غزة- “القدس العربي”:
لا يزال سكان منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس يعيشون الصدمة، بسبب المجزرة التي فاق عدد شهدائها الـ90 شهيدا، وعشرات الإصابات، حيث يخشى الكثيرون منهم العودة للعيش في ذلك المكان المستهدف، بعد أن تركوه فيما يعجز آخرون عن إعادة نصب خيامهم التي مزقتها الصواريخ، ما جعلهم بلا مأوى.
تعتلي أرضَ تلك المنطقة التي طالها القصف، طبقةٌ من الغبار الأسود، بسبب بارود الصواريخ التي هطلت على النازحين كالمطر، فيما تغطي الطرقات بين مخيم النازحين، أكوام من التراب والردم وبقايا الخيام.
كما لا تزال بقع دماء الشهداء متناثرة في كل مكان، ومنها ما التصق بالخيام.
وفي اليوم الثاني على المجزرة، عاد بعض الأهالي من الذين نجوا بأعجوبة من الموت، لتفقد آثار المكان، واستخراج بعض أدواتهم وطعامهم من تحت الرماد، والعمل على نصب خيامهم التي دمرت من جديد، رغم هول الموقف وحالة الخوف التي أبدوها من تلك الغارة الدامية.
وفي تلك المنطقة، كانت تجلس سيدة في نهاية الخمسينات من العمر مفترشة الأرض، وهي إحدى النساء اللواتي فقدن أبناءهن في المجزرة، وبالكاد نطقت ببعض الكلمات وهي تبكي بحرقة وقالت: “الله يرحمهم، لسا امبارح (الأمس) كانوا هان (هنا) معنا”.
وقال إبراهيم حسن، وهو أحد النازحين الذي كانوا يقطنون على مقربة من مناطق القصف، إنه أمضى ليلته الأولى بعد المجزرة خارج المنطقة، حيث لجأ وأسرته إلى خيمة بعيدة عن المكان لأحد أقاربه.
وقال لـ”القدس العربي” إن خيمته تضررت بفعل القصف، وتلف ما بها من أدوات، لافتا وهو يتحدث بحرقة إلى أن الحصول على خيمة جديدة، أو تدبير أمور المنزل في هذا الوقت، يحتاج إلى المال الكثير، حيث لم يعد هذا الرجل يملك المال، بسبب ظروف الحرب.
حسن كان وأسرته خارج الخيمة حين تهاوت من شدة الانفجار، وقد تساقطت عليها كتل طينية جراء ارتطام الصواريخ بالأرض، إضافة إلى قطع حديدية تطايرت في المكان.
أمام سهام (50 عاما)، فقالت وهي تقف أمام خيمة أسرتها التي دمرت الغارة جزءا منها، إنها لا تزال تخشى من حدوث غارة أخرى، مما سيزيد من عدد الضحايا.
ولذلك، تؤكد هذه السيدة لـ”القدس العربي”، أنها اضطرت للخروج من المكان، والإقامة طوال يوم السبت وحتى صبيحة الأحد في مكان آخر بعيد، خشية من الاستهداف مجددا.
وقالت سهام إن أطفال أسرتها، حيث يقيم بجوارها أحد أبنائها المتزوجين، يبكون بحرقة، وارتعشت أبدانهم أكثر من مرة في ساعات الليل، عند كل مرة يتذكرون فيها مشهد المجزرة والانفجارات الكبيرة التي ترافقت معها.
هذه السيدة التي نزحت مع أسرتها في الأسبوع الثاني للحرب، من شمال مدينة غزة إلى خان يونس، تقول: “وين الأماكن الآمنة؟”، وتضيف: “وإحنا في خان يونس قصفونا.. وفي رفح قصفونا.. وهينا رجعنا لخان يونس وقصفونا”.
وكان هذا الحال أيضا هو ما عبّر عنه إسماعيل السيد، الذي يقيم في منطقة قريبة جدا من مكان المجزرة. وقد روى لـ”القدس العربي” ما حدث في اللحظات الأولى، حيث اعتقد السكان في المنطقة أن القصف على شكل “حزام ناري”، جاء للتغطية عن دخول قوة خاصة إسرائيلية، وأضاف: “بعد حالة ارتباك شديد، توجه السكان المحيطون بمكان القصف إلى هناك”، لافتا إلى أنهم شاهدوا عن قرب استهداف الطيران الإسرائيلي لطواقم الإنقاذ وكل شخص دخل المنطقة.
ويشير إلى أن شظايا الصواريخ وصلت إلى منطقة إقامته وأسرته والمئات من المواطنين التي تبعد أكثر من 300 متر. وقال بعد مرور 24 ساعة على المجزرة: “الكل خايف من هجوم جديد”، ويؤكد أن ما شاهده من أشلاء وضحايا يفوق ما شاهده في مجازر أخرى وقعت سابقا في خان يونس ورفح.
يشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي كان قد صنّف “مواصي خان يونس” على أنها “منطقة آمنة”.
تستمر في هذا الوقت الحملة الإلكترونية التي تفضح إرهاب الاحتلال بسبب “مجزرة المواصي”. وكتب محمد الوحيدي وهو يصف ما جرى على موقع “فيسبوك”: “لقد نجوت الحمد لله، مجزرة شاهدتها بأم عيني، وكنت وسطها.. صواريخ وانفجارات”، وتابع: “ذراع وقعت بجانبي وساق ارتطمت بي، وبنطالي كله ملطخ بالدم، من رآني اعتقد أنني أصبت، صديقي كان بجانبي لم أجده، ولكن الساق التي ارتطمت بي لها نفس البنطال الذي كان يرتديه”.
ومضى يقول وهو يصف المجزرة: “لقد نجوت من الموت، كنت داخل الموت نفسه، لحظات لم أستطع التركيز والتفكير ولم أكن أتوقع.. قلبي ما زال يصرخ ولا أستطيع أن ألملم شتات خوفي، جثث محروقة بالشارع، لم ينجُ أحد… العدد كبير، رائحة الموت في كل مكان، طفل بدون يدين قطعت أطرافه يصرخ ولا أحد بجانبه، سيارات الإسعاف والكارات والتكاتك وكل وسيلة نقل تساعد الجرحى”.
وكتبت “أمة الله أم مالك” على صفحتها تقول: “تكاد تكون مجزرة الخيام في المواصي اليوم، أفظع مجزرة ارتُكبت منذ بداية الحرب، والمصيبة الكبرى أن المسلمون نائمون وعنها غافلون، وبالكاد يدري بها أو يهتم لها أحد”، وأضافت: “لا بارك الله في من نسينا، وهانت عليه مآسينا، لا بارك الله في من ألف الصورة، واعتاد المشهد، حسبنا الله ونعم الوكيل”.
وأضافت: “لنتحرك الآن إعلامياً وبكل قوة لفضح جريمة العدو الصهيوني بحق الأبرياء في المناطق الآمنة غرب خان يونس”.
أما محمد النجار فقد كتب: “إجرام متواصل في مناطق إنسانية خادعة في خان يونس”، وكتب عاطف النعيمي: “صمت العالم المخزي اللعين عن وحشية وهمجية الاحتلال من إبادة وتجويع ومجازر لا حصر لها”. وكتب في تدوينة أسماء الكثير من المجازر التي اقترفها الاحتلال مثل مجزرة مستشفى المعمداني، ومجزرة الخيام ومجازر جباليا والنصيرات والشفاء ومجزرة المواصي، وختم تدوينته بالقول: “لا تزال الإبادة مستمرة، ولايزال العالم العربي والغربي يقف متفرجاً على الفظائع والجرائم البشعة التي حدثت ولازالت تحدث”.