في العاشر من أيار(مايو) المقبل تحل الذكرى الحادية عشرة لما يعرف بقضية مبعدي كنيسة المهد في بيت لحم بالضفة الغربية. لنتذكر القصة قليلا: في الثاني من أبريل 2002 تم اقتحام بيت لحم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضمن ما سمي بعملية ‘السور الواقي’. التجأ وقتها زهاء الـ250 من المقاتلين وعناصر من الأجهزة الأمنية وآخرين من بينهم أطفال إلى كنيسة المهد ظنا منهم أن للإسرائيليين تقديرا لقداستها لكنهم حاصروهم داخلها وأطلقوا عليهم النار فقتلوا ثمانية فيما لم يسمحوا بمعالجة الجرحى الثلاثين إلا بعد تردي حالتهم كثيرا. قطعت قوات الاحتلال الماء والكهرباء والطعام والإسعاف عن الكنيسة واضطر المحاصرون حتى إلى أكل أوراق الشجر، فيما رفض رجال الدين المسيحيون، في موقف بطولي رائع، مغادرة الكنيسة وترك البقية يواجهون مصيرهم.
بعد 39 من هذا الحصار، الذي وقف العالم عاجزا على رفعه بما في ذلك الفاتيكان، أُبعد 26 إلى غزة و13 إلى دول أوروبية مختلفة. حصل ذلك بعد مباحثات أجراها كل من محمد دحلان المسؤول الأمني البارز وقتها ومحمد رشيد المستشار لدى الرئيس الراحل ياسر عرفات. كان يفترض في هذا الاتفاق، الذي تم من وراء ظهر مجموعة أخرى كانت تفاوض الإسرائيليين بقيادة صلاح التعمري، أن تتم عودة هؤلاء بعد عام أو عامين ولكن هاهي القضية تطوي عامها الحادي عشر دون أي حل في الأفق.
‘ إن مبعدي كنيسة المهد أمانة في أعناقكم ولا يجوز أن يبقى هؤلاء إلى ما لا ما نهاية في الإبعاد وأن يكون مصيرهم مثل مصير إخواننا اللاجئين في العالم’… بهذه الكلمات تحدث فهمي كنعان قبل أيام لصحيفة ‘الوطن’ القطرية الناطق باسم مبعدي غزة،، فهؤلاء ما انفكوا طوال هذه السنوات يتساءلون إلى متى ستبقى قضيتهم تعاني التعتيم ‘حتى أنها لا تُـذكر مجرد ذكر في أي لقاء أو خطاب من كافة القادة والمسؤولين في الضفة والقطاع’ كما يقولون.
ومع أن المبعدين طالبوا القيادة الفلسطينية أكثر من مرة بضرورة الاهتمام بطرح قضيتهم في أي مفاوضات مع الاحتلال، ووضع حد لمعاناتهم المستمرة وكذلك تفعيل قضيتهم أمام كافة المحافل الدولية – لأن إبعادهم غير قانوني بحسب الاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية جنيف الرابعة – إلا أنها لم تحل بعد وزاد مرارتها انعكاسات الانقسام الفلسطيني حتى أنه لم يقع تضمينهم في صفقة شاليط رغم وعود بذلك رغم وعود من حركة ‘حماس’ بذلك.
المبعدون إلى غزة كانوا 26 والآن صارعددهم مع أسرهم 120 فردا تمنعهم إسرائيل جميعا من زيارة الضفة الغربية بل وتمنع أهاليهم هناك من زيارتهم في غزة عن طريق معبر بيت حانون . فقد بعض هؤلاء والدين وإخوة لم يستطيعوا حتى حضور جنازاتهم، ومنهم من توفي أيضاً في الخارج قبل أن تكتحل عيناه برؤية وطنه من جديد مثل عبد الله داوود من سكان مخيم بلاطة، والذي كان يشغل مدير مخابرات بيت لحم حين اجتياحها حيث لجأ إلى موريتانيا والجزائر أين توفي في نوبة مفاجئة ليعود الى مسقط رأسه في تابوت وهذا ما لايريده المبعدون الذين يطالبون دوما العودة الى مسقط رؤوسهم قبل أن يعودوا إليها جثامين.
الغريب الآن وبعد كل هذه السنوات يقول المبعدون إنهم اكتشفوا أنه لا وجود لوثيقة تتعلق بهذا الإبعاد وأن ما جرى لا يتعدى كونه تفاهما شفهيا بين بعض المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين مما يتيح المجال واسعا أمام إسرائيل للتنصل من كل شيء . هي لم تحترم ما وقع من اتفاقات دولية أمام العالم فما بالك باتفاقية شفهية لا شهود عليها وأصحابها لم يعودوا أصلا في موقع أي قرار بل هم بدورهم خارج الوطن وملاحقون في قضايا مختلفة.
ذكرى الإبعاد هذا العام فرصة أمام السلطة الفلسطينية وكل الفصائل وقوى المجتمع المدني الفلسطيني ومنظمات حقوق الإنسان الدولية وحتى داخل إسرائيل لإثارة هذه القضية من جديد وإغلاق ملفها بالكامل. أليست الولايات المتحدة وإسرائيل هما من تتحدثان عن ضرورة بعض إجراءات حسن النية بين الفلسطينيين والإسرائيليين… أليست هذه من بينها على الأقل؟!.
لا اله الا الله كان الله في عونهم ومقال اكثر من رائع