غزة: “كنت أغسل الملابس في البيت بينما الوضع كان أقرب للطبيعي، حتى بدد فجأة وبدون سابق إنذار صوت إطلاق النار والانفجارات الهدوء، وامتلأ المكان بالغبار من كثافة القصف الإسرائيلي، ولم تمر بضع ثوانٍ إلا وأنا تحت الركام”، هكذا وصفت السيدة الفلسطينية ريم العصار أحداث مجزرة مخيم النصيرات التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وسط قطاع غزة، السبت الماضي.
ورغم مرور عدة أيام على الواقعة، إلا أن السيدة الفلسطينية لا تزال تجهل خبر مقتل اثنتين من بناتها الستة.
وقالت العصار التي ترقد في مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط القطاع لتلقي العلاج، بعد إصابتها بجروح خطيرة في رأسها وأنحاء مختلفة من جسدها: “رغم أننا كنا نتواجد في المنزل، لكن ما حدث كأنه نقلنا لوسط معركة ضارية ومحتدمة”.
والسبت، استشهد 274 فلسطينيا بينهم 64 طفلا و57 امرأة وأصيب مئات المدنيين، في مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية بعد قصف مدفعي وجوي عنيف استهدف مخيم النصيرات في غزة، ما تسبب بموجة استنكار واسعة النطاق.
وجاء ذلك أثناء عملية قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي لتخليص 4 محتجزين كانوا في قبضة حركة حماس، بينما أعلنت “كتائب القسام” الجناح العسكري للحركة، أن القصف الذي أسفر عن استشهاد وإصابة مئات الفلسطينيين، أدى كذلك إلى مقتل 3 أسرى إسرائيليين لديها.
تتذكر العصار التي بالكاد يسمع صوتها من شدة الألم تفاصيل ذلك اليوم قائلة: “قبل استهداف منزلنا بدقائق قليلة امتلأت السماء بالطائرات المسيرة، وسكان المنطقة حذرونا من الخروج من المنازل نظرا لانتشار القوات الإسرائيلية الخاصة، لذا لم نتمكن من مغادرة المنزل بسبب إطلاق النار الكثيف من القناصة والطائرات المسيرة”.
وأضافت: “بقيت برفقة بناتي الستة في المنزل رغم القصف الإسرائيلي العنيف والقريب، حتى تم استهداف منزلنا ووجدنا أنفسنا في غضون دقائق تحت الركام عاجزين عن الخروج”.
ومن تحت الركام، بدأت العصار بالصراخ للفت انتباه الأشخاص الذين كانوا يحاولون إنقاذ الناجين، حتى سمع أحدهم صوتها وشرعوا بإنقاذها على الفور، على حد قولها.
ورغم كثافة النيران التي أحاطت المنطقة آنذاك، إلا أن العصار نقلت على الفور لمستشفى العودة بالمخيم وما أن وصلت حتى استهدفت الطائرات الحربية خيمة الاستقبال والطوارئ على بوابة المستشفى.
وتابعت: “بينما أنا في المستشفى كانت أعمال البحث والإنقاذ لبناتي الـ6 جارية، حيث نقلن للمستشفى لتلقي العلاج معي”.
وبحسب العائلة، فإن اثنتين من بناتها قتلتا جراء القصف الإسرائيلي، فيما لم يتم إبلاغ الأم بذلك خوفا من تدهور حالتها الصحية.
وقالت العصار إنها لم تتوقع أن تنقلب الأحداث بهذه السرعة المفاجئة دون إخطار أو تنبيه “كنا نسمع الأخبار ونرى المجازر وكنت أتوقع ذلك لكن ليس بهذه الصورة وبهذه السرعة وهذه الشدة، وكنت أتوقع أن يُطلب منا إخلاء المنزل قبل حدوث أي عملية بإلقاء المناشير أو إجراء الاتصالات”.
وأضافت: “جسدي مليء بالجروح من كثرة الشظايا ولا يوجد منطقة إلا وبها غرز حتى يتمكن الأطباء من إيقاف النزيف، وما زالت بحاجة لإجراء عمليات جراحية”.
وأعربت العصار عن أمنياتها في “انتهاء الحرب الإسرائيلية بأسرع وقت”، وأن يتاح لبناتها استكمال علاجهن حتى شفائهن.
وختمت قولها متسائلة: “قصف الجيش الإسرائيلي منزلنا دون أن يكون لنا علاقة بأي شيء أو بأي فصيل مقاوم! ولم يكن في المنزل إلا أنا وبناتي، فما ذنبنا؟ وما الجرم الذي اقترفناه؟”.
وبدوره، وصف الزوج محمد العصار، تطور الأحداث قبل وقوع المجزرة بقليل، قائلا: “بدون إنذار أغارت طائرات إسرائيلية في الأجواء وبدأت بقصف عشوائي وعنيف على المنطقة وإطلاق النيران”.
وأوضح أنهم لم يكونوا على علم بما يحدث، “فقط انتقلت ساحة المعركة إلى مكان سكننا”، على حد قوله.
وتابع: “عندما تم استهداف المنزل لم أكن بداخله، لكنني تلقيت اتصالا بقصفه وسقوط أفراد عائلتي بين شهيد وجريح”.
وعلى الفور، توجه العصار لمستشفى شهداء الأقصى ليجد اثنتين من بناته قد استشهدتا، وكل من بقي على قيد الحياة مصابا حتى أصغر بناته ذات الـ7 شهور.
وتساءل معربا عن دهشته: “أنا شخص مدني لا علاقة لي بالأمور العسكرية لماذا قصف المنزل؟ بناتي أصبن بجراح متفاوتة بين متوسطة وخطيرة، بينما استشهدت اثنتان منهن وزوجتي في وضع حرج للغاية”.
ويطالب الأب المكلوم العالم بـ”وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ووقف شلال الدم النازف”.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربا على غزة خلفت أكثر من 121 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وتواصل إسرائيل حربها رغم قرار من مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب القطاع، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني المزري في غزة.
(الأناضول)