مجلس الأمن خلال عام: 49 قرارا والغائب الأكبر فلسطين والروهينجا

عبد الحميد صيام
حجم الخط
1

نيويورك-(الأمم المتحدة)-“القدس العربي”: تتكون الأمم المتحدة من ستة أجهزة رئيسة أهمها مجلس الأمن تليه الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية، ثم الأمانة العامة. وإذا أضفنا إلى هذه الأجهزة الستة الوكالات والصناديق والبرامج المتخصصة أي التي تركز على موضوع أساسي مثل اليونسيف للأطفال واليونسكو للتربية والعلم والثقافة والفاو للأغذية والزراعة فيتكون لدينا ما نطلق عليه منظومة الأمم المتحدة. ولا خلاف على أن مجلس الأمن هو أهم جهاز في منظومة الأمم المتحدة بكاملها لأنه، كما أراد له المؤسسون، جهاز تنفيذي يتعامل مع موضوع السلم والأمن الدوليين. فللمجلس صلاحيات الإلزام والإنفاذ، فكل قرار يعتمد بالتصويت في المجلس يصبح ملزما للدول الأعضاء حتى التي صوتت ضده من غير الدول دائمة العضوية، أو التي امتنعت عن التصويت بما فيها الدول دائمة العضوية. ويصبح أي قرار يعتمد تحت الفصل السابع ليس ملزما فقط بل واجب الإنفاذ ولو بالقوة المسلحة.

لقد ظل مجلس الأمن يحصر مفهوم السلم والأمن الدوليين في مسائل تتعلق بالنزاعات المسلحة والحروب والاحتلال وجريمة العدوان واستخدام القوة أو التهديد باستخدامها لغاية نهاية الحرب الباردة. بعد ذلك تم توسيع مفهوم السلم والأمن الدوليين ليشمل مسائل كثيرة مثل جذور النزاعات والإرهاب وتهميش المرأة والمقاتلين الأجانب والأطفال في مناطق النزاع واللجوء والاعتداءات الجنسية وغير ذلك.  في فترة الحرب الباردة كانت اجتماعات المجلس قليلة واتخاذ القرارات مسألة شائكة بسبب الخلافات الأيديولوجية بين المعسكرين الكبيرين: الاتحاد السوفييتي سابقا وحلفائه وبين الولايات المتحدة وحلفائها. أما بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي الذي ورثته روسيا، فقد تسارعت وتيرة الاجتماعات واعتماد القرارات ونشر قوات حفظ السلام بأعداد كبيرة كما شهدت المنظمة الدولية ارتفاعا هائلا في ميزانيتها العادية وميزانية قوات حفظ السلام.

مراجعة لمخرجات مجلس الأمن

عقد مجلس الأمن الدولي خلال عام 2019 ما مجموعه 242 جلسة أي بمعدل 20 جلسة شهريا. فإذا احتسبنا أيام الأعياد وعطلة نهاية الأسبوع نستطيع أن نقول بكل ثقة إن المجلس كان يجتمع يوميا. وقد صدف وعقد ثلاث جلسات في يوم واحد لبحث ثلاثة مواضيع مختلفة ومن النادر أن يمر يومان أو ثلاثة من دون اجتماع إلا في فترة الأعياد الكبرى.

وتنقسم جلسات مجلس الأمن إلى عدة أنواع: جلسات مغلقة، وجلسات مفتوحة، وجلسات موسعة، وجلسات إحاطة وجلسات مقتضبة لتجديد ولاية بعثة من بعثات حفظ السلام. وقد يصدر عن هذه الجلسات مجموعة من المخرجات:

– القرار الملزم والواجب إنفاذه – والذي يعتمد تحت الفصل السابع.

– القرارات الملزمة – وعادة لا يذكر فيها الفصل السادس لأن أي قرار لا يذكر فيه “تحت الفصل السابع” يصبح اعتماده آليا تحت الفصل السادس أي حل النزاع بالطرق السلمية.

– البيان الرئاسي – ويعتبر وثيقة رسمية يأخذ رمزا ويحفظ كوثيقة من وظائف مجلس الأمن. وأهميته في كونه لا يمكن أن يصدر إلا عن إجماع كافة أعضاء المجلس وهنا يتساوى في هذا المجال العضو الدائم مع العضو غير الدائم. ويحمل البيان الرئاسي قوة معنوية كبيرة لكنه لا يصل إلى مستوى قوة القرار.

– البيان الصحافي- وهو تصريح يقرأ على الصحافة يعكس وجهة نظر كافة أعضاء المجلس ولا يصدر إلا بإجماع الأعضاء مثله مثل البيان الرئاسي، إلا أنه لا يحمل صفة قانونية ولا يحفظ كوثيقة من وثائق المجلس وأهميته تكمن في توحد أعضاء المجلس في موقفهم من قضية ما.

– عناصر بيان صحافي – وهو أدنى ما يصدر عن المجلس ويعني أن أعضاء المجلس لم يتفقوا على إصدار بيان موحد لكنهم اتفقوا على بعض النقاط لكن ليس كلها وبالتالي يخرج رئيس المجلس ويقرأ عناصر البيان الصحافي التي اتفق عليها فقط من دون أن تشكل في مجموعها بيانا صحافيا.

قرارات عام 2019 

اعتمد مجلس الأمن خلال عام 2019 ما مجموعه 49 قرارا أي بمعدل أربعة قرارات شهريا كان أولها في 16 كانون الثاني/يناير 2019 حول إنشاء آلية تنفيذ اتفاق الحديدة في اليمن وكان آخرها في 16 كانون الأول/ديسمبر حول الوضع في أفغانستان.

وللعرب نصيب كبير من القضايا المدرجة على جدول أعمال مجلس حيث يناقش تسع قضايا عربية وهي: فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والصحراء الغربية والسودان والصومال. وبينما لم يعتمد مجلس الأمن أي قرار عن فلسطين ولا حتى أي بيان رئاسي أو صحافي رغم أن الأزمة تبحث في المجلس شهريا، ويستمع الأعضاء إلى تقرير مفصل حول الممارسات الإسرائيلية وخاصة الأنشطة الاستيطانية من دون أن يكون هناك أي تحرك نحو عمل ما سوى الخطابة وإبداء القلق وذلك بسبب معارضة الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك لم يصدر المجلس أي قرار حول الأزمة السورية بسبب الاعتراض الروسي الصيني المزدوج حيث استخدم الطرفان يوم 20 كانون الأول/ديسمبر حق النقض (الفيتو) حول مشروع قرار لإدخال المساعدات الإنسانية في سوريا عن طريق معبر خامس من الحدود التركية فاستخدمت روسيا الفيتو رقم 13 واستخدم الظهير الصيني الفيتو السابع منذ بداية الأزمة السورية.

كما حاول سفراء الكويت وألمانيا وبلجيكا أن يعتمد المجلس في أيلول/سبتمبر 2019 مشروع قرار لوقف إطلاق النار في إدلب إلا أن الفيتو المزدوج كان بالإنتظار فأطاحا بمشروع القرار.

 قضية الروهينجا وما تتعرض له الأقلية المسلمة في ميانمار وخاصة في ولاية راخين لم يعتمد فيها مجلس الأمن أي قرار منذ بداية الأزمة الحالية عام 2017 بل ولم تتجاوز اجتماعات المجلس حول الروهينغا أكثر من ثلاثة وبعض المشاورات المغلقة. وعندما شعر السفير الكويتي، منصور العتيبي، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، أن المجلس منقسم على ذاته في موضوع الروهينجا، قرر أن يقود زيارة لأعضاء المجلس على متن طائرة كويتية للاطلاع على ما تتعرض له الأقلية المسلمة في ولاية راخين والذي وصفه المفوض السامي لحقوق الإنسان السابق، زيد بن رعد الحسين، بأنه تطهير عرقي. وعلى الرغم من هذه الزيارة والجلسات التي عقدها مجلس الأمن حول هذا الأمر، إلا أنه ظل عاجزا عن إصدار قرار بهذا الموضوع نظراً للإنقسام داخل المجلس تجاه هذه القضية.

بلغ مجموع القرارات “المواضيعية” التي لا تتعلق بنزاع محدد خلال 2019 عشرة قرارات تتعلق بمظاهر الصراع كتمويل الإرهاب والعنف الجنساني والأشخاص المفقودين في ساحات الصراع وتهديد السلم والأمن الدوليين والمرأة وعمليات السلام والتعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.

أما بقية القرارات فكانت تتعلق بمناطق النزاع. وقد حظيت السودان وجنوب السودان بأكبر نصيب من القرارات المعتمدة عام 2019 وصلت إلى ستة قرارات حيث تتشابك العديد من المسائل مثل دارفور وقوات حفظ السلام والنزاع على منطقة الحدود والمآسي الإنسانية التي يتعرض لها المدنيون.

وقد اعتمد المجلس ثلاثة قرارات تحت الفصل السابع تتعلق بتجديد ولاية فريق الخبراء المعنيين بمراقبة انتهاكات حظر التسلح في اليمن وليبيا، وقرار حول فرض الجزاءات على حركة طالبان والقاعدة وما دار في فلكهما من مجموعات إرهابية. بينما توزعت بقية القرارات حول مناطق النزاع في مالي وجمهورية افريقيا الوسطى والكونغو والصومال وكوريا الشمالية وقبرص وهايتي وكولمبيا والصحراء الغربية وغينيا بيساو.

كثير من هذه القرارات تتعلق بتجديد ولاية بعثات حفظ السلام الدولية مثل أوندوف (الجولان) ويونيفيل (جنوب لبنان) وأنفوسيب (قبرص) ومانوسكا (جمهورية افريقيا الوسطى) ومينوسما (مالي) ومينورسو (الصحراء الغربية) واوناميد (دارفور) وغيرها. وقد شهد العام إنهاء بعثة السلام في هايتي بأمريكا الوسطى وتحويل المهمة الأممية إلى تقديم الدعم والمساعدات.

المبادرة الكويتية حول الأشخاص المفقودين في النزاعات المسلحة:

اعتبر أن القرار 2474 والذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع يوم 11 حزيران/يونيو والذي تقدمت به دولة الكويت خلال رئاستها لمجلس الأمن من أهم قرارات المجلس هذا العام بل هو قرار تاريخي، كونه الأول من نوعه في مجلس الأمن خاص بقضية المفقودين في النزاعات المسلحة. ففي جميع الحروب والنزاعات المسلحة هناك مفقودون إما من المدنيين أو من العسكريين، وهناك معاناة إنسانية كبيرة تتعلق بهذا الملف الحساس.  تقدمت الكويت بمثل هذا القرار بسبب تجربتها الذاتية المريرة في موضوع المفقودين والأسرى الكويتيين خلال غزو العراق للكويت عام 1990. تلك التجربة ترجمها القرار حول المفقودين أثناء وبعد النزاعات المسلحة إلى مرجعية جديدة غير مسبوقة لمجلس الأمن في هذا الموضوع. والقرار يضع خطوات وتدابير للتعامل مع موضوع المفقودين والبحث عنهم وتمكين عودة رفاتهم وفتح قناة اتصال مع أسرهم.

بقي أن نؤكد مرة أخرى أن العبرة ليست في اتخاذ القرارات بل في تنفيذها، وكل هذا يعتمد على مصالح الدول الكبرى. فهناك دول من بين الأعضاء الدائمين تصوت لصالح مشروع القرار كي تتجنب الاحراج وعلى الأرض تمارس بشكل مختلف ومناقض للقرار. وأقول للتذكير إن فرنسا صوتت مع كافة القرارات المتعلقة بليبيا والتي تنص على عدم التعامل إلا مع حكومة السراج المعترف بها دوليا حسب منطوق القرار 2259 (2015) لكن الممارسة على الأرض لا تخفى على أحد وخاصة هذه الأيام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول safarini Athar:

    مجلس موجهه ضد المسلمين

إشترك في قائمتنا البريدية