الصراع الذي أصبح مفتوحا بين إيران وإسرائيل مؤشر على أن الأردن سيسهر ليله الطويل مجددا وأن اضطرابات تتغير معها أولويات المرحلة.
عمان ـ «القدس العربي»: في المساحة الرمادية قد يدخل التصعيد بين إسرائيل وإيران في معادلة التأثير على أجندة الانتخابات البرلمانية الأردنية المقررة أو التي ستتقرر قبل نهاية العام الحالي خصوصا بعد ما أثار صدور إرادة ملكية بفض دورة البرلمان العادية الأسبوع الماضي نقاشا حول الاحتمالات والسيناريوهات لأنه لم يترافق بعد مع تنسيب بحل البرلمان.
ثمة من يتصور بين السياسيين الآن وحتى في بعض مفاصل الدولة العميقة بأن انعقاد انتخابات عامة وان كانت استحقاقا دستوريا في ظل مناخ حرب وتصعيد عسكري يتفاعل قد لا يشكل اتجاها حكيما أو منطقيا، وثمة من يعاكس هذا الاتجاه وهو يؤشر على خلاصة مرجعية فكرتها أن مسار التحديث السياسي ينبغي أن يصل إلى محطة انتخابات 2024 اعتمادا على المواصفة الوطنية فقط وبعيدا عن ما يجري في الإقليم. بين الرأيين تتزاحم عدة تصورات لكن الواضح والملموس في قناعة السياسيين الأردنيين أن طبيعة الصراع الذي أصبح مفتوحا بين إيران وإسرائيل مؤشر على أن الأردن سيسهر ليله الطويل مجددا وان اضطرابات تتعدل وتتغير معها أولويات المرحلة.
وهنا يشير المحلل السياسي رامي العياصرة إلى كل الاحتمالات ويتفق مع القول إن حسابات المصالح الوطنية العميقة قد تكون أهم من التشدد في مسألة الانتخابات واستحقاقها الزمني وليس الدستوري، فيما رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي مجددا وأمام «القدس العربي» يضع إدارة المشهد برمتها بيد صاحب القرار وتقديراته في حكم السياق الدستوري.
وتراجعت مؤخرا بوضوح في أوساط السياسيين والبرلمانيين تلك الفرضيات التي تعتقد بأن الانتخابات حكما ينبغي أن تجري بصرف النظر عن تطورات الأحداث في فلسطين المحتلة.
لكن مثل هذا التراجع كسب المزيد من الأصدقاء في الأسبوع الأخير بعد ارتفاع مستوى ومنسوب الحرارة الذي شعر به الجميع ليلة التصدي فجر الأحد الماضي للهجوم الإيراني الشهير على إسرائيل.
يفضل سياسي بخبرة برلمانية عريقة مثل الدكتور ممدوح العبادي تأجيل الانتخابات في العام الحالي وهو ما فضله أيضا عندما تحدث لـ«القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب.
وضمنا يمكن القول إن خيار التأجيل لا تمانعه المعارضة السياسية والحزبية إذا ما كانت الفكرة منسجمة مع ما طرحه مراد العضايلة الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة وقد أعلن مبكرا حتى قبل انضمام إيران للحفل بأن «معركة طوفان الأقصى أردنية وأولوية وأهم من الانتخابات».
يحاجج المترقبون بأن عنصرا إيرانيا يدخل الآن ولأول مرة في عمق معادلة الترتيب الأردني. ويرى هؤلاء بأن هذا المستجد الكبير والخطير في ملف القضية الفلسطينية وإسرائيل من الصنف الذي لا يمكن إسقاطه من الحسابات الأردنية ليس فقط لأن إيران اقتربت جدا وقررت قصف إسرائيل من الأجواء الأردنية، ولكن لأن الأردن رد بخطوة سيادية شمولية أسقط بموجبها عشرات الطائرات المسيرة إيرانيا. قبل أحداث تلك الليلة الإيرانية قبل فجر الأحد الماضي كانت معركة طوفان الأقصى لاعب خلف الستائر في كل معطيات ملف الاختبارات الأردنية.
الآن لم يعد الأمر يقتصر على غزة ومعركتها، فإيران موجودة في الصراع وفي أدق الزوايا الحرجة، والجغرافيا الأردنية أصبحت عنصرا ملتهبا في الصراع الإقليمي برمته ضمن موجات الانفعال والاندفاع في إطار جدلية ثنائية الدور والوظيفة.
هذا العنصر المسجل إضافة نوعية في التفكير في مطبخ الانتخابات والمطابخ الاقتصادية والأمنية والسياسية الأردنية معا في مقاربة لم تعد تنفع معها حسابات الماضي ولا التحذيرات التي يوجهها الوزير أيمن الصفدي لطهران.
ذلك بحد ذاته عنصر مستجد وضاغط لأن الأعصاب مشدودة للغاية ولدى جميع الأطراف كما شرح العبادي.
وبالتالي الأجواء عموما يبدو انها في جزئية لم تحسم بعد غير مهيأة جدا لتنظيم انتخابات نيابية.
الأيام القليلة المقبلة ستجيب تطوراتها في الإقليم على عدة أسئلة أردنية داخلية حيوية من بينها تأجيل الانتخابات أو عقدها وحل البرلمان أو تمديد ولايته الدستورية قليلا.
ومن بينها بالنتيجة المباشرة حسم مصير الحكومة الحالية ضمن جدلية البقاء أو الرحيل وإعادة برمجة التحديات بسلم أولويات مختلف لإدارة حسابات معقدة اقتصاديا وسياسيا وإقليميا تهدف في النتيجة وعلى طريقة وزير المالية محمد العسعس لحماية الاتجاه والقرار الوطني المستقل.
وهنا يمكن القول إن المفارقات الآن بالجملة والسيناريوهات في برمجة تعيد ضبط الإعدادات للتعامل مع مرحلة جديدة ومختلفة وحمالة أوجه بالجملة أيضا وسط السؤال الذي يطرحه بعض كبار الساسة في عمان، وهو ذلك المرتبط بكيفية توقع نتائج من أي صنف في ظل بقاء الطاقم الذي يدير الملفات كما هو.
ذلك حتما سؤال يتسرب بين أحرفه ذلك الانطباع الذي مرره عبر «القدس العربي» خبير استثنائي من وزن الدكتور جواد العناني عندما تحدث عن قرب الانتقال إلى مستوى تشكيل وتأسيس مطبخ حقيقي يتولى الاشتباك وفقا للرؤية.