مبنى ماسبيرو ناصية الإعلام العربي على كورنيش النيل

كمال القاضي
حجم الخط
0

بعد التغييرات الناشئة في مُحيط ماسبيرو والتطورات التي تشهدها منطقة كورنيش النيل، صار السؤال المُلح الذي يتردد الآن داخل أروقة المبنى العريق للإذاعة والتلفزيون في القاهرة، ما هو المصير الذي ينتظر هذا الصرح الإعلامي الكبير؟
ولأن الإجابة الشافية على السؤال المهم مُفتقدة وغير مُحددة فإن التكهنات حول هذا الموضوع تأخذ اتجاهات عديدة، أولها أن محتوى المبنى من مُعدات وأستديوهات سيُنقل إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، بينما المبنى ذاته سيظل كما هو تراثاً معمارياً تاريخياً كمعلم أثري له خصوصيته وأهميته القصوى وهذا ما يُزعج بعض العاملين من الذين ارتبطوا بالمكان ارتباطاً نفسياً ومعنوياً.
أما الافتراض الثاني بحسب أقوال المصادر فيتجه إلى الظن بفصل الإذاعة عن التلفزيون، بحيث تعود الإذاعة كاملة بجميع محطاتها إلى مقرها الأساسي بمبنى الشريفين بوسط العاصمة، تمارس نشاطها بالشكل المُعتاد بطاقة بشرية محدودة تقتصر على أصحاب الخبرات من المُذيعين والمخرجين والمُعدين والفنيين، مع إدخال تطورات تكنولوجية جديدة لضمان جودة الخدمة الإذاعية بما يتفق مع موجات التقدم العصري المتلاحقة في المجال الإذاعي.
أما المحطات التلفزيونية الرسمية فستُخصص لها مواقع متميزة داخل مدينة الإنتاج الإعلامي كما أسلفنا، وبقدرات تقنية مُضاعفة لتحسين مستوى الأداء والعمل بأكبر كفاءة مُمكنة من النواحي الفنية والخبرات البشرية للكوادر المؤهلة، مع المحافظة على مبدأ التفوق في عنصر المنافسة برفع سقف القُدرات والخبرات لتحقيق المأمول من النتائج الإيجابية.
تلك هي الخُطة الإعلامية المرسومة كما يراها بعض خبراء الإعلام من المُتابعين لحركة التطور داخل ماسبيرو، وهي بالقطع خُطة تخيلية تتضمن مُعطياتها تصورات تساعد من وجهة نظر المُعتقدين في جدواها على تحقيق النهضة المنشودة في مجال الاتصال والتواصل الإعلامي عبر الشاشات الصغيرة التي تعددت وتجاوزت العدد التقليدي للقنوات التي كانت مقصورة قبل إطلاق الأقمار الصناعية ودخول المنظومة الفضائية العالمية على ثلاث قنوات رسمية فقط هي الأولى والثانية والثالثة.
أما وقد عبرت مصر حاجز الإقليمية الإعلامية فإن التقييم بات مُختلفاً، حيث هناك نشاط مُكثف للمحطات الفضائية الخاصة بلا انقطاع على مدار الساعة، الأمر الذي يُزيد من أهمية التطوير ويبعث على القلق في حالة التخلف عن الركب الإعلامي العربي والعالمي، فحينها يكون التدارك صعباً ومُكلفاً للغاية، لا سيما إذا جاء متأخراً وعلى مهل.
وهذه هي النقطة الجوهرية في حسابات المعنيين بعملية التطوير والتحديث، فالإعلام هو مشروع المُستقبل والمُعول عليه كثيراً في المراحل المُقبلة، حيث لا تطوير في أي مجال من المجالات الحيوية إلا بوجود قنوات اتصال قوية وفعالة ولديها القُدرة الفائقة على نقل المفاهيم العامة والإستراتيجية لكافة الأجهزة المعنية لتسهيل التفاعل الطبيعي وتحقيق النتائج المرجوة، وبالقطع في القلب من كل ذلك التفاعل الجماهيري والشعبي الذي ينمو ويتزايد بوجود الخطاب الإعلامي الثقافي المسؤول.
وبالعودة إلى الحديث عن التوقعات المُنتظرة في ما يخص مستقبل ماسبيرو وبالتحديد المبنى التاريخي لإتحاد الإذاعة والتلفزيون، تُرجح فئة من الخبراء أن الوضع سيبقى على ما هو عليه وأن التغييرات ستشمل فقط تحسين الصورة الكلية للأداء الإعلامي بشقيه الإذاعي والتلفزيوني. فالخطة المُقررة وفق التقديرات المُسبقة والمُتفائلة تنطوي تفاصيلها على تطوير المبنى وترميمه والمُحافظة عليه كبنيان بالدرجة الأولى.
كما أن الخُطة المُستهدفة ذاتها لن تتجاهل بطبيعة الحال الارتقاء بمستوى الأستديوهات وتوفير اللازم لها من مُعدات في ضوء العمل على تحسين وظائفها وتمكين العاملين بها من الأداء الجيد، وهذا ما يمكن تنفيذه على مراحل بحسب ما تقتضيه الظروف الخاصة بالتخطيط والتجهيز وتوفير المطلوب من قُدرات وإمكانيات. ويستبعد أصحاب وجهة النظر الإصلاحية والرافضون لمبدأ هجر مبنى التلفزيون المصري وتفريغه من محتواه وتحويله إلى مجرد مزار أثري وسياحي، أن تكون هناك نية مُبيتة من قبل الدولة لاستغلال الصرح الإعلامي الرائد في المنطقة على غير ما شُيد من أجله، فبقائه كمنارة إعلامية ثقافية سياسية اجتماعية أهم بكثير من تجميد نشاطه والإبقاء عليه كمتحف فقط، فهذا طبقاً لقولهم يعتبر هدماً لرسالته وتبديداً لتاريخه، حيث لم يُنشأ مبنى الإذاعة والتلفزيون في ظل التحديات الكثيرة والصعبة التي واجهها قرار إنشائه ليكون مزاراً سياحياً فحسب.
وتُعد الخلفية التاريخية للتلفزيون هي الحصانة الطبيعية التي اكتسبها المبنى الواقع في محيط كورنيش النيل عبر سنوات طويلة منذ إنشائه عام 1960 وحتى الآن، فقد تم افتتاحه في 21 تموز/يوليو من العام المذكور وسط أجواء احتفالية كبيرة بخطاب للرئيس جمال عبد الناصر ألقاه في مجلس الأمة بمناسبة العيد الثامن لثورة يوليو.
غير أن التلفزيون العربي وفق تسميته الأولى احتوى أكبر الكوادر والقيادات الإذاعية آن ذاك منهم المُتخصصون في المجال الإعلامي وإعداد البرامج والمواد السياسية والثقافية والاجتماعية والرياضية والترفيهية. فمن أهم القيادات التي عملت في التلفزيون منذ افتتاحه، تماضر توفيق أول رئيسة له والمُلقبة بسيدة ماسبيرو الأولى وهمت مصطفى وطارق حبيب وليلى رستم ونجوى إبراهيم وسمير صبري وغيرهم من الشخصيات الإعلامية الشهيرة التي حملت شُعلة التنوير من البداية ولا يزال تأثيرها المعرفي والثقافي باقياً حتى الآن.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية