الناصرة- “القدس العربي”:
في ظلِّ حالة الشقاق الداخلية المتواصلة، أطلقت مجموعة إسرائيلية مبادرةً لتسوية الخلاف من خلال “الانفصال بين المعسكرين المتصارعين، وجعل إسرائيل دولة لشعبين”.
وتعمل مجموعة “حركة الانفصال”، التي يتزايد عدد أنصارها يومياً، على توفير حل للخلاف الجوهري العميق بين الإسرائيليين اجتماعياً وسياسياً بتقسيم إسرائيل لدولتين (إسرائيل ويهودا)، أو جعلها كونفدرالية تجمع كينونيتين سياسيتين من أجل تمكين الإسرائيليين العيش كلٌّ وفق قيمه ومبادئه.
ولهذا الغرض افتتحت “حركة الانفصال” حساباً في فيسبوك، انضم له نحو 40 ألف إسرائيلي في ثلاثة أيام.
تعمل “حركة الانفصال” على توفير حل للخلاف الجوهري العميق بين الإسرائيليين اجتماعياً وسياسياً بتقسيم إسرائيل لدولتين (إسرائيل ويهودا).
وجاءت هذه الحركة على خلفية إطلاق الائتلاف الحاكم، برئاسة بنيامين نتنياهو، خطة “الإصلاحات القضائية” التي تعتبرها المعارضة انقلاباً على النظام السياسي. وبموجب صفحة “حركة الانفصال” فإن المبادرة تهدف لدفع فكرة الانفصال، انفصال إسرائيل لدولتين، أو قسمين، يجمعهما إطارٌ فيدرالي يختار كل إسرائيلي في أي قسم يعيش وفقاً لرؤيته. هذه الفكرة، التي كانت جهات إسرائيلية كثيرة تخشى الحديث عنها، وتكتفي بالتلميحات، باتت اليوم مبادرة علنية تتزايد أعدادها وتدلّ على عمق الاختلافات والخلافات بين الإسرائيليين، التي سبق لرئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين أن وَصَفَها بأنها أخطر عليها من قنبلة إيران.
ويوضح أحد قادة “حركة الانفصال” نيتسان عاميت (33 عاماً)، من مدينة جفعتايم قرب تل أبيب، أن هناك التفافاً لافتاً متزايداً حول المبادرة وأن هناك طاقماً خاصاً يعمل بقوة لدفع أجندتها من خلال عدة قنوات، سياسية، إعلامية، ولوجستية.
كما يوضح نيتسان أن الحركة صاغت مخططاً لتقسيم إسرائيل لكيانين يهوديين منفصلين، لكل منهما حكم ذاتي، ورغم الشكوك حيالها يقول نيتسان جازماً: “إن بقينا معاً، سنسير جميعنا للهاوية”.
ويستذكر المبادرون لـ “حركة الانفصال” أحداثاً تاريخية للتدليل على صحة فكرة الانفصال هذه، كالقول إن الهيكل الأول المزعوم قد تم تدميره من قبل نبوخذ نصر، ملك بابل، في شهر آب اليهودي، عام 586 قبل الميلاد، فيما خرب الهيكل الثاني، عام 70 ميلادي، بيد القائد الروماني تيتوس، بسبب استشراء كراهية اليهود لبعضهم البعض.
وحسب المزاعم الصهيونية التي يستذكرها هؤلاء، فإن توتراً سادَ العلاقات بين الأسباط اليهودية بلغ حدَّ الاحتراب، أدى بالتالي لانقسام “مملكة إسرائيل المتحدة” لمملكتين: مملكة يهودا الجنوبية، ومملكة إسرائيل الشمالية.
ويقول قادة “حركة الانفصال” إن 2591 سنة قد مرّت، منذ ذاك الانقسام، وما زال اليهود يستصعبون إقامة مجتمع موحّد، وإن مصادقة الكنيست على قانون إلغاء حجة المعقولية بغية إضعاف الجهاز القضائي قد عوّمت من جديد هذا الموضوع على السطح، وكذلك فكرة تقسيم البلاد إلى منطقتين منفصلتين من الحكم الذاتي، وذلك على خلفية التوتر المتفاقم.
وتقول الإذاعة العبرية العامة إن هذه الفكرة، في ما يبدو، منفصمة عن الواقع. هناك من هو على قناعة بعدم وجود مناص من تقسيم البلاد بين “إسرائيل الجديدة” وبين “يهودا” من خلال تقسيم البلاد لكانتونات، أو بناء فيدرالية، أو من خلال طرق خلاقّة أخرى”.
ووسط تجاهل الشعب الفلسطيني، أصحاب البلاد الأصليين، قال نيتسان لصحيفة “معاريف”، أمس، إن “خطة الانفصال” تشمل خمس مراحل لعملية تقسيم البلاد بالتوافق.
نيتسان، وهو ضابط في الاحتياط ضمن وحدة مظليات، يقول إنه بادرَ لتأسيس “حركة الانفصال” بعدما توصّلَ لاستنتاج أن “إسرائيل تتقدم نحو الهاوية”. وبعد تفكير مليّ، يضيف: “أنا إنسان مهتم بالمعطيات والأرقام والسياسة والأمن والاقتصاد. ونحن، في نهاية اليوم، نرى ما يشهده المجتمع الإسرائيلي، وهو مجتمع ممزّق بالكامل، والحل المقترح هو الفصل والانقسام لدولتين؛ واحدة ليبرالية تقوم على فصل الدين عن الدولة، والثانية محافظة- دينية أكثر في طابعها”.
وحسب “خطة التقسيم” التي تقترحها الحركة، ستشمل مملكة “إسرائيل الجديدة” هضبةَ الجولان، الجليل الأعلى، ومعظمَ مدن الساحل: حيفا، نتانيا، تل أبيب، وريشون لتسيون. ويبلغ تعدادها نحو خمسة ملايين ونصف المليون نسمة. أما بقية أجزاء البلاد فستكون تابعة لـ “مملكة يهودا” وهي تشمل القدس، بئر السبع، بني براك، أشدود، بيتح تكفا وأشكلون.
وطبقاً لـ “خطة التقسيم” المرحلية، فإن الخطوات التالية تكون تأسيس هيئة إدارية تشريعية تُلزِم كل من يشارك في الدولة الأولى أو الثانية بسياسات معيّنة، اعتراف دستوري من قبل الكنيست بصلاحيات برلمان “إسرائيل الجديدة” كمصدر ثانوي للتشريع، إقامة كانتونات مناطقية مع برلمان محلي، حكم ذاتي بكل ما يتعلق بالشؤون الداخلية، ولاحقاً الانقسام لدولتين.
وعن ذلك يقول عاميت نيتسان: “لن نستفيق غداً ونبدأ بالانقسام، فهناك خطة مراحل تنتهي بالانفصال التام، وعندها يقرر كل إقليم لأيّ من الدولتين ينتمي. ولكل منطقة دستور خاص بها، يعيش سكانها بموجبه، على أن تتعايش الدولتان بسلام واتفاق دفاع مشترك بينهما، وإبقاء الحدود مفتوحة، كما هو الحال بين الولايات الأمريكية.
يقول القائمون على “خطة التقسيم” إن بمقدور المواطنين العرب الفلسطينيين اختيار أي واحدة من الدولتين يريدون للعيش فيها كمواطنين.
حول هذا السؤال، يقول القائمون على “خطة التقسيم” إن بمقدور المواطنين العرب الفلسطينيين اختيار أي واحدة من الدولتين يريدون للعيش فيها كمواطنين، ضمن مواطنة متساوية بالكامل، فيما تكون “إسرائيل الجديدة” دولة فيدرالية لا دولة بنظام مركزي. ويعلل هؤلاء ذلك بالقول إن واحدة من خلاصات التجربة الإسرائيلية هي أن النظام المركزي المعتمد من قبل إسرائيل تسبّبَ بحالة تشظي المجتمع، ولذلك تصبح منطقة الجليل، على سبيل المثال، حيث التركيز العالي للمواطنين العرب، حكماً ذاتياً يخضع لذات الدستور في بقية مناطق “إسرائيل الجديدة”.
ورداً على سؤال حول نقطة ضعف “خطة التقسيم”، يعترف نيتسان عاميت بالقول إن هناك نواقص، منها حاجة توافق المعسكرين المتخاصمين على فكرة التقسيم. ويتابع: “هناك جهات لا مصلحة لها بتحقيق فكرة التقسيم، وتستصعب التعايش معها من الناحية الوجدانية. وهنا لا بد من التوضيح أنه، في المقابل، نحن ذاهبون للخراب إن بقينا معاً، وإنه لا بدّ من الإشارة للفهم بأنه في نهاية المطاف ستتحقق هذه المسيرة بالتدريج. الناس عادة لا يحبّون التغييرات، ولكن، في مرات كثيرة، لا بدّ منها، وعندما تتحقق هذه بالتدريج تكون مريحة. عندما نفصل بين القوى يستطيع كل طرف أن يقرر كيف يبدو جهاز القضاء الذي يتبع له، وإلى أين يتم توجيه موارد البلاد”.
وردّاً على سؤال عن ازدحام سكاني متوقع داخل مملكة “إسرائيل الجديدة”، يقول عاميت نيتسان إنه ينبغي التذكّر أن الواقع الحالي أيضاً مزدحم، علاوة على أن الكثافة السكانية ليست أمراً سلبياً بالضرورة فهناك دول أكثر اكتظاظاً من إسرائيل مع جودة حياة أعلى، مثل هولندا، سنغافورة، على سبيل المثال. وهناك مساحات واسعة ما زالت مفتوحة”.
وردّاً على سؤال آخر، يقول إن هناك اهتماماً كبيراً بـ “خطة التقسيم” وأن حركته تتلقى مئات التوجّهات والطلبات من أشخاص يرغبون بالتجنّد والمساعدة والتطوع. منوهاً لشروع “حركة التقسيم” ببناء خطة عمل تشكل مؤتمرات وندوات وتجنيد ناشطين وتوجهات منظمة للجمهور الواسع، ولاحقاً اتخاذ القرارات.
ورداً على سؤال، لا يستبعد عاميت أن يتحوّل الحراك إلى حزب سياسي، لكن الفكرة ليست مطروحة الآن. ويضيف: “نحن في بداية الطريق، ومن المبكّر الذهاب لهذه الأماكن”.
ويعتقد الكاتب الصحفي الإسرائيلي البارز بن كاسبيت أنه لا ينفي فكرة الفصل بين الشعبين اليهودين المقيمين في البلاد؛ الليبراليين والمحافظين، لافتاً لإمكانية تسميتها بـ “خطة فك الارتباط” الثانية، لأن المهم هو تحاشي الحرب الأهلية.
ويرى بن كاسبيت، في مقال نشرته صحيفة “معاريف”، أن حرباً أهلية لن تنشب في إسرائيل، لأنها تعني خراب الدولة، لكنه يعتقد أن الانفصال من شأنه أن يحدث، ويمكن تسميته “فك الارتباط” الثاني. وعن ذلك يضيف: “عدد غير قليل من الإسرائيليين يفكّرون، في الشهور الأخيرة، بالانفصال. دولتان لشعبين؛ واحدة ليبرالية متنورة، وثانية دينية محافظة مغلقة وغيبية ومدمرة، وهذا الانفصال أقلّ سوءاً من حرب أهلية”.