أعاد المشهد المؤلم لحريق صالة الأعراس في قضاء الحمدانية في محافظة نينوى، الذي خلَّف مئات القتلى والمصابين، إلى الذاكرة، مسلسل النكبات والكوارث المتكرّرة التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، والتي طالت أرواح العراقيين ودمرت بنى بلدهم، على الرغم من القدرة الإنسانية الكفوءة للإنسان العراقي في البناء والتغيير، وضخامة حجم الثروات التي توفرت للنظام السياسي الجديد منذ 2003، والتي لم توظف في بناء المجتمع العراقي، بل وظفت في بناء الأحزاب المسلحة، التي أتاحت وسهلت الفرص للفاسدين للعبث بأموال البلد وأرواح العراقيين، في غياب واضح لدور السلطات التشريعية والتنفيذية في محاسبة المقصّرين والفاسدين.
مسلسل من النكبات والكوارث المتكرّرة شهدها العراق في السنوات الأخيرة، طالت أرواح العراقيين ودمرت بنى بلدهم
وباستمرار هذه المشاهد المؤلمة، بات من الواضح فشل النظام الديمقراطي، الذي قامت برعايته الولايات المتحدة الأمريكية، في اختيارها لهذه النخب السياسية الجديدة، التي دفع فشلها وعدم مصداقيتها، مئات الآلاف من العراقيين إلى الهجرة، أو الاحتجاج، بعد اقتناعهم بأن هذه الأحزاب تمنع الإصلاح الحقيقي الهادف إلى جمع العراقيين تحت خيمة البلد، لإعادة بناء هيكل الدولة ومؤسساتها الاقتصادية والمدنية وتعزز سلطتها ونفوذها من خلال المجاميع المسلحة، التي تفرض شروطها في التعامل المادي والإنساني، ناهيك عن قدرتها على التأثير في القضاء باستخدام أموال الدولة والموارد المخصصة لخدمة المواطن.
وهذا ما يثير العديد من الشكوك حول موضوعية الرؤية التي يراها رعاة هذه العملية الفاشلة، ويثير بدوره التكهنات حول طبيعة الإرادة الدولية الهادفة إلى إهمال الحاجة والضرورة إلى «تغيير جذري» للأحزاب السياسية المهيمنة على البلاد منذ عقدين من الزمن في الوقت الحاضر، وهذا ما قد يدفع كل من له بصيرة وطنية، إلى استنتاج أن المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، الراعي الأساسي لعراق ما بعد 2003، هو من يختار ويفرض الحلفاء العراقيين القادرين على اتباعها بإخلاص للمسار التي اختير للعراق. وفي الوقت الذي تتوالى الأطروحات والدراسات الإقليمية والعالمية الهادفة إلى تصحيح الأخطاء السياسية في عمل الدولة، من خلال العلاقة بين المواطنين، وأهمية احترام عامل انتقال السلطة من حكومة إلى أخرى في طمأنة المجتمع، تتزايد الشكوك والانتقادات الموجهة إلى العملية السياسية في العراق، وعلى من يرعاها في العلن والخفية، ويتواصل صراعها مع أزمات مستمرة لا تنتهي. فعلى الرغم من إنشاء العديد من البرامج والدراسات الغربية، التي تهدف ظاهرياً إلى إيجاد الحلول لأزمة الحكم في العراق، إلا أنه لم يتم الوصول إلى حلول كافية لتصحيح العملية السياسية أو إنهائها، على الرغم من رغبة الشارع العراقي في إحداث تغيير حقيقي، من خلال تغيير الوجوه السياسية الحالية، وهذا ما يتطلب العمل على تحرك أممي لتحقيق تغيير حقيقي في العملية السياسية، على ضوء ما جاءت به تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، التي كشفت حجم الفساد والدمار الذي شهده العراق في السنوات الأخيرة. وهذا ما نراه ونلمسه اليوم في الإرادة الوطنية، التي ما زال يحملها شباب حراك الشارع العراقي في تشرين الأول /أكتوبر، التي تمر علينا ذكرى انطلاقتها الرابعة هذه الأيام، والمتمثلة في المطالب الشرعية الهادفة إلى إنهاء العملية السياسية الفاشلة، التي لم تجلب للعراق سوى الخراب والطائفية، ونهب الثروات وخيرات الأجيال القادمة، كل هذه الأسباب ما زالت تدفع العراقيين إلى تجديد هذه الانتفاضة الشعبية، لكونهم ضحايا هذا الفساد وهذه السمسرة السياسية والطائفية التي دفعت ثمنها أرواح أهلنا في قضاء الحمدانية.
إن ثبات وعي العراقيين، يستلزم بالضرورة الانتقال إلى مرحلة واقعية، واتخاذ خطوة لا بد من نشرها على نطاق شبكات الأسرة الدولية، للحصول على تأييد إقليمي ودولي، لمد يد العون لضحايا اليوم في الحمدانية وضحايا الأمس في بقية مدن وقصبات العراق، أمام آلة الفساد والغش التي تديرها الميليشيات المتنفذة باختلاف أديانها ومعتقداتها، وهذا ما يلزم ويحتم على الجميع دعم العراقيين وإيصال صوتهم إلى مراكز القرار الدولي، من أجل حماية هذا البلد ودعم انتفاضة أبنائه في ساحة التحرير في بغداد ومدن العراق الأخرى. خلافا لما تعمل به الأسرة الدولية الآن من دعم لنظام سياسي فاشل، لا يمثل الأغلبية ولا يتمتع بثقة الشعب، وأثبت عدم قدرته على الحكم وبناء الدولة. فشتان ما بين دعم المجتمع الدولي لضحايا هذا البلد، ودعم نظام الغش والفساد وسراق المال العام الذي يدفع ثمنه الإنسان العراقي من مسلم ومسيحي ومن باقي الأديان.
كاتب عراقي