مجزرة «رابعة» بعيون بريطانية … و«لبوءات الأطلس» بين دعوات المطبخ وسؤال المثلية!

10 سنوات مرّت على إحدى أبشع المجازر ضد الإنسانية التي وقعت في العصر الحديث.
«مجزرة رابعة» شاهدة على فداحة جرائم الحكم العسكري الذي يتولّى فرض قبضته الحديدية على «أرض الكنانة» وأهلها الطيبين.
وخلال العقد الذي مضى، حاول نظام السيسي تلميع صورته وتبشير «الناس الغلابة» بتحويل «أم الدنيا» إلى جنّة أرضية، فحصل العكس، وظلّت الوعود مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء.
كما سعى النظام نفسه إلى تحويل الجريمة النكراء إلى نصر مبين أو «أسطورة مؤسِّسة»، طبّل لها الفنانون والإعلاميون الموالون، طمعًا في نيل نصيبهم من الكعكة.
وأنجز مسلسلا تلفزيونيا رُصدتْ له الإمكانات المالية والإنتاجية الضخمة، تحت عنوان «الاختيار»، من أجل تبرير الظلم والاستبداد وانتهاك الحقوق.
بيد أن الضمائر الحية والأصوات الحرّة في العالم لم تنجر مع معزوفة الظالم ولم تسكت عن جبروته؛ بل تعمل باستمرار على استعادة مشاهد من تلك الواقعة المؤلمة والتذكير بالأعمال المروعة التي ارتكبتها القوات المصرية، بأمر نظام السيسي، في حق المتظاهرين السلميين.
في هذا السياق، تأتي المبادرة الإيجابية التي كان وراءها فريق الفيلم الوثائقي الجديد «ذكريات مجزرة» الذي من المنتظر أن يُنظَّم عرض أول له في «الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون» في لندن يوم 3 آب/ أغسطس المقبل، بتزامن مع قرب تخليد الذكرى العاشرة للحدث المروع.
وقبل ذلك، يجري حاليا بث الفيديو الترويجي للفيلم الوثائقي، حيث يُسمَع صوت أحمد موسى الذي اشتهر بكونه أكثر الإعلاميين دموية وتحريضًا على القتل، يقول: «أنا عايز جثث… جثث»!
الفيلم يستحضر الفتاة أسماء البلتاجي (ذات الـ17 ربيعًا وقتها) التي أصابها رصاص الأمن المصري أثناء التدخل الدموي العنيف لفضّ اعتصام ميدان «رابعة»، حيث قُتل حوالي 1000 متظاهر سلمي بحسب إحصائيات مصادر متعددة.
أسماء؛ وصفتها صديقتها ـ في شهادتها ـ بـ»الفراشة» التي حلّقت بعيدًا دون أن تودعها. ماتت على أرض المستشفى، وعيناها شاخصتان شاهدتان على الجرم الشنيع، بينما كان المتظاهرون المذعورون والمسعفون يحاولون إنقاذ حياتها؛ مثلما كتب موقع «ميدل إيست آيت». كما أدرج ضمن الفيلم المشهد المؤثر الذي التقط بالكاميرا للحظات الأخيرة للفتاة المغتالة غدرًا، وتضمّن الوثائقي أيضًا شهادات متعددة، من بينها: شهادة «بن روديس»، النائب السابق لمستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق أوباما، ومراسل صحيفة «نيويورك تايمز»، دافيد دي كيركباتريك، ومسؤولة منظمة «هيومان رايتس ووتش» السابقة، سارة ليا ويتسون، ومصور وكالة «الأسوشييتد برس»، مصعب الشامي، علاوة على أصدقاء وأفراد عائلات عدد من الضحايا.
للإشارة، فيلم «ذكريات مجزرة» أنجزته المخرجة والمنتجة التلفزيونية البريطانية نيكي بولستر التي يشتمل رصيدها على العديد من الأفلام الوثائقية الملامسة لقضايا جريئة أو محظورة.

«المونديال» بصيغة المؤنث!

استطاعت «لبوءات الأطلس» لفت أنظار الكثيرين في مختلف بقاع العالم، فهنّ المنتخب العربي الوحيد الذي يصل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم للسيدات، وهذه أيضا أول مرة يتمكن المنتخب المغربي النسوي من تحقيق هذا الإنجاز الرياضي المشرّف.
لذلك، ينبغي أن نصّفق بحرارة لهؤلاء الرياضيات المغربيات، لا أن نوزّع عليهن الشتائم وعبارات الإهانة والتحقير، لمجرّد أنهن انهزمن أمام فريق عريق وقوي هو المنتخب الألماني.
من المخجل حقًّا أن تتردد عبارة «عودوا إلى مطبخكنّ!» على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي عبارة لا تمتّ بأي صلة سواء إلى القيم الإنسانية، أو إلى الروح الوطنية، أو الأخلاق. كما أن تلك العبارة لا علاقة لها بالنقد الرياضي ولا بحرية التعبير أو بلُغة التدوين الافتراضي.
«عودوا إلى مطبخكنّ!» تحمل نظرة احتقارية للمرأة عمومًا وللاعبات المغربيات «لبوءات الأطلس» خصوصًا، مفادها أنهنّ لا يصلحن لشيء سوى للطبخ. والذي صاغ تلك العبارة، وتناقلها مختبئًا وراء شاشة الحاسوب أو الهاتف المحمول، لم يفترض أن يكون الخطاب مُوجَّهًا إلى أمّه أو أخته أو زوجته أو ابنته… فهل تُراه يقبل مثل هذه الإهانة؟!
بعيدًا عن الأصوات النشاز غير المقبولة، وجدت «لبوءات الأطلس» مَن ينصفهن، إنْ بين الجمهور، أو بين الإعلاميين والمدوّنين؛ خاصة وأن هذا الحادث لم يكن الوحيد الذي حاول تكدير مزاجهن، فقد سبقه حادث آخر تسبّب فيه مراسل «بي بي سي»، حين استغل وجوده في المؤتمر الصحفي الذي أقيم قبل المباراة التي جمعت المنتخب المغربي للسيدات بنظيره الألماني، وطرح على قائدة «اللبوءات» سؤالاً غريبًا وبعيدًا عن الرياضة وعن أخلاقيات الصحافة، إذ سألها عمّا إذ كان هناك أي لاعبات (مثليات الجنس) في تشكيلة المنتخب وكيف تبدو الحياة لهن في المغرب؟
قالت المصادر إن مدير المؤتمر الصحفي تدخّل على الفور ليردّ على المراسل قائلًا: «أعتذر، هذا السؤال سياسي للغاية، لذا سنلتزم فقط بالأسئلة المتعلقة بكرة القدم فقط».
وبعد ذلك، وبسبب ردود الفعل الغاضبة إزاء ذلك الموقف، وجدت قناة «بي بي سي» نفسها مضطرة إلى تقديم الاعتذار عن سؤال مراسلها، ونُقِلَ عن متحدث باسم هيئة الإذاعة البريطانية قوله: «نحن ندرك أن السؤال غير مناسب، لم تكن لدينا نية للتسبب في أي ضرر أو غضب».
وبهذا الاعتذار، تعطي «بي بي سي» درسًا رفيعًا في الأخلاق الإعلامية، من الصعب أن نجده في القنوات الإذاعية والتلفزيونية العربية التي لا تقتصر على ارتكاب الأخطاء في حق جمهورها فحسب، وإنما تسعى أيضا إلى ممارسة الديماغوجيا وغسل الدماغ بتمرير الرأي الواحد والخطاب الواحد والصوت الواحد، لكوْن أغلبها مجرد أبواق لحكومات منفصلة عن انشغالات المواطنين.

وزير الحركات الاستعراضية!

وزير الصحة المغربي مولع بالأضواء والميكروفونات والكاميرات، فقد استغل زيارته لمستشفى في إحدى مدن الشمال، واصطحب معه جيشًا من المصوّرين، ليبدو بطلا مغوارًا ورجلا مُصلحًا يحبّ الخير للبلاد والعباد، يؤنّب الموظفين والمسؤولين على مرأى ومسمع من العالم، ويأمرهم بتجاوز كل خلل وتقصير.
المفروض في الوزير أن يقوم بعمله ويضبط علاقته مع الموظفين والمسؤولين ويحاسبهم إذا أراد، وفق الطرق الإدارية المعتادة، لا أن يلجأ إلى حركة استعراضية، مردّدًا في نفسه عبارة سارتر الشهيرة «الجحيم هم الآخرون»!
وإلاّ، هل يرضى معالي وزير الصحة أن يفاجئه رئيس الحكومة، مثلاً، معزّزًا بالكاميرات والإعلاميين، ويقتحم مكتبه الفخم، ثم يشرع في تقريعه وتوبيخه على تدنّي الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية؟ ويجري نقل هذا المشهد على المباشر عبر مختلف المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي؟!

٭ كاتب من المغرب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية