لم يكن كوكبنا الأزرق مهددا يوما كما هو اليوم. فالمخاطر تتفاقم وتعم العالم أجمع، وإذا كانت المسؤولية تقع على الدول الكبرى فإن الضرر تتحمله شعوب الأرض قاطبة، وخاصة شعوب الدول الفقيرة، ذلك أن الدول الكبرى يمكن لها أن تخفف من وطأة الأضرار وعواقبها كونها تمتلك الإمكانيات التقنية والمالية، في حين أن الدول الفقيرة تزداد فقرا وبؤسا. والمخاطر الكبرى يمكن إجمالها بثلاثة أساسية:
الاحتباس الحراري
بقي كوكبنا ملايين السنين محافظا على مناخ مستقر تتبدل فيه الفصول، وكل فصل له خصائص شبه ثابتة. وخاصة فيما يتعلق بحرارة الكوكب ككل. مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا بدأت الأمور تختلف، فانتشار المعامل واستخدامها للطاقة بشكل مضطرد باستخدام الفحم الحجري، ثم النفط اللذين تسببا بنفث الغازات الدفيئة من ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وبعض الغازات الأخرى المسؤولة عن ما يسمي بالاحتباس الحراري، أي ارتفاع درجات الحرارة لسطح الكرة الأرضية.
وهذا ما أدى إلى ظهور تغيرات مناخية خطيرة أدت إلى ازدياد في منسوب مياه البحار والمحيطات بسبب ذوبان جليد المتجمدين الشمالي والجنوبي، اتساع رقعة التصحر بسبب اختلاف في هطول الأمطار جغرافيا، وغرق الجزر المنخفضة وبعض المدن الساحلية، ازدياد في حالات حرائق الغابات، والفيضانات، والزلازل، وانقراض الكثير من الكائنات الحيوانية والنباتية، انتشار الأمراض المعدية..
هذه الظواهر الجديدة، ضربت الكرة الأرضية شمالا وجنوبا، فشهدنا مثلا هذا العام ارتفاعا غير عادي في درجات الحرارة خلال فصل الصيف إذ وصلت درجة الحرارة، على سبيل المثال لا الحصر، في الكويت إلى 73 درجة مئوية تحت أشعة الشمس ما أدت إلى حرائق وذوبان المواد البلاستيكية المعرضة للشمس. وكذلك فيضانات في ألمانيا تسببت في خسائر مادية وبشرية كبيرة. كما ضربت الحرارة الشديدة في العديد من البلدان المحاصيل الزراعية..
هذه الأضرار الكبيرة التي تسببت بها الدول الصناعية التي لم تبال بخطر الانحباس الحراري، وبعضها يرفض الاتفاقات الدولية بخفض انبعاث الغازات الدفيئة، وكانت وبالا كبيرا على الدول الفقيرة تضع على بساط البحث ضرورة التعويض للخسائر التي تكبدتها هذه الدول والتي تتحمل أخطاء الدول الكبرى التي يبقى همها الوحيد هو جني الأرباح واستمرارية تشغيل مصانعها وانتشار شركاتها العابرة للقارات على حساب صحة الأرض، ومن عليها.
الأسلحة البيولوجية والبكتيرية والجرثومية
لم تكتف الدول الصناعية الكبرى بسباق التسلح التقليدي، وأسلحة الدمار الشامل خلال القرن العشرين، واستخدامها في الحروب التي تسببت بها الدول الأوروبية في الحربين العالميتين كما حصل في هيروشيما وناغازاكي، وكذلك تطوير حرب الغازات ( الخردل والسارين والكلور) التي استخدمت بكثافة في الحرب العالمية الأولى، وبدرجة أقل في الثانية، ولا تزال تستخدم اليوم رغم حظرها دوليا كما حصل في سوريا حيث استخدمها النظام لقمع انتفاضات شعبية ضده وكانت حصيلتها ثقيلة جدا وخاصة على الأطفال، قامت الدول الصناعية الكبرى بتطوير الأسلحة البيولوجية.
وهذه الأسلحة تتسبب بنشر أمراض خطيرة وقاتلة لملايين البشر عن طريق العدوى، وخاصة منها الفيروسات المركبة أو المعدلة، كما نشهد اليوم من انتشار كوفيد 19 التي تتهم فيها الولايات المتحدة الصين أن هذا الفيروس المركب من انتاج مختبرات صينية فقدت السيطرة عليه.
وقد أكد عالم فرنسي في علم الفيروسات مع بداية انتشارالجائحة أن هذا الفيروس مركب من فيروس الإيدز وفيروس كورونا.
وقد تسببت هذه الجائحة بأضرار مادية كبيرة جدا، وخسائر بشرية بالملايين، علاوة على الخسائر المادية الفادحة، ولم تنته بعد فصولا مع المتحورات الجديدة التي كان آخرها “أومكرون” الذي يبدو أنه أكثر فتكا ويعيد البشرية إلى المربع الأول من الكارثة.
ولم تستطع الدول الكبرى إلى الآن من إيجاد الدواء الناجع، أو اللقاح الواقي. ولا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن أن لهذا الفيروس أن يفرز متحورات جديدة ربما سيكون من الصعب القضاء عليها.
حروب السيبرانية
تنتشر خلال السنوات الأخيرة حرب جديدة، وخاصة بين الدول الكبرى، الحروب السيبرانية، حيث يتم اختراق حسابات منظمات كبرى، وإدارات، ووزارات حساسة للتجسس عليها، كما اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية روسيا بالتدخل في انتخابات الرئيس السابق دونالد ترامب، أو التجسس الصناعي على الشركات الكبرى، ومع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والمعلوماتية تتطور بموازاتها تكنولوجيا التجسس، كما اتضحت مؤخرا في فضيحة نظام بيغاسوس الإسرائيلي الذي استخدمته عدة دول عربية للتجسس على شخصيات معارضة.
وقد تم الكشف أيضا عن أن هذه الأجهزة استخدمت لاختراق أجهزة هاتف رؤساء دول كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أندريا ميركل. حتى أن إمكانية اختراق الأجهزة لوزارات كوزارة الخارجية الأمريكية التي اخترقت من قبل ويكيليكس تثبت أن الحرب السيبرانية قائمة ومستمرة دون توقف، وباتت أي شخصية عامة، أو معارضة لنظام ما عرضة للاختراق وانتهاك خصوصيتها، وربما يؤدي إلى الخطر على حياتها.
وهنا لا بد من وضع قوانين صارمة تجرم الشركات التي تقوم بتطوير أجهزة التجسس، أو الأشخاص الذين يقومون باختراقات لخصوصيات الأشخاص لابتزازها. وفي حالة الحروب بين الدول بات محتملا جدا تعطيل كل أجهزة الاتصال والتواصل بضرب شبكات الإنترنيت ما يؤدي إلى انقطاع في تواصل الأشخاص، وضرب قنوات الاتصال والإعلام.
كاتب سوري