يأتي الصيف حاملا معه الكثير من الكسل والمشاريع التي تلتهم الوقت، بدون أن ننجز فيه شيئا، حتى الرّاحة التي نخطط لها، لا نحصل عليها، فتنقضي فترة العطلة بمزيد من الأعباء، ولعلّ الأمر يعود لقلة تخطيطنا، كما يعود لنوع الحياة التي تعودنا عليها، وهي مشبوكة بعلاقات كثيرة وواجبات اجتماعية لا تنتهي، وأفراح وأتراح نُلزم بتثبيت حضورنا فيها، إلى غير ذلك من الأمور الثابتة والطارئة على يومياتنا.
نستنتج بعد هذه المقدمة المقتضبة، أن الصيف ليس موسما للقراءة، على الرغم من أن المدمنين عليها لا يتخلون خلالها عن كتبهم، إذ يحملون ذخيرتهم الأدبية إلى الشواطئ والغابات، وحيث وجهاتهم السياحية، لذوي الأسفار الطويلة والكثيرة لا شيء أفضل من رفقة كتاب جيد لتحمّل ضغوط التحليق الدائم.
يحدث أيضا أن نراكم الكتب خلال تسوقنا في انتظار هذه العطلة لقراءة أكثرها، ثم تخدعنا الأيام فتنقضي بسرعة، وتبقى الكتب تحملق فينا، البعض يعترف بعد كثير من التأجيل أن القراءة أصبحت عبئا عليه، مع أنها يفترض أن تكون عاملا مخففا للضغط الذي نعيشه في العمل، والاحتكاك بالناس، والتفكير في الأعباء الحقيقية التي يفرضها واقعنا المعيش. أغلب الذين تخلوا عن عادة القراءة هم أناس افترسهم الانشغال، يسابقون الوقت وهو يسابقهم، وبعض هذا البعض ينام وكتاب حميم ينام قرب رأسه، يقرأ صفحة أو صفحتين في آخر الليل قبل أن يسرقه النوم، ويبقى الكتاب هكذا رفيقا ينام على الطاولة المجاورة لأيام كثيرة، قد تتجاوز عدة أشهر وقد تقارب العام.
الإحباط الذي يلي هذا التأجيل لا يعرفه سوى المُحِبِّ للكتب، إذ يعيش بالضبط ما يعيشه العاشق الذي ينفلت منه عشيقه شيئا فشيئا، يغزو الخواء قلبه، مع كثير من الحزن بسبب انحسار علاقة حميمة بينهما إلى ضفاف الفراق. كثيرون أيضا يحاولون ترميم علاقاتهم المكسورة تلك، بزيارة المكتبات قبل عطلهم لاقتناء ما يهفو إليه القلب، يتأملون الرفوف بشبق الجائع لغذاء الروح، وهو جوع لا يعرفه إلا النّهم للقراءة والعارف بتأثير الكتب، يختارون كتابا أو اثنــين، وهذا البحث يقوم على تأثيرات لقراءات سابقة، سواء لكتاب جيدين أو أبطالٍ تجاوزوا حدود الورق ليسكنوا الذاكرة.
على هذا العائد للقراءة إذن أن يكون حريصا على انتقاء كتب جيدة، وألاّ يتصرف مثل الأرمل الذي يحاول تعبئة الفراغ الذي تركته زوجته بامرأة والسلام، فالكتاب بعد انقطاع هو الحبيب الحقيقي، وهو رفيق الوجدان بعد قطع مراحل من التجريب والتقليب في ألوان كثيرة من النصوص والأساليب. هذه المرة يجب أن لا تخدعه العناوين الجذابة، والأغلفة الجميلة، والأسماء الكبيرة، سواء للكُتّاب أو لدور النّشر، أو للحاصلين على جوائز، فنحن نشهد يوميا ميلاد أقلام جديدة جيدة، ونصوص فيها الكثير من الإبداع والابتكار، تكفي لمحة بسيطة على جديد الكتب عبر بعض المواقع لاكتشافها.
رفع الكتاب دائما من مقام صاحبه، ويحكي إيمانغويل في كتابه عن أمور حدثت في العالم، ولا تزال تحدث، يلجأ إليها البعض لاكتساب ما يجملهم ويزيد من حجم احترامهم، لكن الحقيقة الفعلية هي أن الكتاب يعطي بسخاء لقارئه.
موعد القراءة يجب أن يكون محدّدا، كموعد مهم، لهذا يجب أن لا يتداخل مع انشغالات أخرى، قبل التّعب الجسدي والفكري لا بعده، في خلوة مع الذات وسكينة يحسن خلالها الإصغاء لصوت الكاتب، فالقراءة فعل يحتاج لكل الحواس ليكتمل، للعين، وهي تتبع الكلمات في خطْوها، للّمس وهو يتحسس حضور الكتاب ونعومته، للسمع بأذن داخلية تلتقط الأصوات على اختلافها، وليس فقط أصوات الرواة والشخصيات حين تتحاور، للأنف وهو يشم رائحة الورق التي قد تعيدنا إلى طفولتنا حيث لعب الورق دورا مهما في تكويننا، ويعتبرها البعض عطرهم المفضل الذي يوقظ الحواس، أمّا الذوق فهنا تحضر الذائقة الفنية التي تتذوق الأساليب والمعنى.
يلفت ألبرتو إيمانغويل نظرنا لإحدى بنات عمه في بيونس آيرس، وكيف تختار بعناية فائقة مواد قراءتها، فليست كل الكتب مناسبة لعطلة نهاية الأسبوع، كما ليست كلها مناسبة للرحلات الطويلة أو القصيرة، فهي تحرص على تصنيف نوع عطلتها ومدتها الزمنية لتختار الكتاب الملائم لها. ومن هذا الباب يوصلنا إلى فكرة أخرى وهي أنه: «لا يمكن إقامة علاقة روحية مع الكتاب والقارئ» فهي ليست «كالعلاقة الموجودة بين الأمور الأخرى وأصحابها. عدة، أثاث ملابس، جميعها لها وظيفة رمزية. أما الكتب فتحمّل قراءها أمورا ذات محتويات رمزية أكثر تعقيدا مما تفعله مادة استهلاكية عادية. إن مجرّد امتلاك الكتب يدل على مكانة اجتماعية معينة وثراء عقلي» يرد كلامه هذا في كتابه «تاريخ القراءة».
لقد رفع الكتاب دائما من مقام صاحبه، ويحكي إيمانغويل في كتابه عن أمور حدثت في العالم، ولا تزال تحدث، يلجأ إليها البعض لاكتساب ما يجملهم ويزيد من حجم احترامهم، لكن الحقيقة الفعلية هي أن الكتاب يعطي بسخاء لقارئه، وهو لا يكتفي بمنحه ما يجعله يعرف نفسه ويعرف العالم من حوله، بل يمنحه الاحترام الذي يصبو إليه، ويتجاوزه إلى رفع مستويات إدراكه، وقد توصلت دراسات حديثة إلى أن القراءة تحرّك ميكانيزمات الذكاء، وتعمل كمحفّز أساسي له. ثمة شيء آخر جد مهم، وهو أن الكتب توفر لنا عالما آخر مختلفا تماما عن الذي نعيش فيه، وليس بالضرورة أن يكون الكتاب على شكل رحلات خرافية مثل قصص ألف ليلة وليلة، أو ما شابه، فالكتاب قد يكون قصة، وقد يكون شعرا، أو ذا محتوًى علميٍّ أو فلسفي أو غيرها، إذ على اختلاف الأذواق تختلف القراءات، لكن المشترك بينها كلها هو فصل القارئ تماما عن عالمه المألوف، أوَليس هذا ما يبغيه بالضبط ذلك المشغول بأمور الدنيا وهموم الناس؟ أن يرى أمكنة غير المكان الذي يخنقه، ويعيش زمنا آخر غير زمانه، ويتعرّف على أشخاص غير الذين يعرفهم، والأهم أن يكون مجرّد زائر غريب، يمر على المكان ويغادر بدون حمولة ثقيلة ترهق كاهله، أليست هذه أمنية تراود الكثيرين، ورغبة دفينة في الهروب إلى مكان لا يعرفنا فيه أحد، فقط لنرتاح، أو لنبدأ بداية جديدة؟
إن ما يساعدنا على ذلك ارتباط المخيلة بشكل مباشر وآني مع فعل القراءة، ما يجعل كل قارئ يختلف عن الآخر في صنع عالمه بالصورة التي يرغبها، حتى تأخذ القراءة شكل لعبة، ولو تسنى لكل قارئ أن يرسم مشهدا واحدا مما قرأه لاختلفت الأشكال والألوان ولأبدع كل بطريقته.
هنا تكمن المتعة، لكنها تتضاعف حين نكتشف أننا نحن من يمتلك زمام النص، حتى في حالة رفض محتواه، هناك سلطة نمارسها بمطلق إرادتنا لهدم كل ما شيّده الكاتب لأنه لم يعجبنا، وهذه أيضا متعة أخرى تضاهي متعة الانسجام مع النص. يستحيل أن لا يكون هناك ما يلبي كل الأذواق، فعدد الكتب المتوفرة في هذا العالم، بإمكانها أن تغطي الكرة الأرضية بكاملها عدة مرات لو فرشناها عليها، كما بإمكانها أن تغطي كل الطرقات التي نسلكها يوميا برتابة التكرار، فلم لا نُعبّد بها طرقا جديدة، توصلنا إلى ما حرمنا منه من أحلام وحيوات.
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
يا ست بروين – اطلب من شخصك الكريم ان تنصحوني كيف أبداً قراءة الكتب – وأي كتب تختارين لنا – أصبحنا على مشارف الستين ونريد ملئ وقتنا بالقراءة – مع تحياتي لك من Toronto
أذا كانت الرغبة صادقة فالبدلية تكون بأي شيء وتقودما الى كل شيء…هيا….تحياتي
ذكّرني مقالك بمكتبة والدي رحمه الله ؛ كان شاعرًا وكاتبًا…نشرعدّة كتب ولا تزال مسودات بعض مخطوطاته في مكتبتي.كنت في المدرسة الابتدائيّة ثمّ الثانويّة ثم الجامعة ؛ أعشق قراءة القصص والحكايات والكتب الفكريّة وغيرها.وكان رحمه الله يهيء لي العديد منها بعناية.أما في العطلة الصيفيّة فأجمع بين السباحة والقراءة والسفر.كنت أقرأ لساعات…ثمّ كنت أحضرمعه الحوارات مع الكثيرمن الشخصيّات المتنورة لتعلّم فنّ الانصات والنقاش والنقد والرأي الآخر…إنّ الكتاب جعلني أكتشف ( أبي ) وهوأعظم اكتشاف في مسارالابن…وهكذا يبقى للكتاب السيادة ؛ فهومفتاح العقل والمستقبل وتطويربناء الذات بالحكمة…ولوكسدت عند بعض النّاس ؛ سوق الكلمات لحين من الدهر.ويخطيء منْ يظنّ أنّ النت اليوم وأخواته ؛ يكون البديل الجديد للكتاب.إنه معوان سريع الخدمات ؛ مثل وجبات مكدونالد السريعة ؛ لكنه لا يستطيع أنْ يلغي ( المطبخ من المنزل ).إنّ القراءة حكمة مقدّسة منزلة من سحاب السّماء البيضاء ؛ لا من طباشيرالمدرسة.وصدق الله القائل : { يؤتي الحكمة منْ يشاء ؛ ومنْ يؤتَ الحكمة فقد أؤتي خيــرًا كثيرًا }( البقرة 269).
يقال :” للورق رائحة الخبز الطازج، ومحتواه يسد رمق الفكر الجائع”، كما يقول بيتشر :” الكتب نوافذ تشرف منها النَّفس على عالم الخيال فبيتُ بلا كتب كمخدعٍ بلا نوافذ ” وهنالك كاتب تدمنه فيكون فكره بوصلتك في عز التيه ومخدعك الذي تأوي إليه لتهدء وترتاح من عذابات الأفكار العاصفة وفجأة ينقطع وصله فلا تعد تجد بيتا ولا امنا وحيرتك تبقى نوافذ مشرعة للقلق والحرمان .
الحديث عن الكتب لا يمل أبدا .. ثمة المزيد لنقوله دوما .. و القراءة نعمة لا تقدر بثمن ..
أحبائي
ظروف الحياة اليوم في وطننا العربي تلفظ الكتب وقراءة السطور
الكبير والصغير يمسك بالهاتف ليتابع الأخبار عبر الفيس وجوجل ويسلم بماهو منشور
وعبثا يحاول المخلصون والمثقفون لفت الأنظار الى زيف ماينشر ومايصح منه ماهو الا قشور
بل أن طلبة الجامعة أصبحوا في خصام مع الكتب والمراجع ولايذاكرون الا من ملخصات على العلم تجور
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه..واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات…مركز ثقافة الألفية الثالثة
أوافقك الرأي تماما تماما أستاذنا الكبير جمال بركات….تحياتي
أستاذنا وأديبنا الكبير الرمز جمال بركات….نحن الآن من الشعوب المعادية للقراءة ونحتاج لاعادة تأهيل ياأستاذنا
للأسف استاذنا وأديبنا الكبير هذا هو واقعنا العربي المؤسف