إذا سمحت الدولة الأردنية باستمرار التشكيك بكل من يقترح وجود مخاطر بتوقيع اليمين الإسرائيلي على بلادنا حكومة وشعبا فالنتيجة المباشرة يمكن افتراضها بكل بساطة. سنرى قريبا بسبب حملة يشنها راقصون على آلام المواطنين ومقربون من دوائر القرار وأذرع الإعلام الرسمي ومختصون بالعبارات المسمومة تهمة معلبة جديدة، تضاف إلى سجلات تصنيف وتقسيم الأردنيين باسم «التشكيك بالخيارات وإضعاف الأمة».
قد نسمع قريبا في عمان من فرط التحريض المريض تلك العبارات المطاطة التي ترد في بعض قوانين العقوبات تقال ضد أصحاب رأي لديهم قناعة راسخة بأن اليمين الإسرائيلي «خطر للغاية» فيما يخططه ويفعله على مصالح المملكة ما لم تعد السلطة الحكومية إلى رشدها وتصغي للجميع وتتوقف عن تسمين ودعم وإسناد من يشاركون بحفلة التشكيك بالجميع باسم «الولاء والانتماء».
من يحذر وبصوت مرتفع من مخاطر اليمين الديني الإسرائيلي هو الصوت الذي ينبغي أن يسمع الآن ومن يفعل يعبر ضمنا عن أقصى ممارسات الولاء والانتماء الحقيقيين ويتوجب أن لا يسمح لمغامرين أو مراهقين سياسيين وإعلاميين باحثين عن «امتياز ما» بدق الأسافين بين الدولة ورعاياها لأن المرحلة مغرقة في الحساسية. تعالوا نجتمع عند كلمة وسط معتدلة منصفة تعكس الوقائع.
المواطن الأردني «قلق»… هذه حقيقة والمجازر التي ترتكب في الضفة الغربية وقطاع غزة تنتج أطنانا من القلق والسلطات «لا تتحدث معه»..هذه أيضا حقيقة، أما الادعاء بالتشكيك بجاهزية الدولة والمؤسسات فهو «كذبة» محترفة يبتكرها طارئون يحترفون الفصل بين الناس ومؤسساتهم وتبرر وتشرعن البحث عن مقعد على طاولة.
غير جائز الآن تحديدا أن يعتمد المواطن الأردني على معلوماته من الإعلام الإسرائيلي أو من بعض المحظيين في الإعلام الرسمي أو المرعوب وعلى رموز الدولة بدون مزاودات أن تشرح للناس وتجيب على أسئلتهم. نعرف تقلبات النصوص ومساحات الاجتهاد.
حشر انسياب المعلومات في بعض الزوايا الضيقة ليس الوصفة الصحيحة مرحليا، والمطلوب ليس فقط توحيد المجتمع فذلك تحصيل حاصل ولكن تحشيده وتجنيده خلف «الرؤية والمسار» وخلف نص وطني معروف ومحدد سلفا في مسألة التحديات والقراءات والخطوات ما دامت مخاطر إسرائيل تطرق الأبواب.
المطلوب ليس فقط توحيد المجتمع ولكن تحشيده وتجنيده خلف «الرؤية والمسار» وخلف نص وطني معروف ومحدد سلفا
الاعتماد في التقدير المعلوماتي والإخباري على تسريب هنا وهناك يصلح لتثقيف الناس والمجتمع في وقت السلام وليس في وقت الحرب.
يصطاد بعضهم ما ننشره هنا وهناك ثم يقررون الهجوم عليه بحيث يبدو من يطلب برواية رسمية مشككا بالدولة وتحضيراتها. لا أحد يشكك بقدرات المؤسسات العميقة للدولة الأردنية.
ولا بحكمة القيادة والخبرات المتراكمة والمستوى الأمني والعسكري والسيادي، ليس هو المطالب بالتحدث مع الجمهور والشارع وما نعرفه دوما في القضايا والملفات التي تتطلب إعادة تحشيد المجتمع خلف مؤسساته هو أن الحكومة هي التي تتصرف وثمة وزراء فيها وأعيان ونخب ومثقفون ومدراء تقتضي واجباتهم الوطنية التحدث للناس.
أشفق شخصيا على وزير الخارجية الذي يحمل مايكروفون الموقف الرسمي ويشتبك مع العالم فيما لا يقوم آخرون بواجبهم.
إن ما يخطط له اليمين الإسرائيلي بضم الأغوار ليس طرق أبواب الحدود الأردنية بل اختراقها… هذا ما يخطط له يمين تل أبيب و«ليس ما سيحصل» وذكره ليس كفرا ولا مغادرة للملة الوطنية كما يرى بعض رموز التدخل السريع.
الشعب يريد أن يفهم بوضوح: كيف تقرأ دولته اليوم المخاطر حتى يعرف المواطن ما هو واجبه للمساهمة في حماية مصالح بلاده.
ولا أحد يحق له توجيه اللوم لمواطن «يشعر بالقلق» فيما حكومته لا تتحدث معه وما يثير فزع الأردنيين حقا هو الإصرار على «إنكار المخاطر» والادعاء بأن الأبواب محصنة جدا ولا تلوح بالأفق ثمة مؤامرات.
القلق يختلف عن الفزع لكن الإشارة إلى القلق العام باعتباره نتيجة تصنع فزعا وسط الأردنيين ومن شخصيات تعمل مع الخط الرسمي هو المفزع حقا والمفزع أكثر أن الفلاتر ما غيرها تسمح بذلك.
لا يريد الرأي العام شرح خيارات دولته كما يزعم البعض لأنه يثق بها بكل حال ولكن يريد أن يفهم كيفية تقييم الدولة ومجساتها الخبيرة للمخاطر.
ومن يتبنى اليوم خطابا يقول بأن مجانين تل أبيب لا يوجد ما يردعهم من مشروع الوطن البديل ليس الإخوان المسلمين أو المعارضين والحراكيين في الأردن ولا أصحاب الملاحظة النقدية والتحذير بل رجال دولة وأصحاب مناصب وأعضاء سابقا في التفاوض وطبخة وادي عربة ووزراء بلاط ورؤساء حكومات سابقون وجنرالات متقاعدون من خيرة الخيرة.
بعض هؤلاء من المراجع الدولية في فهم ما يجري في إسرائيل وقياس المخاطر وتفهم الحالة التي تمر بها الإدارة الأمريكية والبعض الآخر خدم في أجهزة الدولة لأكثر من نصف قرن.
هل ينتج كل هؤلاء الأفاضل الفزع وسط الأردنيين؟
إنكار خطط «التهجير» من الضفة الغربية في اتجاه الشرقية أصبح بمثابة وظيفة من لا وظيفة له… هذا معيب وخلل.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»