مبادرة ‘جديدة’ ونغمات قديمة

حجم الخط
0

إنه ‘دراماتيكي’، و’تاريخي’، قال في ابتهاج عدد من الساسة من اليسار، وفيهم وزير في الحكومة، حينما سمعوا اعلان رئيس حكومة قطر في واشنطن بأن الجامعة العربية توافق على تأييد تفاوض سلمي على أساس خطوط 1967. ولا يوجد هنا تغيير في التوجه العربي في الصراع مع اسرائيل فضلا عن أنه ليس دراماتكيا ولا تاريخيا.
يمكن ان نعزي أنفسنا بأن ذلك الكلام يشهد بأنه أخذ يتشكل عند جزء من العالم العربي اعتراف بأن التهديد الايراني والهرج والمرج بسبب الربيع العربي يوجبان محاولة التوصل الى تسوية ما مع اسرائيل. وتطرق محللون مختلفون الى تصريح رئيس الوزراء القطري وكأن الحديث عن تجديد ‘المبادرة العربية’ قبل 12 سنة، لكن ينبغي ان نأمل ألا يكون الحديث عن ذلك لأن تلك ‘المبادرة’ لم تكن أكثر من إملاء فقط على اسرائيل باسلوب ‘أنظر وقدّس’ فقط، وتشتمل على تهديد خفي لتجديد العنف اذا لم توافق على جميع الطلبات ومسبقا. ويحسن ان نتذكر في جملة ما نتذكر أن تلك ‘المبادرة’ اشتملت ايضا على ‘حق اللاجئين في العودة’، وإن كان ذلك بصياغة خفية.
وفي مقابلة ذلك اذا جاءت الجامعة العربية أو الفلسطينيون اذا شئنا الدقة لأننا يجب ان نتوصل الى السلام معهم وقالوا الآن: ‘نحن نعود الى طاولة المباحثات بلا شروط مسبقة لكن هذه هي النقاط وفيها خطوط 1967 التي سنثيرها في التفاوض’، فان اسرائيل تستطيع ان ترد على ذلك بقولها: ‘تفضلوا، لكننا سنثير مطالبنا ومواقفنا ولن تكون خطوط 1967 جزءا منها’.
من الواضح ان الادارة الامريكية أدت دورا شديد الفاعلية في صوغ تصريح الجامعة (كما حدث قبل ذلك مع ‘المصالحة’ الاسرائيلية – التركية)، وينبغي ان نفترض أن النبأ الذي نُشر الاسبوع الماضي ‘على ألسنة اشخاص امريكيين ‘، وقال إن واشنطن تعمل على عقد مؤتمر قمة رباعي مؤملة تجديد التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين، كان شبه اعداد في هذا السياق. وبرغم ان الادارة الامريكية فهمت ان الموضوع الفلسطيني ليس هو الأهم بين طائفة المشكلات في الشرق الاوسط وليس هو العامل المركزي في حدوثها، بيقين، فان واشنطن تعتقد ان التقدم في المسار الاسرائيلي الفلسطيني قد يساعد على انشاء مركز استقرار في المنطقة وعلى تشكيل الجبهة لمواجهة ايران.
وكذلك لم يتخل الرئيس اوباما تماما عن أمل أن ينجح فيما لم ينجح به أسلافه.
لم يترك اوباما في زيارته للقدس ورام الله شكاً في أن هدفه ما زال حل الدولتين على أساس خطوط 1967. ولا توجد أية اشارة الى الآن الى أن أبو مازن يميل الى الرجوع عن الاستراتيجية التي ترمي الى الالتفاف على كل تفاوض ذي شأن مع اسرائيل، إما باثارة شروط مسبقة (وهي الآن في الأساس الافراج عن المعتقلين) وإما بالتوجه الى دوائر دولية وفي مقدمتها الامم المتحدة.
أما بالنسبة لاسرائيل فقد يكون هذا الوضع فاتحة لاثارة أفكار، لكن يجب ان يكون واضحا ان السلام هو سير تاريخي لا برنامج زمني، ولهذا فان كل المواعيد المذكورة احيانا في وسائل الاعلام ليست ذات موضوع في الحقيقة. وستبقى ‘نافذة الفرص’ التي تكلم عنها وزير الخارجية كيري مغلقة ما لم تُسلم القيادة الفلسطينية والجامعة العربية على اختلاف اعضائها بوجود اسرائيل.
إن الأنباء عن تفكير في عقد مؤتمر قمة رباعي تلائم التوجه الامريكي التقليدي لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني (أو الاسرائيلي العربي بعامة)، أي البدء بمراسم مغطاة اعلاميا، ويُستحسن ان تكون عند درج البيت الابيض، وان تأمل ان يفضي ذلك الى شيء مهم في المستقبل لكنه لا توجد لمؤتمرات القمة هذه أية قيمة حقيقية اذا استثنينا بعدها الأعمالي، لتقديم الأهداف التي عُقدت من اجلها، أعني السلام. بالعكس ان مؤتمر قمة رباعيا قد يصبح في غضون وقت قصير مؤتمرا دوليا عاما من النوع الذي نجحت اسرائيل دائما في الامتناع عنه كي لا توجد في وضع واحدة في مقابل كثيرات.
لكن رفض مؤتمر تظاهر دولي لا ينفي اجراءات ممكنة لانشاء أحلاف أو تفاهمات بين اسرائيل وطائفة من دول المنطقة على أساس المصلحة المشتركة في شأن ايران. وينبغي ان نفترض ان توجه اسرائيل ردها على اقتراح الجامعة العربية نحو هذا الهدف.

اسرائيل اليوم 2/5/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية