متى يدرك نتنياهو أن واشنطن ملّته ولم يعد “طفلها المدلل”؟

حجم الخط
0

ناحوم برنياع

في مكان ما خلف الحيطان السميكة لمبنى أولد اكسكيوتيف حيث تقع مكاتب مجلس الأمن القومي في واشنطن، ظهر أمس على شاشة الحاسوب بيان رئيس وزراء إسرائيل الذي حظر على مبعوثيه، رون ديرمر وتساحي هنغبي، الإقلاع لمحادثات في البيت الأبيض. للحظة، اتخذت وجوه الجالسين في الغرفة مسحة من الجدية. “ماذا تقول”، سأل جاك سوليفان مستشار الأمن القومي، جون كيربي الناطق بلسان المجلس. فأنزل كيربي عينيه إلى الأرض. “ماذا تقولين”، سأل سوليفان بربارة ليف مساعدة وزير الخارجية. ففضلت ليف التركيز على صورة الرئيس على الحائط. صمت.

وعندها انفجر ثلاثتهم بضحك صاخب ومنفلت. ثلاثة أناس سعداء ومحررون من جدول الأعمال. “لكن لا تنسى أن تقول في الإحاطة للصحافيين إننا أسفنا جداً لسماع ذلك”، أجمل سوليفان. “بالتأكيد”، قال كيربي. “سأخرج محرمة ورقية كي أجفف الدموع”.

وصف اختلقته؛ ليس عندي أدنى فكرة عما قيل أمس في الغرف الداخلية لإدارة بايدن. السطر الأخير من الحدث هو أن الجلبة التي أحدثها نتنياهو فاقمت الأزمة المتعمقة بين الحكومتين. تعتبر الأزمة كفعل صبياني، على حدود الغباء. مثلما في الكوميديا القديمة إياها، الوضع خطير، لكنه ليس جدياً.

بم فكر نتنياهو؛ أنه إذا ما منع موظفين اثنين من السفر سيُفزع أمريكا كي تستخدم الفيتو على كل مشروع قرار مناهض لإسرائيل في الأمم المتحدة؟

لقد طلب بايدن من نتنياهو أن يرسل الوفد لنقل رسالة: أمريكا تستخدم الضغط على كل عملية في رفح تعرض حياة ورفاه مليون ونصف نازح للخطر. ليس أقل من مقلق ذاك الجانب الإنساني، وتقلقها الصور والشهادات التي ستبث من هناك. إسرائيل عبء انتخابي في حملة انتخابات قاسية. لن يسمح بايدن لنفسه مزيداً من الصور القاسية، والموجات والمظاهرات. الجناح اليساري في حزبه يهدد بتركه ومعه ملايين الناخبين الشبان.

إذا كان ديرمر وهنغبي لا يأتيان، فقد جاء غالنت، وهو من ينقل الرسالة. وإن لم يجد نفعاً فستنقل الرسالة بوسائل أخرى: فرض شروط على استخدام الذخائر والطائرات الأمريكية؛ وتوسيع العقوبات على المستوطنين؛ وربما الإعلان عن إعادة تقويم للعلاقات بين الدولتين. إن تعلق إسرائيل بأمريكا أعظم من ذي قبل.

أحد هذه الأفعال كان القرار بعدم استخدام الفيتو على الدعوة لوقف النار في مجلس الأمن. ليس للقرار نفسه معنى عملي؛ فقد جاء الامتناع لإسعاد الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي وللإيضاح لنتنياهو بوجود ثمن للتمرد. الإدارة لا تعطي بعد اليوم إسرائيل شيكاً مفتوحاً في الأمم المتحدة وفي المؤسسات الدولية. كل شيء مفتوح للدراسة. وكذا الـ 14 مليار دولار التي وعد بها بايدن إسرائيل، لم تقر في الكونغرس بعد: كل شيء في الهواء.

المفارقة أن الهجوم الإسرائيلي الكبير على رفح بمثابة بيضة لم تفقس بعد. لقد سبق لنتنياهو أن طرحه للتنفيذ الفوري قبل شهر، لكي يبقي وعده بـ”النصر المطلق” على قيد الحياة. لم يحصل في الجبهة أي شيء منذئذ: لم تعد أرض بديلة لنقل النازحين؛ لم يتم الحصول على موافقة من مصر على نشر القوات على طول الحدود؛ لم تحشد القوات لخطوة برية. كله حكي. الأمريكيون يعرفون الحقائق، بالطبع: هم بحاجة لرفح للسبب ذاته الذي يجعل نتنياهو يحتاجها: للإثبات بأنهم يفعلون شيئاً ما، باستثناء أنه العكس.

يعد نتنياهو خبيراً كبيراً في السياسة الأمريكية. هذه أسطورة: هو خبير بأمريكا نهاية القرن الماضي. يشهد على ذلك فشله التاريخي في مواجهة النووي الإيراني: انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، بإلهام من نتنياهو، جعل إيران دولة حافة، عملياً دولة نووي. الحلف مع ترامب ورط إسرائيل بمفهومين إضافيين اثنين: أبعد عنها اليسار الديمقراطي ثم أبعد عنها ترامب أيضاً. الموضوع الوحيد الذي يتفق عليه في هذه اللحظة بايدن وترامب هو نتنياهو.

نتنياهو يواجه أمريكا كفتى مدلل يواجه والديه: بالتمرد دوماً، بإحساس الإهانة دوماً، بالفضائح دوماً. ويصب على الأمريكيين مشاكل بيته: قانون التملص، وتهديدات الانسحاب، والتدهور في الاستطلاعات. إدارة واشنطن صديق حقيقي، لكنها ليست أباً وأماً. مثلما قال أوباما ذات مرة، حين يتحدث معه نتنياهو، لا يتضح مَن بينهما هو رئيس الولايات المتحدة. في النهاية، حتى العم الأمريكي ملّ.

 يديعوت أحرونوت 26/3/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية