يُطرح هذا السؤال في كل ملتقى يدور حول الأدب الرقمي، ما يدل على أن هناك نوعا من الاهتمام بالمسألة الرقمية في علاقتها بالإبداع العربي. لكن التقدم في الجواب عنه يستدعي الإحاطة بالشروط الذاتية والموضوعية المحيطة واستيعابها على النحو الأمثل الذي ييسر تحقق ذاك الإبداع. إن الشروط الموضوعية التي يتصل جزء منها بالوسائط الجديدة متوفرة لدى الجميع، مبدعين ومثقفين. لكن الشروط الذاتية متوفرة لدى البعض ومغيبة لدى بعضهم الآخر.
ولتعميق النظر في مسألة الشروط الذاتية، لا بد لنا من وضع الأدب في علاقته بالصناعة، وجعلها نقطة انطلاق فهم تلك الشروط.
الأدب صناعة، وكل جنس من أجناسه له مقوماته وقواعده التي تجعله متصلا بصنعة خاصة. فإلى جانب القواعد الأدبية والجمالية العامة، ثمة أخرى خاصة بصنعة الشعر، أو بالسرد، ومنتج الخطاب الأدبي أحد ثلاثة: الصانع، والهاوي، والهاوي ـ الصانع. فالصانع من ألم بقواعد الجنس الذي يكتب في نطاقه إلماما واسعا. والهاوي من أحاط ببعض جوانب الإبداع دون غيرها، وظل يراهن على موهبته وميولاته الكتابية، متأثرا في ما ينتج بقراءاته التي يعمل على السير على منوالها. أما الصانع ـ الهاوي فهو من جمع إلى جانب امتلاك متطلبات الصنعة بكل جزئياتها العلاقة العضوية بالإبداع الذي يكتب إلى حد أنه صار جزءا من حياته.
الصانع أقرب إلى ما كان يسميه القدماء «العالم بالشعر»، ويرون أن شعره يكون عادة ضعيفا، لأنه يكون أسير الصناعة. أما الهاوي فهو المعول على استعداده الفطري، بدون أن يعمل على تعميقه من خلال امتلاك أسرار الصناعة. أما الأخير فهو المبدع الحقيقي الذي لا تؤثر معرفته على إبداعه، ولا يقل إبداعه عن معرفته، وأساطين الإبداع العربي القديم في الشعر والنثر يمثلون المثال الأخير.
إلى جانب كون الأدب صناعة، فهو ككل الصنائع يرتبط بمؤسسة متعددة الأطراف والاختصاصات. فالشاعر بدون الراوي، والكاتب بدون الوراق، من جهة، أو بدون الطابع والناشر والإعلامي والناقد، من جهة أخرى، سيظل يتحدث إلى نفسه. كما أن هذا الإبداع الأدبي لا يُكتفَى به في ذاته، فهو قابل للتحول إلى نظام علامات من غير علامته الأصلية (اللغة). فالشعر منذ القدم كان يتحول إلى غناء، فكان فيه للملحن وللمغني دور في أدائه بصيغة أخرى مقبولة ومستحبة. وفي العصر الحديث صارت القصيدة المغناة تقدم بالصور المتحركة (مقاطع مرئية)، مستفيدة مما توفره التكنولوجيا الجديدة، وتنشر في قنوات التلفزيون والفضاء الشبكي (فيديو كليب). ويمكن قول الشيء نفسه عن النص المكتوب وقد تحول مع الوراق والخطاط إلى تحفة فنية تتعدد فيها ألوان وأشكال الخط إلى جانب الصور (كليلة ودمنة والمقامات مثلا). ويمكننا أن نجد في تجربة محمد بنيس وعبد الله راجع وأحمد بلبداوي مع التشكيل البصري، على سبيل المثال، ما يبين ضرورات تجاور النصي مع البصري في الإبداع الشعري.
إلى جانب كون الأدب صناعة، فهو ككل الصنائع يرتبط بمؤسسة متعددة الأطراف والاختصاصات. فالشاعر بدون الراوي، والكاتب بدون الوراق، من جهة، أو بدون الطابع والناشر والإعلامي والناقد، من جهة أخرى، سيظل يتحدث إلى نفسه.
كما أن النص السردي (الروائي مثلا) يقبل بدوره التحول إلى نظام علامات يتعدى اللغة إلى الصوت والصورة، ومنذ أن تطورت الوسائط الجماهيرية وظهور السينما والتلفزيون، صارت الرواية تتحول إلى ما صار يعرف بالخطاب السينمائي، الذي يمكن أن يشتغل فيه إلى جانب الممثلين والمخرج كاتب السيناريو والروائي.
إن الخطاب الأدبي باعتباره صناعة ومؤسسة لا يقتصر على «الأديب» منتج الخطاب الأدبي. فهو قابل لأن تتدخل عدة أطراف لجعله قابلا لأن يتداول على نطاق واسع، ويكون التواصل معه بمختلف الوسائط المتاحة. فلولا الراوي الذي كان يحفظ الشعر والخبر ما وصلتنا القصيدة ولا القصة. ولولا الوراق والطابع ما أمكننا التعرف على الكثير من النصوص التي نسخت أو طبعت. ولولا المترجم ما انتهت إلينا معرفة الكثير من النصوص التي أنتجت بلغات غير لغتنا.
كما أنه لولا الأطراف التي تسهم في تحويله من نظام أحادي العلامات إلى آخر متعددها، ما استطعنا الاطلاع على الكثير من النصوص التي لم نتمكن من التعرف عليها مطبوعة.
نريد من خلال التوقف على الشروط الذاتية إبراز أن الصناعة في علاقتها بالإبداع وطيدة. كما أن البعد المؤسسي للإبداع دال على طبيعته الجماعية، التي تشترك فيها عناصر متعددة. وبدون الوعي التام والحقيقي بهذه الجوانب، ونحن نفكر في الإبداع الرقمي، لا يمكننا أبدا تجاوز الرؤى الجاهزة عنه، وهي تختزل الإبداع في علاقته بالتكنولوجيا وكأنها غريبة عن الفعل الإنساني. إن آلة العود وليدة التقنية، وكذلك آلة الطبع، والحاسوب، ومتى امتلكنا ناصية هذه الآلات وقواعدها وكيفية استخدامها على النحو الأمثل أبدعنا ألحانا، ونصوصا، وأصواتا وصورا في منتهى الجمال، الذي يسمو بالإنسان، ويرقى به إلى مستوى تحقيق إنسانيته.
لا يختلف الإبداع الرقمي عن الإبداعات التي مارسها الإنسان، إلا باختلاف الوسيط الجديد الذي هو خلاصة صيرورة من التحولات التي كان الإنسان يسعى إلى تحقيقها. لا بد أن ينتقل الكاتب إلى الراقم، ويشتغل مع المُرقّم تأكيدا للصناعة والمؤسسة.
الراقم / المُرَقم:
تداخل الاختصاصات في الصناعة الإبداعية الرقمية: النص/ الصورة/ الصوت
٭ كاتب مغربي
لماذا لا نبدأ باستخدام التقنيات الحديثة في تحليل النصوص الأيديولوجية الدينية التي تكبل العقول وتمنعها من التكيف مع العصر الحاضر. هذا الموروث الشائك الذي لا يعترف بالعلم والعقلانية بل بالنقل الأعمى لنصوص القرون الماضية التي كانت نتاج مجتمعاتها وكان من الواجب ان لا نسمح لها بالاستمرار في اختراقها لكل هذه المسافات الزمنية البعيدة . لكنها للأسف تمكنت منا. إذن لو حاولنا استعمال التكنولوجيات الرقمية لتفكيك المصطلحات والمفردات التي تكون هذه النصوص الأيديولوجية الدينية وتقديمها لمن تكونت لديه الفضول العلمي والمعرفي علنا نحقن ولو جزء من المجتمع المخدر وتمكينه من الصحو من مخدره الأيديولوجي بعدها نمر للأدب وباقي الفنون بنفس المناهج المعرفية المذكورة
عنوان مهم (متى ننتج إبداعا رقميا؟) وتحليل رائع عندما يصدر من موظف في النظام البيروقراطي، بدأ يحس بأهمية مفهوم صناعة الإنتاج، على المنتج اللغوي،
ولذلك أحب أن أضيف ما الفرق بين منتجات أحمد مطر ومنتجات تميم البرغوثي على AJ+،
وبين المنتج الذي عرضت في ورشة عمل قسم المناهج، في وزارة التعليم العراقية، أو الأردنية أو سلطنة عُمان،
ليعين المُعلّم/المُدرّب من التّمكّن واستغلال أدوات العولمة والإقتصاد الرقمي/الإليكتروني، في إعادة صياغة كل المناهج التعليمية/التدريبية لأي لغة مهنة لتكوين جيل المستقبل،
التي سيستطيع بها الإنسان، منافسة لغة الآلة، على وظيفة الحوكمة والإدارة، في أي وظيفة للقطاع العام أو الخاص بعد عام 2019،
من أجل زيادة الإيرادات للجميع (الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية وبالتالي الدولة من خلال الضرائب والرسوم والجمارك)،
ببساطة لأن الآلة لا تدفع شيء للدولة، بل هي عالة على الإقتصاد مثل الدولة العميقة كبندقية للإيجار،
وهذه العقلية تبحث عن الحرب، وليس السلام والازدهار والسعادة؟!??
??????