى المشروع الوطني لتجاوز الأزمات العميقة التي تشهدها دول المنطقة، وما يبدو في ظل ظروف الاستقطاب الحاد الناجم عن الصراعات والخلافات الداخلية، والارتباط بالمشاريع الإقليمية والدولية، ربما تبدو وكأنها رؤية أو مبادرة رومانسية حالمة. ولكننا إذا أجرينا مراجعة موضوعية هادئة وعقلانية لمسار الأحداث التي شهدتها منطقتنا منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وتفاعلاتها إلى يومنا الراهن، ندرك أن الحل يتمثل في التوافق على تحسين قواعد العيش المشترك على اساس احترام الآخر المختلف، والإقرار بحقوقه في دستور يطبق على أرض الواقع، ولا يظل مجرد مادة إعلامية دعائية تزيينية تفتقر إلى أدوات التطبيق.
الحروب والعداوات التي شهدتها منطقتنا قد أرهقت الجميع، وكلّفتهم الكثير من الآلام والعذابات. ولا يمكننا تجاوز الوضعية الحالية بالمزيد من الانتقام والأحقاد. بل ما نحتاج إليه هو العمل المشترك من أجل مستقبل أفضل لأجيالنا المقبلة، على أمل أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها الحديث عن الأكثرية والأقلية مقتصراً على المعنى السياسي وحده دون غيره.
* كاتب وأكاديمي سوري
بعد كل هذه المجازر وهذا القتل لن يحصل في سورية بعد اليوم اَي تفاهم او تعايش مع القتلة المجرمين القتلة من كافة الإقليات النظام العلوي وأقلياته يعرفون هذه الحقيقة ولهذا لن يقبلوا بغير احتلال سورية بالتعاون مع الحلف الصليبي بقيادة روسيا والفاتيكان اما اهل السنة اللذين حموا الإقليات قبل وصول المجرم حافظ الى السلطة فق تأكد لهم ان اكبر خطأ قاموا به هو السماح للأقليات بتسلم السلطة وهم يدفعون اليوم ثمن هذا الخطأ
اليوم تأكد لكي عربي سني مسلم ان الخطر الأكبر اللذي يهدد سورية والعراق هم الأقليات مهما كان دينها او قوميتها لقد رفع شيعة العراق إعلام ايران فوق مدن العراق ورفع أكراد العراق إعلام صهيونية وامريكية فوق مباني كردستان العراق اما العلويين والمسيحيين والأرمن فقد رفعوا علم روسيا وصور المجرم بوتين فوق المدن السورية المدمرة اما جماعة اسطنبول فقد رفعوا علم تركية على ارض عربية فقط المجاهدين لم يرفعوا سوى راية التوحيد وهذا يحسب لهم وبشهاد راهبات معلولة تمت معاملتهن باحترام من قبل من يطلقون عليهم ارهابيين متطرفين نحن اليون في حرب صليبية يشارك فيها ليس فقط امريكا وأوروبا والفاتيكان بل دخلت عليها دول أمريكية لاتينية كنّا نحسبها صديقة وهذا هو من شجع عنصريي لبنان على إهانة اللاجئين السوريين نحن نقولها بكل صراحة انه ليس أمامنا سوى النصر التام وإزاحة النظام الاقلوياتي من سورية وبعدها لكل حادث حديث
الارتكان إلى تأسيس وبناء دولة المواطنة الحقيقية ودولة القانون والمؤسسات وتفعيل مبدأ العيش المشترك هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا والعراق من هذا الاتون . الطبقة السياسية في العراق ذات النفوذ السياسي والمالي أثبتت أنها طبقة فاسدة وتابعة لإيران ومنذ 2003 تمارس تهميشا على أهل السنة بشكل ممنهج . بينما البلد والمجتمع العراقي بعد زوال نظام صدام كان بحاجة إلى معالجة جروحه عبر ترسيخ دولة المواطنة الحقة . والقانون الذي لابد أن يعلو فوق الجميع في محاسبة كل من تلطخت يده في سفك دماء أبناء الوطن .في سوريا لابد من الاستفادة من الدرس العراقي وانتهاج مبدأ دولة المواطنة والقانون والمؤسسات وإحالة القتلة ومنتهكي الحقوق إلى المحاكم . وامتلاك المشروع الوطني بات ضرورة قصوى لكافة بلداننا