الألوسي: مثال لا يقتدى به

حجم الخط
4

في غياب الحسم العربي الرسمي وعدم الوضوح في الموقف الفلسطيني، الذي يفهم منه أحيانا عدم الممانعة، تحرك إسرائيل بين الحين والآخر الأصوات نفسها التي تدعو إلى التطبيع معها. لكن ما يثلج الصدور أن هذه الأصوات لا تزال نشازا في أوساط شعوبنا العربية ومحدودة العدد.
ولا استبعد أن يكون أصحاب هذه الأصوات، على علاقة قديمة مع هذا الجهاز أو ذاك من أجهزة أمن دولة الاحتلال، فيطلون بين الحين والآخر، برؤوسهم من جحورهم وبطلب من أسيادهم، في سياق سياسة دولة الاحتلال، التي تسعى لإعطاء الانطباع بأن الأمور تسير وفق مخططها الرامي إلى تهميش القضية الفلسطينية، والقفز عليها عبر التواصل مع الشعوب العربية، من دون الحاجة لحل القضية التي طالما ظلت لعقود طويلة حجر العثرة، مستغلة طبعا الوضع العربي العام المهلهل، الذي اختلط فيه الكثير من الأوراق وتم تجاوز العديد من الخطوط الحمر.
وإلا فليس ثمة تفسير منطقي يمكن أن يقنعني بأن شخصا كمثال الألوسي (وهو مثال لا يقتدى به) صاحب أحد الحوانيت السياسية في العراق وهو «حزب الأمة» يقدم هذه الخدمات غير الجليلة للكيان الصهيوني مجانا وبدون مقابل، وفي آخر «صرعاته» دعا الألوسي، العراق إلى فتح قنوات مع إسرائيل. وقال «على العراق من خلال وزارة الخارجية، أو مجلس النواب فتح قنوات مع إسرائيل، فيجب تقديم المصالح العراقية فوق أي مصالح أخرى، وهذا هو المهم للعراق في المرحلة المقبلة».

الإعلان عن الزيارات لدولة الاحتلال، ودعوات التطبيع معها، دليل واضح على عجز إسرائيل عن تحقيق الاختراق الشعبي

زيارات الألوسي لدولة الاحتلال متواصلة منذ سنوات طوال، وتعود الزيارة العلنية الأولى له إلى عام 2004، ما يؤكد أن علاقاته معها ربما تعود إلى ما قبل ذلك بسنوات، وربما عندما كان لاجئا في ألمانيا «هربا من نظام صدام حسين». والأمر الأهم أن هذه الزيارات لم تكن حافزا لعراقيين آخرين لزيارة دولة الاحتلال أو التطبيع معها، وهذا ليس غريبا أو جديدا على شعب أصيل كشعب العراق، الذي ضحى بالكثير من أجل فلسطين والقضية الفلسطينية، وروى بدماء أولاده أرض فلسطين في أعوام 48 و67 وكان دوما ولا يزال رافدا للشعب الفلسطيني وقضيته.
ومن الألوسي إلى فجر السعيد الصحافية الكويتية التي جاهرت أكثر من مرة بزياراتها لإسرائيل، خصوصا في ضيافة الصحافي اليميني المتطرف إيدي كوهين. ولا تكتفي السعيد بدعوة غيرها فقط لزيارة دولة الاحتلال فحسب، بل إلى الاستثمار في إسرائيل. ولا أدري إن كان ما يدفعها إلى ذلك كرها للفلسطينيين، أم حبا حقيقيا لدولة الاحتلال، أو أن هناك أسبابا أخرى لا نعلمها يا فجر؟ ولا ننسى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وهو الكبير الذي يعلم السحر، الذي كشف وبقية أفراد أسرته، وربما يكون هناك من بينهم من يرفض هذه السياسة ولا يجرؤ على المجاهرة بها، عن وجوههم الحقيقية، وعن العلاقة الحميمة التي تربطهم بدولة الاحتلال.
وفي سياق رغبة إسرائيل العارمة لإظهار المستوى الذي وصلت إليه في التطبيع مع دول عربية، لاسيما الخليجية، زعم الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين «المسؤول عن فضح الزيارات التطبيعية»، في تغريدة له، أن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان وشقيقه مدير جهاز المخابرات الإماراتي الشيخ طحنون، زارا إسرائيل قبل يومين، ونزلا في فندق ريتز كارلتون في منتجع هرتسيليا شمال تل أبيب، وتسوقا في مول آرينا القريب من الفندق. وقال «لا زيارات سرية بعد اليوم… سبق وحذرت». ولتأكيد ما جاء في تغريدة كوهين، قال الكاتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» إيتاي بلومنتال، في تغريدة «إن طائرة إماراتية حطت في مطار تل أبيب يوم الأربعاء الماضي. مؤكدا في تغريدته التي جاءت تحت عنوان «رحلة جوية تثير الاهتمام من الخليج» «إن طائرة خاصة من طراز « 9H- VC» وصلت مباشرة من دبي إلى اسرائيل من دون التوقف في عمان. وأرفق بلومنتال في تغريدته، خريطة توضح مسار الطائرة، من أبو ظبي الإماراتية إلى «إسرائيل» مباشرة، على طول الحدود الإسرائيلية الأردنية، من دون الدخول في المجال الجوي الاردني.
وثمة سؤال يطرح نفسه هنا، أليس غريبا أن يكون هؤلاء وغيرهم من المطبعين والداعين للتطبيع هم من أهل السنة الذين يمثلون الغالبية العظمى في العالم العربي، فمثال الألوسي زعيم حزب سني، وملك البحرين الذي يحكم أغلبية شيعية سني، وشيوخ دولة الإمارات والجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي وفرقته سنيون وكذلك فجر السعيد سنية. إنهم من الطائفة السنية التي تمثل الغالبية العظمى في المنطقة، ورغم ذلك لا تشعر أنظمتها المختلفة بالأمن والأمان والاستقرار، ليس بسبب عوامل خارجية مثل المد الشيعي الإيراني كما يدعون، ويحاولون التسويق له داخليا، لتبرير الدعوات لإقامة علاقات مع دولة الاحتلال، بل من أجل الاستفادة من تكنولوجيتها الأمنية ووسائل تجسسها على شعوبها، حماية لها من العدو الداخلي. ولو أخذنا من باب الجدل فقط برواية هذه الأنظمة حول «البعبع الايراني» فإنها بذلك انما تقلب المنطق، إذ من المعروف أن الأقليات الطائفية والدينية أو العرقية، هي التي يفترض أن تشعر بالخوف والخطر، فيدفعها ذلك إلى اللجوء إلى قوى خارجية كي تحميها وتخلصها من ظلم الاكثرية وليس الأغلبية، كما هو الوضع بالنسبة للأحزاب والقوى الكردية في سوريا والعراق، وهنا لا أجمع، التي استغاثت بالولايات المتحدة وإسرائيل كي تخلصها من ظلم الأغلبية العربية التي تحرمها حقها في تقرير المصير… وماذا كانت النتيجة؟ إن هذه الدول، لاسيما الولايات المتحدة خذلت أكراد سوريا بقرار الانسحاب، من دون حتى التشاور معهم، كما خذلت من قبلهم شعب كردستان بعدم اعتراف واشنطن بنتائج استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، من منطلق أن هذا «الاستفتاء ونتائجه يفتقران للشرعية»، والتأكيد على استمرار واشنطن في دعم «عراق موحد اتحادي وديمقراطي ومزدهر». وهذه كلمات ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأول في إدارة ترامب. لقد حصلت زعامة أكراد العراق على وعود أمريكية انتهت بانتهاء الدور المنوط بهم وخرجوا «من المولد بلا حمص» كما يقول المثل. ولكن لا دروس ولا عبر تستخلص من التجربة الكردية.
وأخيرا أعود إلى حيث بدأت، هجمة الإعلان عن الزيارات لدولة الاحتلال، ودعوات البعض للتطبيع معها، ما هو إلا دليل واضح على عجز دولة الاحتلال عن تحقيق الاختراق الشعبي الذي فشلت في تحقيقه على مدى عقود، حتى مع الدول التي أبرمت معها معاهدات سلام كمصر والأردن، فباستثناء بضع عشرات أو حتى مئات أو آلاف من الزوار جلهم من الصحافيين في وسائل إعلام أجنبية، وعدد محدود جدا من وسائل إعلام عربية، يكاد يكون تقدم إسرائيل في هذا المجال يعادل الصفر. وليس هناك من مخاوف أن يتغير الوضع على المستوى المنظور.
وأختتم بتساؤل تشكيكي: إذا كانت الأنظمة التي ينتمي إليها، أو لنكون أكثر دقة، الدول التي يحمل هؤلاء جنسياتها ويتنقلون بجوازات سفرها غير متورطة في عمليات تطبيعية تحتية، أو لا تغض الطرف عنها في محاولات لحقن جماهيرها بجرعات تخديرية إزاء هذه الزيارات لتعويدها عليها حتى تصبح اعتيادية ومقبولة، تمهيدا لإعلان التطبيع رسميا، فإن عليها أن تتخذ موقفا واضحا وحاسما يتمثل بمحاسبة ومعاقبة أمثال الألوسي وفجر السعيد، ومن هم على شاكلتيهما ومنعهما من السفر، كي يكونا عبرة لمن اعتبر ومن دون ذلك فإن أصابع الاتهام ستتجه إلى تورط هذه الأنظمة بما هو أكبر وأخطر؟ ووقوفها وراء مثال الألوسي وفجر السعيد وغيرهما.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الاردن الهاشمي:

    وهل استطاع السادات بزيارته ( التاريخية ) والخطاب في الكنيست ان يحقق شيئا ؟ حتى يحقق النكرات بزياراتهم السرية والعلنية اي شيء ؟ دع حتمية التاريخ تعمل فالزبد سيذهب جفاءا.

  2. يقول سلام عادل(المانيا):

    القضية الفلسطينية اصبحت في حال يرثى لها والسبب فقط حاليا هو حماس والسلطة وحال الدول العربية البائس فلو اخذنا مثال الالوسي كمثال فالرجل لالامانة كسياسي عراقي اشرف من كل الاخرين بوطنيته وصراحته في محاربة الفساد ولكنه ليس رجل مؤمن بفكرة القومية العربية لانها كانت كارثة على العراق من خلال صدام والبعث,فلهذا سيبقى الحل بيد الفلسطينيون انفسهم فهم المراة العاكسة لقضيتهم

  3. يقول الاردن الهاشمي:

    سلام عادل : تقول فلو اخذنا مثال الالوسي كمثال فالرجل للامانة كسياسي عراقي اشرف من كل الاخرين بوطنيته وصراحته في محاربة الفساد …إذا كان مثال هو ( المثال ) للشرف والوطنية فما ابقيت للشيطان المسكين ؟

  4. يقول S.S.Abdullah:

    تعليقا على مقال بعنوان (الألوسي: مثال لا يقتدى به) للكاتب علي الصالح (كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»)

    علمانية النائب المنتخب ديمقراطيا: مثال الآلوسي (العراقي) والنائب المنتخب ديمقراطيا: فجر السعيد (الكويتي) بعد 2/8/1990 جعلتهم يزورون الكيان الصهيوني،

    هذا واقع مثل واقع حكم المشير عبدالفتاح السيسي وعمر البشير وحكم أبو مازن في السلطة كنتيجة لمفاوضات أوسلو التي رفضت مؤتمر مدريد عام 1991 الذي أقامه جورج بوش الأب في الذكرى ال 500 لطرد المؤمن الآخر، من أهل ما بين دجلة والنيل (أي تشمل تركيا وأثيوبيا والمقصود هنا اليهود والمسلمين بواسطة المسيحي الكاثوليكي وغيره) من إسبانيا،

    فمن هو المثال الذي يجب أن يقتدى به، في تلك الحالة العلماني أم المؤمن؟!??
    ??????

إشترك في قائمتنا البريدية