لا يمكن الحديث او الكتابة في هذه الأيام الا عن حدث واحد، بل مجرد التفكير في أشياء أخرى لن يكون له أي رونق أو حكمة، ففلسطين تعاني مجدداً وغزة ترزح تحت ضربات ساحقة بمساندة أمريكية وبريطانية غير محدودة.
تعودت في هذه الزاوية أن أكتب عن الشؤون الرياضية، ربما لانها أقل ثقلاً على الكاهل من الشؤون السياسية، لكن حتى الشؤون الرياضية عمدوا على تسييسها، وفي ظل الاحداث الجارية ضغطت الحكومة البريطانية على كل المسؤولين الرياضيين في البلاد في الترويج للدفاع عن اسرائيل، فهذه الحكومة التي يرأسها رئيس وزراء من أصول هندية، ومعه وزيرة داخلية أيضا من أصول هندية، اعتبرا ان التلويح بعلم فلسطين في انكلترا سيشكل انتهاكا قد يقود الى عقوبة السجن مع غرامة مالية، مثلما فعلت رئيسة الداخلية السابقة بريتي باتيل، وهي أيضا من أصول هندية، قبل سنتين ان رفع علم «حماس» سيعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. وطالبت حكومة ريشي سوناك الحالية التي اعترفت بعجرفة «نحن نقف مع اسرائيل»، الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم تلوين القوس المائل فوق استاد «ويمبلي» الشهير بعلم إسرائيل، لكن الاتحاد الكروي كان أكثر حكمة وحنكة، ورفض خشية اغضاب العديد من الجاليات المسلمة، لكنه أعلن أن لاعبي منتخبي إنكلترا وأستراليا سيرتدون شارات سوداء وسيقفون دقيقة صمت في المباراة الودية بين المنتخبين التي أقيمت يوم الجمعة الماضي، تكريما لضحايا النزاع الدائر بين إسرائيل وفلسطين. وأكد الاتحاد الإنكليزي خططه، وأنه سيتم حظر الأعلام والملابس وأي رموز أخرى ليست لها علاقة بمباراة إنكلترا وأستراليا. وأيضا وضعت الحكومة ضغوطات على أندية البريميرليغ كي تعبر عن تضامنها مع إسرائيل فقط، وهو ما أزعج بعضها، وسننتظر كيف ستتفاعل هذه الأندية التي تملك كل منها لاعباً واحداً على الأقل مسلماُ عندما تستأنف منافسات البريميرليغ.
من المؤسف رؤية الكم الهائل من الكذب وتزوير الحقائق، التي يتفنن في اختلاقها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو شخصيا، وحكومته، الى درجة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، صدق رواية حرق الاطفال وقطع رؤوسهم، مثلما صدقها الملايين، لكن هذه هي اسرائيل، مجرد كذبة، بدأت بكذبة وبتزوير الحقائق عبر تاريخها، كي تكسب التعاطف والمسوغات في الشروع في قتل الأبرياء.
اليوم كل الحديث في الاعلام الغربي على انها حرب بين اسرائيل وحماس، وهنا أنا أريد أن أسأل كم مقاتل من حماس نجحت اسرائيل في قتلهم من بين نحو 1700 شهيداً وضحية؟ لماذا يسقط شهداء فلسطينيون ما دامت أنها حرب مع حماس؟ لماذا يسمح للكيان الصهيوني في قطع الماء والكهرباء عن القطاع؟ لماذا أصلاً هذه المفاتيح في أيديهم؟
هذه يجب أن تكون آخر حرب بهذه الغطرسة والتعنت، فلو كانت أوكرانيا غزة وسحقت هكذا لهاجت كل الدنيا، ولو حرمت كييف من الكهرباء والماء والطعام لسارع الملايين في انقاذها.
اليوم بات الصهاينة يشبهون حماس بالدواعش، وانهم عار على الاسلام، بل هم اصوليون متشددون، ولهذا السبب يحاربون اسرائيل، لكن هذه الحلقة المتواصلة من الأكاذيب لن تتوقف، فياسر عرفات لم يكن اسلاميا متزمتاً واعتبروه ارهابياً، مثلما اعتبروا جميع المناضلين كأبو اياد وأبو جهاد وحتى جورج حبش ارهابيين، وكل ما يجمع هؤلاء أنهم قاوموا المحتل، فنعت الغرب بناء على التوصية الصهيوينة هؤلاء اما بالارهابي او الاصولي او الشيوعي او الاسلامي المتشدد، لكن ليس مرة واحدة تمت محاسبة اسرائيل على انها بلد محتل وجيش متعجرف ومتغطرس وقاتل للأطفال، بل دائماً لها الحق في الدفاع عن نفسها.
لكن للأسف هذه الغطرسة مستمرة، وكل العار على الحكومات الغربية، التي فشلت في كسر هذه الحلقة واجبار اسرائيل على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، الى درجة ان قبل شهور قليلة كان رئيس السلطة المهادن محمود عباس، الذي أخذ طريق السلم على حساب مصالح شعبه، أن يستجدي الامم المتحدة بايجاد وسيلة «لحمايتنا»، بعد قرض المزيد من الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات وطرد أبناء الشيخ جراح والمقدسيين من منازلهم وتدنيس الأقصى، رغم أنه مهادن ومسالم، فيا ترى أين العلة؟
مهما تنتج عنه الاحداث الحالية، فان الكيان الصهيوني لن يصل الى النضج الكافي لاستدراك ان غضب الفلسطينيين بدأ بقذف الحجارة في 1987، مرورا بأسلحة خفيفة كالكلاشينكوف وبعدها بصواريخ بدائية، واليوم رأينا اقتحامات لقراهم واسر لجنودهم وسنرى طائرات ومسيرات وصواريخ أكثر دماراً، ولهذا فان القضاء على «حماس» لن يعني القضاء على المقاومة، واذا ظل الغرب يترك حرية أخذ القرارات المتعلقة بمصير الفلسطينيين في يدي اسرائيل، فان أي حرب قادمة بحسب المخطط البياني في ظل تطور عقلية المقاومة لن يترك الأمور مرهونة برضا الغرب وبضع ساسة صهاينة متعصبين.