لابد من الاعتراف بأن الكثير من الجزائريين مازالوا يقيمون علاقات مرضية مع فرنسا حتى وهم يطورون خطابا معاديا لها، بمن فيهم الفئات الشابة التي لم تعش حرب التحرير، سمعت عنها فقط، قرأت وشاهدت أفلاما أقل، كما نجدها عند الأكبر سنا من الجزائريين، على رأسهم أولئك الذين حاربوها على الورق، بعد الاستقلال، ليكون دليلهم الوحيد على مشاركتهم في محاربة الاستعمار، الصور المأخوذة على الحدود، بلباسهم العسكري الجديد وكأنهم خارجون للتو من ديكورات أفلام المخرج أحمد راشدي، صور ووثائق كانت حجتهم الوحيدة للسطو على مواقع المعمرين الفرنسيين، عقارات ومواقع اجتماعية، في لمحة بصر، لم تمنعهم من الاستمرار في معاداة الاستعمار على مستوى الخطاب، وهم يعيدون إنتاج ممارساته في علاقاتهم مع شعبهم، كحكام جدد.
فكرة قد لا تروق للكثير من الجزائريين هم الذين يظنون أنهم يحاربون فرنسا وينتقمون منها على ماضيها الاستعماري أثناء المنافسات مع فرقها الرياضية، أو يعلمون الإنكليزية لأبنائهم بدل الفرنسية، لغة الاستعمار، أو يذهبون للتداوي في مستشفيات ألمانيا، بدل فرنسا، بعد فشلهم لأكثر من نصف قرن في بناء مستشفيات تداوي مرضاهم، علاقة مرضية زادت ترسيخا بعد الاستقلال عبّر عنها الخطاب السياسي والثقافي الرسميين، فلم يعد الجزائري يرى من العالم إلا فرنسا، ومن العواصم إلا باريس ومن اللغات إلا الفرنسية، يراها وراء كل مشاكل بلده الفعلية والمتخيلة، تمتلك حزبا قويا داخل الجزائر، تثير الفتن، تسرق خيرات البلد، تعين الرؤساء والوزراء، وتتآمر على استقرار البلد واستقلاله، وهو يتفرج ويلعن في الاستعمار الذي يفترض أنه انتصر عليه منذ أكثر من نصف قرن.
يفرق الفرنسيون بين التصريحات النارية للمسؤولين الجزائريين، وما يقال في اللقاءات الرسمية المغلقة، التي تعكس مصالح النخب الحاكمة
خطاب لا يقتصر على السياسيين الرسميين الذين يلجؤون إليه كلما أرادوا تحريك الساحة السياسية الراكدة، باستعمال ما ترسخ لدى المواطن من مواقف سلبية من الاستعمار الفرنسي، الذي شرد وقتل ونفى واضطهد الكثير منهم، لأكثر من قرن من الزمن، فالخطاب نجده كذلك عند تيارات عديدة من المعارضة بأطيافها المتعددة، تستعمل هذه الورقة لإحراج النظام وتسفيه سياسته، كلما اقتضى الأمر ذلك، كما هو حاضر بقوة لدى عديد المتعلمين المعربين، من ممثلي تيار شعبوي، تحولت حروبه اللفظية ضد فرنسا إلى سلعة ثقافية رائجة ووحيدة لديه، أعمته عن رؤية عالم أكبر، لم تعد فرنسا تمثل قوة فعلية داخله.
مناسبة صدور تقرير المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا، ستكون فرصة للحديث عن هذه العلاقة القائمة بين الكثير من الجزائريين وفرنسا، التي وصفتها بغير السوية، قد لا نجد ما يشبهها لدى الكثير من الشعوب المستعمرة سابقا، كما هو حال الفيتناميين على سبيل المثال، الذين تخلصوا من هذا الطابع المرضي للعلاقة مع الفرنسيين والأمريكيين، الذين انتصروا عليهما، كما فعل الجزائريون، بدون أن يتوصلوا إلى نسج علاقات تشبه ما قام به الفيتناميون، الذين دخلوا مع مستعمريهم القدماء، في علاقات تنافسية على أكثر من صعيد اقتصادي وثقافي، تخلصوا فيه من عقدة فرنسا التي مازالت قائمة عند الكثير من الجزائريين، وهم يحاربونها بالتصريحات وعلى الورق، حتى وهم في طابور القنصليات الفرنسية لطلب تأشيرة للسفر. تقرير فرنسي تم الترويج الإعلامي له بقوة، لم نر ما يساويه عند الطرف الجزائري الذي يعرف الفرنسيون الرسميون أنه ليس جادا ولا صادقا في مطالبه المتعلقة بالكثير من القضايا المطروحة تحت مسمى، ملف الذاكرة، فقد تعلم الفرنسيون مع الوقت والاحتكاك، مع الطرف الجزائري الرسمي، وضع الفروق بين التصريحات الموسمية النارية للمسؤولين الجزائريين، وما يقال في اللقاءات الرسمية المغلقة، التي تعكس المصالح الفعلية للنخب الحاكمة، المتراكمة في فرنسا، على شكل عقارات وأرصدة وإقامات طويلة لأفراد العائلة بما فيها ازدواجية جنسية، تعبر بصدق عن ازدواجية الخطاب السياسي الرسمي، خطاب ثورجي، يعكس أزمة الوطنية الجزائرية المأزومة، التي تظهر وكأنها لم تنتصر في حرب تحرير طويلة ضد الاستعمار الفرنسي، لم يعد لديها ما تقدمه بعد خروج الاستعمار من الجزائر، وتحريرها للتراب، لتقف دون تحرير الإنسان، الذي أعادت بعض ممارسات الاستعمار وهي تتعامل معه.
تقرير فرنسي عكس الموقف الفعلي للطرف الفرنسي، الذي يتعامل في العمق مع حرب التحرير، وكأنها حرب أهلية داخلية، بين أطراف متعددة تكاد تتساوى في ما تعرضت له من مظالم على غرار الحركي وأوربيي الجزائر، من مختلف الملل والنحل، تجسيدا للنظرة الكولونيالية للجزائريين، باعتبارهم أمة غير مُنجزة، وليس حرب تحرير وطنية، قام بها شعب ضد استعمار استيطاني طويل. لم يجد تقرير المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا – من مواليد الجزائر ـ الذي يقدم نفسه مؤرخا موضوعيا، قريبا لأطروحات الجزائريين، ما يقدمه له إلا ما سماه ببعض الخطوات الرمزية لجبر خاطر المتضررين الكثر، بمن فيهم الحركي، الذي يقترح حرية دخوله إلى التراب الجزائري، وبناء تمثال للأمير عبد القادر وقول الحقيقة في اغتيال المحامي الجزائري علي بومنجل، ضمن مجموعة من الاقتراحات من هذا النوع، كحالات يغلب عليها الطابع الفردي والانتقائي، الذي يعكس وجهة النظر الفرنسية التي تعاملت مع «أحداث الجزائر» وليس حرب التحرير.
تقرير سجل انتكاسة عن الموقف الذي عبر عنه المرشح ماكرون، في زيارته للجزائر، عندما وصف الاستعمار الفرنسي للجزائر، جريمة ضد الإنسانية. توصيف سرعان ما تنازل عنه الرئيس ماكرون بمجرد وصوله إلى قصر الإليزيه، إنكار سيزداد حدةً عند الرئيس الفرنسي وهو مقبل على طلب عهدته الثانية في 2022 قد يتوجه لطلبها يمينا، في ظرف يتميز بتداعيات أزمة كورونا والبدلات الصفر وصعود تيارات أقصى اليمين، عادت فيه للسطح الشروخ الثقافية والهوياتية، التي يعانيها المجتمع الفرنسي بقوة، نتيجة سياسات الإدماج التقليدية التي مازال يصر عليها، رغم نقائصها الكثيرة، سواء تعلق الأمر بالدين الإسلامي أو المهاجرين المغاربيين – على رأسهم الجزائريون – حتى لو كانوا فرنسيين من أبناء الجيل الثالث والرابع، مازال مطلوبا منهم تغيير أسمائهم للقبول بهم كمواطنين فرنسيين، رغم المجهودات العديدة التي يبذلونها يوميا للاندماج في مجتمعهم الجديد، ما يعني موضوعيا أن أغلبية الملفات التي تطرح ضمن ما يسمي بملف الذاكرة مع الطرف الفرنسي هي موضوعات فرانكو- فرنسية، متعلقة بتاريخ الاستعمار الفرنسي المطلوب حل إشكالاته مع الأجيال الفرنسية الجديدة، لتخليصها من تبعات هذا الإرث الاستعماري البغيض، إذا كانت هناك نية فعلية في التخلص منه، بعد أكثر من نصف قرن من استقلال الجزائر الذي حققته بتضحيات شعبها ليست في حاجة لتقرير ستورا لتعريفهم به.
كاتب جزائري
الجواب سهل جدا….وهو أنهم سيتخلصون من تلك العلاقة المرضية…ويستبدلونها بعلاقة التكافىء…عندما يتخلصون من نظام عسكرونا الذي نصبه ديغول على رقاب العباد والبلاد….بعد طعن ثورة التحرير وتصفية قادتها الحقيقيين…من طرف عسكر فرنسا الحاكمين بالوكالة عنها….التاريخ واضح…والمعطيات أوضح…ولم تنفع ستون سنة من التدليس الرسمي…في التعتيم عليها…
حتى لا يساء فهم المقصد، شكل العلاقه التي تحدثت عنها ليس حكرا على الجزائر، فالصوره طبق الاصل في المغرب وتونس…اما المشرق، فهي للاسف سمة الدول العربيه….فكيف ننسى قبح الصوره بلبنان مع زيارة مكرون وبكاء النخب والتوسل له لدرجة الطلب لعودة الاستعمار الفرنسي…. أما القوم في مصر وكبيرهم السيسي على تسمية الاحتلال الفرنسي بالجمله الفرنسيه واشار اليها السيسي وكذلك النخبه احتفلت بها مع السفاره الفرنسيه. حتى ان رجعنا الى كتاب مرحلة الاحتلال الفرنسي كالمؤرخ والفقيه الجبريتي اسهب في ذكر محاسن واخلاق وتحضر الفرنسيين وشان بألفاظ شديده على الشاب الحلبي الذي اغتال الجنرال الفرنسي بل وأيد تعذيبهم له واساغ فعلهم بقطع يديه واخذ راسه معهم.
اعتقد أن” لكل مقام مقال” وأن المقام في الجزائر يتسع لطرح هكذا مواضيع. هذا المقال مكانه الطبيعي صحيفة “الخبر” أو “الشروق”. وعلى من لايعنيه الأمر ان يكف عن ” الاصطياد في الماء العكر” والخوض في قضايا الجزائر الداخلية وعلاقاتها الثنائية، فالجزائر أشمخ وأقوى مما يظن المرجفون.
هذه العلاقة التي ذكرتم تشبه علاقة مراهق بوالديه. فهو يثور عليهم وينعتهم بكل الأوصاف لكنه يحبهم، ومهما ابتعد ،في آخر الليل يعود إلى البيت..فمتى يبلغ هذا النظام سن الرشد، و يعرف ان فرنسا دولة عظمى لا توزع العواطف، بل فقط تبحث عن مصلحتها..
هذه العلاقة المرضية بدءت مع بومدين. فهذا الاخير كان يصرخ ضد فرنسا و عملاء فرنسا، لكنه في المقابل قرب اليه ” ظباط فرنسا” و ارسل عشرات الآلاف من اليد العاملة الجزاءرية إلى فرنسا..
ياأخي ما تعرضت له فيتنام وحدها دون دول الجوار لها من حروب ومآسي من قتل وتشريد ونابالم من طرف فقط فرنسا وأمريكا وحلفاؤهما ( فقط في التاريخ الحديث ) يفوق مئات المرات ماتعرضت له شعوب شمال افريقيا مجتمعة, مع ذلك هل سمعنا مرة هذه الدولة تتباكى وتستعرض آلامها بالمناسبة وبدونها ؟ أنا لم أفعل.
على شعوب المنطقة قطع الطريق على المتاجرين بهذا الموضوع بالقول : ” نعم, لقد حصل ماحصل, لن ننكر ولن ننسى , لكن لاتفطرونا وتغذونا وتعشونا بهذا الكلام . نحن نبحث عن المستقبل , لقد كرهنا في العيش على الماضي, فقط الفاشلون من يعيشون على الماضي. العاقل لايعيش حتى على الحاضر , لأنه متقلب. ماذا عن المستقبل , والمستقبل وحده فقط.
أحسنت القول
صدقت حياك الله
انا اسال المغربة المتدخلين
هل فرنسا تؤمن بالغزو النازى
هل قراتم كتب ( سنت ارنو .وبيجو وكاسان وبجار ..)
هل قراتم بيان نابليون فى 1865 للشعب الجزائري ما له انذاك
وحدة الشعوب والشعور بالامتنان لا تحكمها العواطف ولغة عاش الملك
الجواب بكل اختصار : لما يتخلص الفرنسيون من عقدة أن الاستعمار الفرنسي الاستطاني الفرنسي للجزائر فعل حضااااااري . الاستعمار الفرنسي لم يشبهه الا الأسرائيلي .
لن يتخلص معظم الجزائريين من حبهم/كرههم لفرنسا والمغرب ربما أكثر من فرنسا إلا إذا استعمروا مرة أخرى من طرف دولة أخرى تمحي مخلفات هذا الإرث الثقيل الذي تحاول تبديده بنقل المعركة إلى الساحة المغربية رغم الخطاب المرضي عن الاستعمار والحياد الذي هو عكس الحياد. ابتلي المغرب بمرض النظام الجزائري والتلي الجيران اجمعون بهذه المصيبة.
بعض المغاربه هداهم الله يتدخلون فيما لا يعنيهم
ويعلقون بطريقة استفزازية ويعملون على كراهية بين الشعبين
بعض المغاربة يكتفون بالتعليق والنقر على ازرار الهاتف في اطار ابداء الراي الذي يمكن مجابهته بالراي الاخر بكل بساطة بينما نظام بلدك يمد الانفصاليين بالسلاح وياويهم ويحرضهم ويشتري لهم الاعترافات الوهمية باموال بلدك ويوفر لهم منصات الاعلام واطلاق الصواريخ وتستكتر على بعض المغاربة مجرد ابداء الراي!!! صحيح الي اختشوا ماتو كما يقول اهلنا في ارض الكنانة
اولا قبل التعليق على موضوع الاستاذ جابي..احب ان انصح الاخوة المغاربة بالترفع قليلا عن الكلام في اي شيء يخص الجزائر….فليس من المعقول ان تجد المغاربة اكثر المعلقين..وعاش من عرف قدره….ثانيا بالنسبة للمقال….مع انه اكاديمي بحت الا انه يفتقد لبعض الدقة والحقيقة….من هم اصحاب الهوى الفرنسي….هم النخبة الفرنكوفونية ومن تبعمهم من بعض الشعب…وهم اقلية نافذة…وصولهم لمركز القرار في الجزائر تثير التساءل…وله علاقة باتفاقيات ايفيان….اما اغلب الشعب الجزائري ونخبته الحقيقة المحافظة فهي تعيش على كره فرنسا وتموت عليه…وكل شيء له علاقة بفرنسا مكروه….ثقافة او فن او ادب او اي شيء…اما عن بعض شبابنا ممن يحلم للهجرة لفرنسا…فاختياره له اسبابه …وهي مقنعة…سهولة العيش في فرنسا وتواجد جالية كبيرة واصهار واقارب يدفعه لهذا الاختيار….اما نخبنا العلمية فهي تختار كل الدول المتطورة وليس فرنسا فقط….
أتمنى أن تنشر جريدة “القدس العربي” تعاليقي في إطار إثراء الآراء وتشجيع الشفافية وحرية الرأي على صفحاتها.وحتى يكون للجريدة ولقرائها نظرة واسعة وموضوعية عما يُكتب حول هذا البلد أو ذاك وحتى نواصل مطالعة “القدس العربي” بكل مثابرة وإستمرار.
شكرا للأستاذ جابي على هذا المقال. لقد تم تحرير الأرض بتضحيات شهدائنا الأبرار و اامجاهدين الحقيقيين. و لكن الاستقلال لن يكتمل حتى يتحرر الإنسان. للأسف عند الاستقلال تم خطف الثمرة من طرف مجموعة كانت تترصد الوقت المناسب و أبعدت الكثير من الوطنيين و الثوريين. المشكل يبقى بين الجزائريين و لما يحل فحينئذ نضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها … ماضاع حق وراءه طالب.
إخواننا المغاربة … ترفعوا عن الأذى … الشعوب يجمعها الكثير.