متى سيزيل المغاربة تمثال رائد الاستعمار ليوطي؟

حجم الخط
42

وسط الموجة التي يشهدها العالم بإعادة النظر في المفاهيم والرموز المتعلقة بالاستعمار والعبودية، التي تمتد إلى شخصيات كانت تحظى «باحترام» مصطنع في التاريخ، يستمر تمثال الماريشال ليوطي في واجهة القنصلية الفرنسية في الدار البيضاء منذ عقود، ما يجعلنا نتساءل، متى سنلتحق كمغاربة بركب مناهضة الماضي البغيض.
شكل مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس بتلك الطريقة البشعة المتمثلة في الجملة الشهيرة «لا أستطيع التنفس» خلال مايو الماضي، انتفاضة تعدت الولايات المتحدة إلى باقي العالم، خاصة الغربي منه. تجلت في إعادة النظر في الكثير من المفاهيم السياسية والفكرية، التي كان يجري القبول بها أو التساهل معها، أو كما كتبت الصحافية المغربية – الأمريكية فدوى مساط «الولايات المتحدة تقوم بعملية تعقيم وغسل تاريخها».
وأقدم المواطنون الأمريكيون على إزالة تماثيل لشخصيات تورطت في العبودية أو العنصرية ومنها، لرؤساء وضباط جيش كبار، يعودون إلى الحرب الأهلية، بل حتى مكتشف القارة الأمريكية كريستوفر كولومبس، وانتقل هذا إلى المجال الأكاديمي، حيث غيرت جامعة برنستون اسم كلية وودرو ويلسون إلى كلية العلوم السياسية، بسبب الماضي البشع لهذا الرئيس، الذي أيد العنصرية وكلوكلوس كلان التي كانت تغتال السود. ويوجد نقاش الآن بضرورة تغيير اسم مدينة واشنطن لأن جورج واشنطن، كان يمتلك عبيدا وتسميتها باسم فردريك دوغلاس، أحد المثقفين السود الذين نادوا بإلغاء العبودية. وقامت بلجيكا هذه الأيام بسحب تماثيل الملك الأسبق ليوبولد الثاني، بسبب الجرائم التي ارتكبها في الكونغو الافريقية، بقتل الملايين. وفي الوقت ذاته، تشهد معظم الدول ومنها فرنسا نقاشا قويا حول دور العديد من السياسيين والمفكرين، تمتد إلى شارل ديغول، حيث يطالب الفرنسيون الافارقة اعتباره مجرم حرب، بسبب ما ارتكبه من جرائم في القارة السمرا،: وتعاطف العالم مع هذه المطالب وتبناها ومنها العالم العربي، لكن عدوى الفعل لم تنتقل بعد إلى الدول العربية، التي ترزح تحت ظلم الديكتاتوريات، حيث تماثيل وأسماء شوارع وساحات تحمل أسماء رؤساء وملوك تورطوا في نهب أموال شعوبهم، واغتيال العديد من أبناء الشعب. والمغاربة من الشعوب التي انضمت إلى التنديد بالماضي الاستعماري، والترحيب بالفكر الجديد بشأن مراجعته. ويبقى التناقض هو عدم الإقدام على مبادرات نوعية تعزز هذا الوعي.

إزالة تمثال رائد الاستعمار ليوطي في المغرب هو تكريم لشهداء الوطن الذين ناهضوا الاستعمار

في هذا الصدد، يعد المغرب، ربما من الدول القليلة في العالم، الذي يتساهل مع تمثال رائد الاستعمار الماريشال ليوطي، وسط القنصلية الفرنسية في الدار البيضاء، بعدما كان في السابق وسط هذه العاصمة الاقتصادية. ورغم عمليات التجميل التاريخي، التي يقوم بها «مثقفون ومؤرخون» لما يسمى تحديث ليوطي للمغرب، حيث كان أول «مقيم عام فرنسا» في هذا البلد بين سنتي 1912- 1925 باستثناء سنة واحدة تولى فيها منصب وزير الحرب، يعد الماريشال ليوطي شخصية استعمارية، قتل مئات الآلاف من المغاربة إبان العقد الثاني والثالث من القرن الماضي بمبرر «إرساء الأمن» بموجب اتفاقية الحماية المشؤومة. عمليات نهب وسلب لممتلكات المواطنين، وعمليات قتل واغتصاب شاهدة على جرائمه، وهناك صور تذكارية استعمارية، كانت فرنسا تتغنى فيها بقطع رؤوس المقاومين المغاربة، وتبيعها في صور تذكارية (كارت بوستال). وكل مرة يبدأ فيه نقاش حول ليوطي تنبري أصوات تقوم بتجميل عمل رائد الاستعمار، وتدّعي أن وجود التمثال هو في فضاء مفتوح تابع للقنصلية الفرنسية في الدار البيضاء، وغير خاضع للسلطة المغربية. وتتناسى هذه الأصوات نقطتين أساسيتين وهما:
في المقام الأول، اتفاقية فيينا المنظمة للتمثيليات الدبلوماسية، تنص على ضرورة عدم تنظيم أو نشر التمثيلية لما قد يخدش ويمس ويسيء للشعور الوطني للدولة المضيفة. وعليه، تمثال الماريشال ليوطي، إساءة لذاكرة وتاريخ الشعب المغربي.
في المقام الثاني، هل تقبل فرنسا بقيام دولة بنصب تمثال لشخصية أساءت إلى التاريخ الفرنسي، في واجهة مقر تمثيلية لها بالعاصمة باريس، أو في قنصلية في مارسيليا أو ستراسبورغ؟ بطبيعة الحال سيكون الجواب بالنفي.
وطنيا، في ظل تخلي الدولة المغربية عن مطالبة فرنسا بإزالة تمثال رائد الاستعمار، الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية في المغرب، وصمتها، رغم أنه التمثال الوحيد الذي مازال قائما في مستعمرة سابقة لفرنسا، بينما باقي المستعمرات تخلصت من رموز الاستعمار، يمكن للمجتمع المدني القيام بمبادرة تطالب وزارة الخارجية الفرنسية، بإزالة هذا التمثال، وقد بدأ النقاش حول الموضوع منذ أسبوعين تقريبا. أخلاقيا، يجب على باريس عدم انتظار وقوع ضجة إعلامية وسياسية حول الموضوع، بل عليها، مسايرة للتطورات الحالية، بالإسراع بإزالة هذا التمثال، لاسيما وأن مسؤولين في الحكومة الفرنسية بدأوا يعتبرون الاستعمار الفرنسي عملا لم يحمل قط الإشعاع الحضاري، بل حمل القتل والاستغلال والاستعباد. علاوة على ذلك، يعيش المجتمع الفرنسي نقاشا قويا في هذا الشأن. لا يمكن للمغرب تشكيل الاستثناء في تاريخ المستعمرات الفرنسية السابقة، لقد جاء الوقت لإزالة تمثال رائد الاستعمار الفرنسي في المغرب، فقد رحل مهزوما سنة 1925 على يد القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي، والخطوة المتبقية هي إزالة التمثال، ثم الاستعداد للنظر في كتابة التاريخ المملوء بالتزييف والمغالطات، وهذا موضوع آخر. إزالة التمثال هو تكريم لشهداء الوطن الذين ناهضوا الاستعمار.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد ااشايب:

    ليس تمثال ليوطي فقط فهناك مدرسة ليوطي الاستثمارية بالبيضاء وهناك حي بورنازيل وهو ضابط فرنسي قتل على يد المقاومين المغاربة.وغيرهم من صناديق الاستعمار

  2. يقول إبراهيم بومسهولي - المغرب:

    يوجد تمثال ليوطي منذ نوفمبر 1955 في داخل القنصلية الفرنسية، وحسب القانون الدولي فهو يوجد داخل الأراضي الفرنسية. وبالتالي فإزالته أمر يهم الشعب الفرنسي ولا يهم المغاربة في شيء. كما يمكن للسفارة المغربية أن تقيم داخل مجالها الترابي معرضا دائما قد يصدم الفرنسيين، ولكنه يبقى في إطار التراب المغربي. ولذلك يجب النظر للجزء الممتلئ من الكأس، ألا وهو خلو المغرب من أقصاه إلى أقصاه من أي تمثال كان طبقا لعقيدة الدولة المغربية.

  3. يقول رشيد رشيد من المغرب:

    هو رائد الاستعمار
    لكنه رائد في بناء المستشفيات و الطرق و المدارس الخ

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    ليس في قضية الحرية حل وسط .
    لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية، وكل ما سواها باطل.
    الحرية حق مشاع لبني الإنسان وغاصبها مجرم.
    نحن في عصر يضيع فيه الحق إذا لم تسنده قوة.
    فكر بهدوء واضرب بقوة.
    الحرب ضد الاستعمار وسيلة لتقارب الشعوب.
    الاستعمار يموت بتحطيم أسواقه الاقتصادية، ويدفن بسلاح المجاهدين.
    عدم الإحساس بالمسؤولية هو السبب في الفشل. فكل واحد ينتظر أن يبدأ غيره.
    الكفاح الحقيقي هو الذي ينبثق من وجدان الشعب. لأنه لا يتوقف حتى النصر.
    قالوا إنهم جاؤوا لتمديننا، ولكن بالغازات السامة وبوسائل الفناء.
    سلاح المجاهدين هو الذي ينتزعونه من العدو لأنه ذو حدين؛ يقتلون به العدو ويحرمونه منه.
    السلاح الحقيقي لا يُستورد من هنا أو هناك، ولكن من هنا ” يشير إلى العقل ” ومن هنا “يشير إلى القلب “.
    انتصار الاستعمار ولو في أقصى الأرض هزيمة لنا، وانتصار الحرية في أي مكان هو انتصار لنا.
    الاستعمار وهم وخيال يتلاشى أمام عزيمة الرجال، لا أشباه الرجال.
    الاستعمار ملة واحدة.
    لقد قتلنا الاستعمار في الريف وما على الشعوب إلا دفنه. وإذا لم تستطع فلا عزاء لها.
    من لم يحمل السلاح ليدافع به عن نفسه، حمله ليدافع به عن غيره.
    من أقوال: محمد بن عبدالكريم الخطابي

  5. يقول عماد:

    أتعجب لتعليقين يدافعان ويبرران وجود التمثال، واحد يقول بوجوده في الأراضي الفرنسية، وهي القنصلية وآخر يصف ليوطي بباني المدارس والمستشفيات. قرأت مقال الأستاذ مجدوبي ويوضح جيدا كيف تمنع اتفاقية فيينا استعراض مثل هذه المظاهر الماسة بشعور الوطن المحتضن للسفارة أو القنصلية.

  6. يقول Ali:

    إلى السيد مجدوبي. إزالة تمثال ليوتي. جيد جدا. و ما ذا عن الرموز الاسبانية التي لا زالت موجودة في كل شمال المغرب. إن لم تكن تمثال، نجدها هندسة معمارية، أسماء اسبانية لشوارع و أزقة من العرائش حتى تطوان. ألوان فريق المغرب التطواني نسخة لفريق أتلتيكو مدريد. ناهيك عن افتخار الشماليين باللغة الأسبانية.

  7. يقول محمد - الجزائر:

    السادة المدافعون عن هذا التمثال الشنيع:
    مؤخرا اقتنعت جامعة أكسفورد ان لا مناص من إزالة تمثال رودس، هذا الإمبريالي البريطاني الشهير الذي كرس ثروته للمنح الدراسية التي كونت زعماء العالم. كانت الجامعة سابقا مستميتة في الدفاع عنه و لكنها أيقنت ان عجلة التاريخ دارت وان زمنه قد ولى بلا رجعة.

    ارى الرد الأنسب من الإخوة المغاربة ان يصنعوا شيئا مماثلا بغيض فرنسا بالمقابل.

    بدون أن تتفاخر كثيرا و بغض النظر عن التجاذبات السياسية الذاخلية، أظن أن ما فعلت الجزائر بجامعها الاعظم أمر جميل، يثأر معنويا – عن قصد أو غير قصد – للذين قتلهم فرنسا أو امتهنت كرامتهم بمحاولة مقايضة دينهم بالتنصير (لا نحمل حقدا تجاه إخوتنا النصارى المسالمين) .

    بني هذا المسجد في مكان يقال كان يسمى سابقا Lavigerie مبشر الآباء البيض حملة الخبز في يد و الصليب في الأخرى. حول اسم المكان بعد الاستقلال إلى “المحمدية” تيمنا بسيدنا النبي محمد صلعم. اليوم جن جنون فرنسا وإعلانها بسبب هذا المسجد في هذا المكان.

    …ولكن تؤخذ الدنيا غالبا.

  8. يقول هيثم:

    هذه الحملة العالمية ضد رموز الاستعمار والعبودية بتكسير التماثيل لن تجدي في تغيير واقع ماضي المجتمعات البشرية الذي ينبغي أن يتم تعريف الأجيال الصاعدة به في سياق منظور يهدف إلى التمييز بين الخير والشر و بين الحرية والعبودية و بين الاستعمار والتحرر. لو بقينا في حدود تكسير الرموز لن نربي المواطنين على العيش في مجتمع الحقوق والمساواة… حبذا لو وجه الكاتب رسالة مفتوحة إلى المجتمع المدني في المغرب حول موضوع النصب التذكاري المارشال ليوطي عوض تحديد موقفه في هذا المقال.ذلك أنه الجماهير وبعض هيئات المجتمع المدني هي من سارعت إلى تكسير الرموز الاستعمارية والنخاسية.

  9. يقول .لطيف:

    الشاب المغربي الياس الطاهري الذي قتله الحرس العنصري في إسبانيا و الذي خنقه أزيد من خمسة جلادين في مركز إيواء القاصرين أولى بأن تخصص له حملة تضامنية في الإعلام. واستقرار الكاتب في إسبانيا يمكن أن يساهم في تنظيم هذه الحملة وأجرأتها فهذا أوجب بالنسبة لفلويد المغربي عوض النبش في دور ليوطي خلال الحقبة الاستعمارية

    1. يقول Ali:

      و كما صنعت فرنسا هوبرت ليوتي رائد الاستعمار الفرنسي، صنعت اسبانيا فرانسيسكو فرانكو رائد القتل في اسبانيا و شمال المغرب. فايهما نزيل. أم هناك مدينة تسمى باريس و أخرى تسمى مدريد.

  10. يقول المغربي_المغرب.:

    ليوطي وغيره من قادة حملات الإستعمار…من جزء من تاريخ يجب ان يقرأ قراءة صحيحة..وان تستقى منه العبر…حتى لانسقط في دوامة التكرار…واعادة الأحداث باشكال مختلفة..وبنفس المضمون…؛ واعتقد ان الأهم ليس هو تتبع تمثال موجود داخل مقر السفارة الفرنسية…بقدر ماهو السعي نحو التخلص من تبعات الثقافة الإستعمارية مهما كان مصدرها او طبيعتها…وللاشارة فان معالم الحقبة الإستعمارية موجودة في كثير من الاشياء ولايمكن محوها بمزاجية رد الفعل غير المدروس …فهل يمكن هدم تطوان العصرية…التي بناها بريمو دي ريفيرا…ومنها كنيسته التي تتوسط ساحة النافورة…القريبة من شارع محمد الخامس…او الاسانتشي كما يحلو الكثيرين تسميته…او تغيير بذلة فريق المغرب التطواني التي تشبه فريق أتلتيكو مدريد…علما بان مؤسس الفريق…كان يحلم بتكوين إطار رياضي يمثل المدينة …وليس الإستعمار…ونفس الشيء بالنسبة إلى الي بيرتلوتشي اب الفنون الجميلة في تطوان…

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية