مجرم بروكسل

حجم الخط
0

أضاعت اجهزة أمن بلجيكا آثار مهدي نموش اسبوعا كاملا. فقد نجح منذ أن نفذ في ظاهر الامر عملية اطلاق النار في المتحف اليهودي في بروكسل الى أن أمسك به يوم الجمعة، نجح في الهرب من المطاردة الواسعة لمطلق النار المجهول. وحينما اتجه في يوم الجمعة للسفر في الحافلة في رحلة طولها عشر ساعات الى مرسيه، اجتاز الحدود الى وطنه فرنسا في زمن قصير. لكنه اخطأ خطأه المركزي الذي أفضى الى الامساك به في اللحظة التي ركب فيها الحافلة.
في دول الاتحاد الاوروبي التي لا توجد فيها حدود داخلية لا يفتشون على نحو عام المسافرين من بلجيكا الى فرنسا. لكن المحطة التي خرجت منها الحافلة التي سافر فيها نموش كانت امستردام وهو ما يسترعي انتباه رجال الشرطة المحليين. ولم يكن ذلك الخوفَ من دخول مخربين بل الخوف من أن يوجد من يستغل التفتيش السهل في هولندة عن كل ما يتعلق بشراء المارغوانا كي يقوم باستيراد شخصي الى فرنسا المتشددة. وبحث رجال الشرطة الذين لاقوا الحافلة من أمستردام عن مهربي مخدرات فوجدوا مشتبها به في الارهاب.
إن خطأ نموش الاساسي هذا هو الذي أفضى الى اعتقاله كما قلنا آنفا. وقد كان يجب على نموش أن يعلم باعتباره حارب في السنة الماضية في صفوف «داعش» وهي أكبر منظمة متمردين اسلامية تحارب نظام الاسد في سوريا، أنه «في القائمة السوداء» عند اجهزة الامن في القارة الاوروبية. وأضيف الى ذلك كما يبدو الآن على الأقل خطأ أكبر وهو أنه لم يتخلص من السلاح الذي استعمله في العملية.
وثقت أفلام الحراسة عند مدخل المتحف حيث قتلت ميري وعمانويل ريفيه، صورة انسان عمل في برود اعصاب وحرفية. فقد صفى في البداية الزوجين برصاص مسدس وفي غضون ثوان أعاد المسدس الى الحقيبة واستل بندقية الكلاشينكوف وأطلق رشقة من الباب الرئيس قتلت امرأة اخرى وجرحت شخصا رابعا جروحا بالغة، وهرب بعد ذلك سريعا الى الشارع واختفى. وكانت حرفية مطلق النار في ظاهر الامر مع حقيقة أن الزوجين ريفيه أديا اعمالا في هامش المجموعة الاستخبارية الاسرائيلية، كانت سببا لأراجيف واشاعات عن وجود يد موجهة وراء الهجوم برغم أنه لم توجد أية معلومة اخرى أيدت هذه الامكانية.
يشير السلوك الهاوي لنموش في نهاية الاسبوع الاخير بيقين تقريبا الى أنه لم ينفذ العملية مُرسلا من منظمة كبيرة منظمة، والى أن القتلى كانوا ضحايا عرضيين ساء حظهم بأن وجدوا في المتحف في وقت جاء الى هناك فيه انسان كان عازما على قتل يهود. ويبدو أن حرفيته في استعمال السلاح والقتل نتيجة اعداد وتجربة اكتسبها في سوريا، لكنه لم يُعد لمواجهة اجهزة استخبارات وحراسة غربية حين عودته الى فرنسا. قد يكون نموش في استعماله للبندقية على درجة 07 لكن من المؤكد أنه ليس العميل 007. ويمكن أن يفسر هذا ايضا حفظه السلاح، فقد كانت غريزة نموش بصفته محاربا بخلاف المرتزق أن يحافظ على سلاحه قريبا وألا يرميه.
ومع كل ذلك فان حقيقة أن نموش كاد ينجح في الهرب من المطاردة وأُمسك به بفعل أخطائه فقط، تشير الى الصعوبة التي تواجهها اجهزة الامن في اوروبا في مواجهة الظاهرة التي تزداد قوة وهي ظاهرة الشباب المسلمين الذين يسافرون للقتال في سوريا ويعودون أكثر تطرفا وذوي قدرات على التخريب والقتال في فضاء مدني. وقد خرج من فرنسا وحدها بحسب تقارير مختلفة 600 متطوع على الأقل الى سوريا عاد عدد منهم الى الوطن، ومن الصعب الى المستحيل متابعتهم جميعا في الوقت المناسب في أنحاء القارة الاوروبية.
إن الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل يبدو أنه الآن أول عملية في موجة ارهاب كان يتوقعها الخبراء بالأمن منذ بدأ المتطوعون المسلمون يعودون من سوريا. وعلامات السؤال المركزية التي بقيت الى الآن هي هل عمل نموش وحده تماما أم كان جزءً من مجموعة محلية أكبر من قدماء العائدين من سوريا الذين يملكون مجموعة وسائل قتالية على ارض اوروبا، ومن الذي أخفاه في ذلك الاسبوع من العملية الى أن تم الامساك به.
إن حقيقة أن الهدف الاول الذي اختير كان منسوبا الى الطائفة اليهودية، لا تشير بالضرورة الى أن الأهداف التالية ستكون كذلك، لكنها ستفضي بلا شك الى زيادة ملحوظة في الحراسة القوية أصلا لمؤسسات الطوائف اليهودية ومبانيها في غرب اوروبا. ويبدو أن مطلق النار اختار المتحف لأنه كان المبنى الوحيد المنسوب الى الطائفة بلا حراسة. لكن الهدف التالي قد يكون ذا طبيعة مختلفة تماما.
قد تكون النتائج الفورية الآن محاولة رقابة أقوى على المتطوعين، وقد توجد اعتقالات وتحقيقات تمهيدية، وقد نرى كذلك استعدادا أقل من الدول الغربية لمساعدة المتمردين في سوريا الذين يحاولون مقاومة حمام الدم الذي ينفذه الاسد بمساعدة ايران وحزب الله.

هآرتس 2/6/2014

إنشل بابر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية