القاهرة ـ «القدس العربي»: بينما تنتظر الملايين ما سيسفر عنه صراع الجنيه مع الدولار، توعد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، من وصفهم بـ”شبكات تجارة العملة”، بضربات حديدية، من خلال أجهزة الأمن. وقال، بنبرة حاسمة، هناك “شبكات للتجارة في العملة الأجنبية، وهذه المنظومة تشكلت بسبب وجود سعرين للدولار، وتم توجيه وزارة الداخلية للضرب بيد من حديد ضد السوق السوداء، والدولة لن تسمح بهذا الكلام مرة أخرى، وستكون هناك سوق واحدة في مصر، رسمية وتابعة للدولة”. وأضاف “أي منظومة غير رسمية للدولار ستتم مواجهتها أمنيا وضربها بيد من حديد، والدولة ستقف بقوة في مواجهة هذه الشبكات”.. ولفت مدبولي إلى أن البنك المركزي سيوفر العملة في أي وقت للمواطن والمستورد، ولن تكون لدى مصر فجوة دولارية أخرى، وتحويلات المصريين في الخارج ستعود إلى ما كانت عليه، ونعلم أن الأزمة كانت صعبة، لكن كل التحية والتقدير والاحترام للمواطن المصري الذي صبر وتحمل من أجل الدولة، والمواطن سيشعر قريبا بنزول أسعار السلع، لكن سنأخذ بضعة أشهر للتعافي. وتابع، سيتم الإفراج عن كميات هائلة من السلع والبضائع من الموانئ. وأضاف مصر كانت تمر بأزمة اقتصادية خانقة على مدار أكثر من سنة ونصف السنة بسبب الظروف العالمية الكبيرة، التي حدثت والعديد من المشاكل التي كانت تواجهها الدولة.
وفي سياق مكافحة المجاعة التي تضرب أنحاء غزة: صرح المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، بأن مصر تشارك في تحالف دولي لإسقاط المساعدات الإنسانية والمعونات الإغاثية على قطاع غزة. وأعلن أن مصر والإمارات تواصلان الإسقاط الجوي لأطنان من المساعدات الإنسانية شمال قطاع غزة.. ومن وقائع الفساد: تمكنت هيئة الرقابة الإدارية، من ضبط تشكيل عصابي من العاملين في قطاع الطيران المدني لارتكابهم جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي والاختلاس والتربح والإضرار بالمال العام. وبإجراء التحريات والتنسيق مع وزارة الطيران المدني تبين اتفاق 18 من المسؤولين عن خزينة الشركة باختلاس العملات الأجنبية المسددة من المسافرين، بقيمه بلغت حوالي مليون دولار وطرحها للبيع في السوق الموازي وإيداعها الخزينة بالعملة المحلية، بعد الحصول على مكاسب مالية تمثلت في قيمة الفارق بين السعر الرسمي والسعر الموازي. ومن اخبار الراحلين: فقدت الصحافة المصرية والعربية الكاتب الصحافي الأستاذ محمد عبد الجواد منصور رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط، ووكيل نقابة الصحافيين الأسبق. بعد رحلة عطاء طويلة وحافلة في بلاط صاحبة الجلالة استمرت ما يقرب من 77 عاما”. الفقيد من مواليد 10 فبراير/شباط 1924، في قرية المدمر، في محافظة سوهاج.
ليتها تفعل
بعد ترحيبه بالسفيرة الأمريكية الجديدة في القاهرة آثر كرم جبر في “الأخبار”، أن يحملها رسالة لحكومتها: نتمنى لها التوفيق وأن تكون رسول سلام، وتنقل لبلادها حقيقة المشاعر العربية والإسلامية لما يحدث الآن في غزة. فلا يكفي أن أمريكا تذكرت مؤخرا المأساة الإنسانية في غزة، فقررت إسقاط مساعدات غذائية بالطائرات، فهي ازدواجية مرفوضة لأنها تقيم منذ شهور جسرا جويا لإمداد إسرائيل بالأسلحة الفتاكة، تغتال النساء والرجال والأطفال والرضع، وتدمر كل شيء فوق الأرض وتحتها. أهالي غزة يريدون الطعام الذي يحفظ حياتهم، ولكنهم يريدون أكثر وقف إرسال أسلحة القتل لإسرائيل، وإذا توقفت فلن يحتاج أحد شحنات الغذاء المحمولة جوا. مصر والدول الصديقة والشقيقة ترسل قوافل من المساعدات الإنسانية، وفي غنى عن المعونات الغذائية الأمريكية. أمريكا تزود المستوطنين بالرشاشات سريعة الطلقات، ومن لا يموت بأسلحة الجيش الإسرائيلي، يموت برصاص المستوطنين، في حرب لم تشهد مثلها البشرية كثيرا، ومنطق غريب وعجيب أن ترسل أمريكا شحنات الغذاء لإطعام الجوعى والمشردين، وتضاعف شحنات الأسلحة لقتلهم بعد إطعامهم، وليس مقنعا مزاعم أمريكا بأن وقف إطلاق النار في صالح حماس. وقف إطلاق النار يضع حدا للقتل المتعمد الذي وصل الآن إلى 30 ألفا من الفلسطينيين، ويوقف هدم البقية الباقية من غزة، التي لم تعد صالحة للحياة الآدمية، ويتيح الفرصة للأطراف كافة، التفكير في حلول دائمة تمنع تكرار ما حدث، وتجنب المنطقة توسيع نطاق الحرب، ودخولها دوامة العنف والفوضى. فهل تضحي أمريكا بكل شيء، من أجل إسرائيل الظالمة وتقوم بإحراج أصدقائها العرب وحلفائها التاريخيين، ومن يدافعون عنها ويبررون أفعالها؟ سيدتي السفيرة الأمريكية: سبق لك العمل في لبنان والعراق وأفغانستان والأردن، وأنت عراقية الأصل ووُلدتِ في كردستان، وتتحدثين اللغة العربية إلى جانب عدة لغات أخرى، وهذا يعني أنك على علم تام بأن هذه الأيام الروحية المباركة التي تسبق رمضان لها قدسيتها لدى الشعوب العربية والإسلامية. ورمضان بالذات لا تنفع فيه تهديدات الإرهابي نتنياهو باستمرار حرب الإبادة في غزة، وتكون مشاعر الناس في ذروتها، حزنا وغضبا واستنكارا، وأمريكا هي الخاسر الأكبر. سوف تفقد بلادكم بقية رصيد الثقة، ولن تكون شريكا عادلا في أي قضية تتعلق بالشرق الأوسط، وسينظر الناس إلى أمريكا بأنها الدولة المعادية.
وقوع البلاء
يمكن القول إن المثل المصري العريق (وقوع البلاء ولا انتظاره) قد تحقق بالإعلان المفاجئ للبنك المركزي عن تحرير سعر الصرف للجنيه في مواجهة الدولار، وبالفعل، وفق ما قاله محمد حسن الإلفي في “فيتو” مع إعلان الحكومة عن توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على 8 مليارات دولار، وكان الكلام سابقا عن 12 مليارا، وضع المصريون أياديهم على جيوبهم قبل قلوبهم. مع إعلان البنك المركزي عن التعويم، بدأت موجات متلاحقة من النكات الساخرة والتعليقات المتشائمة، والحق أن كلمة تعويم الجنيه ترتبط في الذهنية المصرية بأمرين أولهما، الخوف من خضوع السياسة النقدية المصرية للصندوق، وهذه لا تهم الناس بشكل مباشر، كما يهمهم الأمر الثاني وهو أن التعويم يعني فقدان معظم مدخراتهم، وارتفاع الأسعار بشكل وحشي جارف. هي على كل حال كلمة سيئة السمعة، تحاشاها كل رؤساء مصر ولم يقربوها، والرئيس السيسي نفسه هو من بدأ خطة الإصلاح الاقتصادي في مرحلته الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، مجازفا بشعبيته، وتحمل الناس أعباء الإصلاح وقتها ثقة في نواياه الوطنية الإصلاحية، وقدمت الدولة برامج حماية اجتماعية ناجحة. في عملية الإصلاح الاقتصادي الأولى في نوفمبر 2016 كانت الضغوط داخلية، خراب 25 يناير/كانون الثاني الأسود، توقف العمل وتعطل الإنتاج، الإرهاب، أما اليوم ومنذ ثلاث سنوات، فقد تحالفت على الاقتصاد المصري ضغوط خارجية دولية قاصمة، من كورونا إلى أوكرانيا إلى حرب غزة إلى هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وفقدان حوالي خمسة مليارات دولار من إجمالي الدخل السنوي لقناة السويس (عشرة مليارات وأكثر). أضف إلى عوامل الضغط السابقة تراجع تحويلات المصريين في الخارج بشكل ملحوظ، والمضاربة عليه، والتعامل مع المصريين في الخارج رأسا وتسليم البديل بالعملة المصرية لذويهم عبر عملاء ووسطاء محليين، انتشروا في القرى والمدن، حقائب محملة ومكاتب سرية مملوءة بملايين الجنيهات نظير مليارات من الدولارات، لم تدخل البلد.
المهم التالي
مع إعلان البنك المركزي عن سعر الصرف الحر، هبطت قيمة الجنيه إلى النصف، يعني لو معاك ألف جنيه فهي خمسمئة، ولو مرتبك ستة آلاف فهو ثلاثة آلاف، ولو أن مدخراتك مليون فهي نصف مليون، وهذه كلها قابلة للتغير بالنقصان أو الزيادة. يرى محمد حسن الإلفي، أن الحكومة لم تلجأ إلى التعويم لتعذب الناس، هذا منطقي، بل لجأت إلى دواء مرّ مرير، لأن العلاج يؤدي إلي الشفاء الكامل، وفقا لتقارير عالمية متخصصة في “وول ستريت جورنال”، جورنال المال والأعمال الأمريكي الأشهر، ثم وكالة بلومبرغ وصحف عالمية كثيرة رحبت بالإجراء المفاجئ للحكومة المصرية، وقالت وكالة فيتش للائتمان إن اقتصاد مصر سوف يرى النور في آخر النفق. وكما قال محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، نحن في البداية، ومعنى ذلك أننا نمضي في النفق الذي في نهايته يسطع ضوء ونهار. المهم جدا وكما تفهم المصريون دواعي المرحلة الأولى من إصلاح 2016، فتحملوها، أن تكون الحكومة بسلطانها الصارم حاضرة للرقابة على الأسواق، أسواق السلع والخدمات والعملات، ومحاسبة المفسدين والقضاء على الاحتكارات، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتضم الطبقة المتوسطة التي تتهاوى حاليا، كما تتهاوى طائرة فقدت كل محركاتها على ارتفاع 37 ألف قدم. وقع البلاء إذن، ووقوعه خير من توقعه طول الوقت، ووجع شهر خير من وجع كل شهر.. الناس في الداخل خائفة، والناس في الخارج ومعهم رجال أعمال مصريون يصفقون للحكومة ويرون قرارتها شجاعة وأنها جاءت في الوقت الحاسم المطلوب.
جنيه يتيم
بمجرد صدور قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف، كان السؤال الأهم للمواطنين، هل سيؤثر هذا القرار على ضبط الأسعار؟ خبراء الاقتصاد الذين تابعهم جمال حسين في “الوطن”، قاموا بتحليل القرار من كل النواحي، وأكدوا أن تحرير أو تحريك سعر الصرف سيكون له مردود إيجابي حاسم في القضاء على السوق الموازية للدولار، وسيمكن الدولة من التحكم ومواجهة ارتفاع الأسعار التي بدأت بالفعل في التراجع.. قالوا إن التسعير العادل للجنيه يعني تدفقا كبيرا للاستثمارات الأجنبية المباشرة.. يعني زيادة تحويلات المصريين في الخارج.. يعني القضاء على السوق السوداء.. يزيد من عوامل الثقة في الاقتصاد المصري.. وأكدوا أنه لن تكون له أي تأثيرات سلبية على الأسعار، بل سيسهم في انخفاض الأسعار بشكل أكبر، حيث يساعد توفير الدولار من البنوك للمستوردين والمصنعين في الإفراج عن البضائع والمنتجات الموجودة في الموانئ، وهو ما ستكون له آثار إيجابية على انخفاض كل السلع والمنتجات. كما ستنتج عنه عودة تدفقات تحويلات المصريين في الخارج من العملات الأجنبية، وسوف يؤدي إلى زيادة استقرار ميزان المدفوعات، وأشاروا إلى أن رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة سيؤدي إلى كبح جماح التضخم وسوف يؤدي بالضرورة إلى انخفاض سعر الذهب، حيث إن طرح شهادات بنكية جديدة بفائدة أكبر يعني توجه السيولة النقدية في الأسواق إلى هذه الشهادات، ومن ثم انخفاض سعر الذهب لندرة الطلب عليه. أحد خبراء الاقتصاد أكد أنه قد يندهش البعض إذا علم أن هناك نقدا متداولا خارج الجهاز المصرفي يقدر بأكثر من تريليون جنيه.. هذا التضخم كان أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، وظاهرة الدولرة المرتبطة بظاهرة التضخم، على اعتبار أن مافيا العملة تمارس ظاهرة «الدولرة» في أبشع صورها بشكل نقدي، حيث يتم تحويل الجنيه المصري إلى دولار.
تكافل وكرامة
كان بعض التجار يحدد أسعار سلع السيارات والأغذية وتقييمها بالدولار وبيعها بالجنيه المصري، لذلك شاهدنا كما أخبرنا جمال حسين ارتفاعا جنونيا في أسعار السلع، وأكد أن جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي وتوفر السيولة الدولارية مكّن البنك المركزي المصري من رفع أسعار الفائدة لإحداث مزيد من التشديد النقدي وامتصاص السيولة، كاشفا عن أن هناك نقدا متداولا خارج الجهاز المصرفي يقدر بـ1 تريليون جنيه. رأينا المؤشرات الإيجابية على الاقتصاد المصري التي بدأت تظهر عقب الإعلان عن صفقة استثمارات مدينة رأس الحكمة، حيث انخفض سعر الدولار انخفاضا كبيرا وتبعه انخفاض حاد في سوق الذهب، وشهدت الأسواق المحلية انخفاضا بعد تراجع المضاربات على الدولار في السوق السوداء لينخفض بقيمة تجاوزت الـ25 جنيها لكل دولار مقابل الجنيه. كما ساهمت الحملات المكبرة التي قامت بها الأجهزة الأمنية والرقابية لضبط المضاربين في أسعار الدولار وتخزينه في تراجع سعر الدولار، وأصبح هناك تقارب كبير بين سعر الدولار في السوق الموازية وفي البنوك ليصبح أقل من 10 جنيهات، ما سمح باتخاذ قرارات تحرير سعر الصرف منذ ساعات ليكون سعر الدولار معبرا عن القيمة الحقيقية للجنيه المصري. الدولة من جانبها سارعت الشهر الماضي غلى تخفيف الأعباء التضخمية وآخرها حزمة القرارات الاجتماعية التي أقرها الرئيس السيسي من زيادة الأجور والمرتبات وزيادة المعاشات وتكافل وكرامة ورفع حد الإعفاء الضريبي، وكلها أمور تزيد من النقد المتاح لدى المواطنين لتوجيهه نحو الاستهلاك في الأسواق. وبالتالى انتظام الدورة الاقتصادية خاصة بعد توجيه الرئيس للحكومة بالإفراج عن المنتجات المحتجزة في الموانئ كالمواد الغذائية والأدوية ومدخلات الإنتاج الصناعي.
لا تضيعوها
بداية الموضوع حسب سليمان جودة في “الوفد”، كانت في موسكو يومي الخميس آخر أيام فبراير/شباط، والجمعة أول أيام مارس/آذار، وفيهما كانت الفصائل الفلسطينية قد اجتمعت في العاصمة الروسية، وكانت الدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت الفصائل مدعوة من الدب الروسي لتجلس إلى مائدة واحدة وتتحاور، لعلها تكون على توافق حول الخطوط العريضة لقضيتها في ما بينها. وإذا كانت قد اجتمعت هناك، فما أكثر ما اجتمعت من قبل في عواصم أخرى، ولكن الفارق هذه المرة مهم لأنها تجتمع تحت ظلال القصف الوحشي الذي قامت وتقوم به إسرائيل على قطاع غزة، ولأن الاجتماع هذه المرة ضم الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ومعها الفصائل التي لا تزال غير ممثلة فيها. وربما كان هذا هو الذي جعل أول حصيلة للاجتماع أن تكون منظمة التحرير هي المرجعية بالنسبة للفصائل كلها، وبالذات غير الممثلة في المنظمة، وألا تكون هذه المرجعية محل خلاف في المستقبل القريب والبعيد. ولم تغادر الفصائل المختلفة اجتماعها، إلا وقد اتفقت على تشكيل حكومة موحدة بين قطاع غزة والضفة الغربية، فلا تكون في الضفة حكومة وفي غزة حكومة.. وهذه خطوة مهمة جدا، ولكن الأهم أن تجد ترجمة عملية لها سريعا على الأرض، وأن تدوم هذه الحكومة الموحدة المرتقبة، لأن أكبر شيء كانت إسرائيل تلعب عليه وتستغله في مرحلة ما بعد الانقسام بين الضفة والقطاع، هو وجود حكومتين فلسطينيتين، ومما اتفقت عليه الفصائل أيضا، أن يجمعها مسار مشترك لمواجهة العدوان على غزة.. وهذا بدوره شيء مهم، ولكن الأهم منه أن يكون المسار المشترك في مواجهة العدوان وفي مواجهة غير العدوان، وبمعنى أدق يكون مُعبّرا عن استراتيجية بعيدة المدى، لا أن يكون مجرد تكتيك وقتي لمواجهة تحديات المرحلة.. العالم في مرحلة ما بعد الحرب على غزة يبدو أكثر تقبلا لفكرة قيام الدولة الفلسطينية منه في أي وقت آخر، ولا بديل عن أن ينتهز الفلسطينيون هذه الفرصة وألا يجعلوها تفوت.
خطأ فادح
ترتكب الخارجية المصرية، حسب عبد المجيد إبراهيم في “المشهد”، خطأ فادحا إذا هي رفضت الطلب المقدم إليها بخطاب رسمي من 200 شخصية مصرية، وأكثر من 50 شخصية عربية؛ تطلب فيه تمكينها من مرافقة المساعدات المتجهة إلى غزة عبر معبر رفح “كقوافل حماية بشرية للمساعدات الإنسانية لحماية أهل غزة من الموت جوعا وعطشا”؛ تنتقل بالشاحنات المتراكمة على الجانب المصري من معبر رفح إلى غزة؛ مؤكدين في الخطاب أنهم لا يطلبون حماية، وسيذهبون على مسؤوليتهم الشخصية؛ مضيفين أنه “لا يمكن لمصر أن تسمح بأن تستمر تلك الأوضاع”. وتنبع فداحة الخطأ إذا ما أقدمت الخارجية المصرية على ارتكابه – من جوانب عدة؛ منها أنه سيكون منطويا على تقديرات غير صحيحة؛ كون التفاعلات والتطورات التي طالت عمليات جيش الكيان الصهيوني في غزة؛ بعد خمسة أشهر من جريانها ـ بينت أن بالمستطاع تحدي السلوك الإرهابي لهذا الكيان؛ بإدخال المساعدات إلى شعبنا؛ دون التنسيق معه، ودون أدنى قدر من المجازفة بمواجهة عسكرية مع هذا الكيان المردوع، وكونها – مع تمادي هذا الكيان في عملية ممنهجة لإبادة الفلسطينيين في غزة، وإجبارهم على ترك أراضيهم – جعلت تحديه أمرا مطلوبا ومبررا بإلحاح. ومنها أن الاستجابة لهذا الطلب “الإنساني” يحل مشكلة جوهرية كانت تثير قلق الرئيس، وتؤرق صنّاع القرار المصريين، وخلية الأزمة التي تتعامل مع الوضع القائم في غزة، وهي احتمال تعرض شاحنات المساعدات للقصف، وتعرض حياة ناقليها للخطر؛ لأن طالبي مرافقة الشاحنات مستعدون للموت، ولا يطلبون أي حماية. ومنها عدم تفويت الفرصة المتاحة لإنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة؛ لأن الكيان المجرم لن يجرؤ في الغالب – بعد كل ما جرى – على قصف الشاحنات، ولا على التعرض بالنار لمرافقيها، وإن هو تمادى في جنونه، وفعل ذلك؛ فستكون خسارته مدوية، وسيجبر في النهاية على السماح بدخولها بحرية وبلا شروط.
لو رفضت
لو رفضت الخارجية المصرية العرض المقدم من راغبي إنقاذ الغزيين من المجاعة فالمؤكد، حسب عبد المجيد إبراهيم، أن الرئاسة المصرية ستتدخل فورا لتدارك هذا الخطأ، من مسألة نقل المساعدات؛ بما يتسق مع الإيمان الصادق المخلص من جانب الرئيس بفكرة “الإنسانية”، ومنها التغير المؤكد الواضح في موقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه المسألة؛ طبقا للتصريحات التي أدلت بها نائبة الرئيس كامالا هاريس – وسط صيحات النصر والغبطة من مستمعيها – معتبرة أنه لم تعد هناك أعذار لحكومة دولة الكيان أمام تسهيل وصول المساعدات؛ داعية إلى زيادتها لأن “ما نراه مدمر”. ومع أن هذه التصريحات تدير الطرف عن حقيقة أن ما تفعله دولة الكيان هو تطبيق لسياسة إبادة ممنهجة مدروسة “لا ماء لا دواء لا غذاء لا وقود لا كهرباء”؛ أُعلنها نتنياهو ووزير حربه – فإنها تعبر عن رغبة حاسمة أمريكية في إنهاء الوضع القائم الذي يهددها – مثلما يهدد الكيان الصهيوني – بإدانة غير مسبوقة وبارتكاب جرائم حرب؛ ما دفع الكيان إلى الإعلان عن إعادة معبر كارني/ المنطار؛ لإدخال المساعدات إلى شمال قطاع غزة، وهو إعلان مخادع بالطبع؛ يستهدف تخفيف الضغوط الدولية الواقعة على الكيان، الأَوْلى بالخارجية المصرية إذن أن توافق على الطلب بغير تردد لو كان “الأمريكي الإنسان آرون بوشنل” بيننا اليوم لما لجأ لخيار الانتحار، ولكان في طليعة طالبي المشاركة في هذا التحرك، لكنّ عزاءنا فيه هو أن هناك الملايين على اتساع العالم ممن صنعهم الخالق على شاكلته “إنسانيون”: يتعذبون لآلام الآخرين ومعاناتهم، ومستعدون للموت دفاعا عن فكرة الإنسانية. إن التعاطي مع هذه المسألة على أساس تهدئة خواطر هؤلاء المجرمين سفاكي الدماء حتى يشبعوا، عمل مدمر للبيئة الاستراتيجية الدولية والإقليمية؛ الامتناع عن تحدي الكيان الصهيوني بالطريقة الواجبة، والتعامل مع الوضع القائم على الأساس المتقدم، وبمنطق إنقاذ الناس من جنونه كأنه ثور هائج يشكل خطرا داهما يكمن في إخضاع الكل لإرادة كيان إرهابي فاقد للإنسانية ينتهك إنسانيتنا.
أنهكتهم الحرب
يقرأ جميل مطر في “الشروق” أحيانا ويسمع كثيرا أن في واشنطن الآن من يعتبر أن المرحلة الراهنة من حرب غزة صارت تستدعي تدخلا أمريكيا مختلفا بعض الشيء عن نمط التدخل خلال الشهور الخمسة الماضية. أما التبرير الرسمي المسرب إلى خارج دوائر صنع القرار، وأغلبها ــ وللحق في حال ارتباك وشعور بالتعاسة ـ فيميل إلى اعتبار أن أطراف الصراع الحاد قد حققت جميعها انتصارات كبيرة، أو ضئيلة في جانب أو آخر، وهو الوضع الذي يستحق تدخلا مناسبا. يعتمد هذا التبرير مبدأ تتبناه الدبلوماسية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ويقضي بأن أمريكا سوف تتعامل بطريقة مختلفة مع أطراف أزمة أنهكتهم الحرب أو في حال تفاقم الضرر الذي حاق بمصالح أمريكا، أمريكا سوف تتعامل بمنطق أنهم جميعا حققوا انتصارات من نوع أو آخر، وبدرجة أو أخرى. لنا في مصر، ولا شك، تجارب لا نغفلها أو نتغافل عنها، تجربتنا مع هنري كيسنجر مهندس الاستراتيجية الأمريكية، حين كان يتدخل لتقوية طرف ضعيف في صراع، حتى يصبح هذا الطرف الضعيف أو المنهك طرفا لائقا وجاهزا، ليستحق صفة من صفات الانتصار، وبالتالي تتحسن مواقعه التفاوضية وتتحقق فرصته للقبول بوقف القتال والشروع في الاندماج في العملية السياسية، التي تنوي واشنطن احتكار الإشراف عليها. حدث هذا في حرب السويس عندما أجبرت أمريكا إنكلترا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب من سيناء والقناة، وفرضت على مصر القبول بسيادة أقل على سيناء لفترة استمرت حتى نشوب حرب العبور. دول العدوان كانت منتصرة عسكريا ومصر منتصرة سياسيا. تدخلت أيضا في حرب العبور بجسر جوي أنقذ إسرائيل من كارثة عسكرية كادت أن تكون محققة، وقادت معركة وقف إطلاق النار خدمة لمصر. وفي المقابل فرضت على الطرفين مفاوضات أفرزت اتفاقيات سلام لا تزال عليها مآخذ غير قليلة.
حرب فلسطين
كانت مثيرة خلال الأيام القليلة الماضية وفق ما يرى جميل مطر متابعة تطورات الوضع في حرب غزة، أو حرب فلسطين كما يجب أن تسمى، في سعينا لتوقع اللحظة في هذه الحرب التي تستوجب تدخل واشنطن لتغيير دفة الحرب، أو بالأصح لمنع توسعها وتمددها نحو آفاق قد يستحيل عندها تحقيق الأهداف الرئيسية لهذا الصراع. أنا شخصيا صرت مع الوقت أستبعد احتمال أن تترك أمريكا الأمور في الحرب وفي الشرق الأوسط عامة تتطور بالكامل، نحو وضع لا تشارك في صنعه، لاعتقادي أن مدرسة كيسنجر لا تزال هي الحاكمة في دوائر صنع القرار الاستراتيجي في واشنطن، ولاعتقادي أيضا أن تغيرا ممكنا أو واقعا بالفعل صار يهدد ثبات واستقرار بعض القواعد السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، نتيجة الأزمة الناتجة عن هذه الحرب. لاحظنا جميعا على امتداد الأزمة إلى أي حد ذهبت الولايات المتحدة، لتثبت لمختلف الأطراف موقعها من هذا الصراع. رسخت قواعد انحيازها ووضعت حدودا وهددت علنا وسرا بأفعال ضد من يتجاوز، أو حتى يقترب من هذه الحدود. تشاورت مع دول عديدة في الإقليم حول التمسك بصفة الإرهاب لحماس، وبالتالي ضرورة إسقاطها نهائيا من معادلة الصراع. حاربت إلى جانب إسرائيل بكل أدوات الحرب ما عدا الأفراد، وأقولها بتحفظ. لم تخجل أمام حلفائها العرب لكونها منحازة، لم تأبه لغضب الشعوب العربية وشعب فلسطين في المقدمة. جرجرت دول حلف الأطلسي إلى مواقف مبالغ فيها وخارجة عن مواثيق الحقوق والعدالة وحق تقرير المصير وانتهاء عصر الاستعمار، وكلها يفترض أن تكون من «ثوابت» وأخلاقيات السياسة في الحلف الغربي. بالتدخل الأمريكي الفاضح والواضح في شؤون إسرائيل الداخلية والحساسة يجازف الرئيس بايدن وكثيرون من أعوانه ومن المرشحين للكونغرس في انتخابات الخريف بمواجهة صريحة وللمرة الأولى مع الجماعة الصهيونية الأمريكية. ليس هذا فقط ما يقلق المفكرين السياسيين فهناك على مرمى النظر أوضاع كثيرة سوف تتعرض للتغيير بسبب هذه الحرب الدائرة في فلسطين أو في أعقابها أيا كانت نتائجها. أجازف بقول يستحق النقاش الهادئ، أجازف فأقول إن أمريكا لن تقدر على استعادة «الوضع القائم قبلا» سواء في الشرق الأوسط، أو في افريقيا أو في فنائها الخلفي، بل لن تقدر بحالتها الراهنة وبحلفها المنهك والمضطرب على المحافظة على الوضع القائم في أغلب أنحائها.
بايدن يتهاوى
في تاريخ 29 أغسطس/آب الماضي، ووقت أن كان مستبعدا دخول ترامب دائرة المنافسة الانتخابية كتب عبد المحسن سلامة مقالا في “الأهرام” توقع فيه دخول ترامب الانتخابات الرئاسية وفوزه فيها، وقد حدث الشق الأول من التنبؤ، ودخل ترامب الانتخابات الرئاسية، وفاز على كل منافسيه، وكذلك تغلب بشكل مؤقت على المشكلات القانونية، بما يسمح له بدخول الانتخابات، بعد أن حكمت المحكمة العليا بأهليته للترشح عكس حكم محكمة الدرجة الأولى التي حكمت بعدم أهليته للترشح. ترامب أكد في خطاباته الانتخابية الأخيرة أنه قادر على طرد بايدن من البيت الأبيض، وأعتقد أنه قادر على ذلك، وسوف ينفذ ما يتمناه من طرد بايدن من البيت الأبيض. مشكلة بايدن أنه رئيس «شرير» بكل ما تحمل الكلمة من معان، فهو يظهر عكس ما يبطن، وتعتقد أنه صديق، وهو ألد الأعداء، وهذا ما يفعله الآن مع العالم العربي بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص. يتكلم عن حل الدولتين، وعن المساعدات الإنسانية لغزة، وعن إسقاط المواد الغذائية للجوعى من الأطفال والنساء، وفي الوقت نفسه يتركهم لأسوأ مذبحة إبادة في تاريخ الإنسانية بعد أن وصل عدد القتلى إلى أكثر من 30 ألف قتيل، والمصابين إلى أكثر من 70 ألف مصاب. وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أكد في شهادته خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب الأمريكي، أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 25 ألف طفل وامرأة من الفلسطينيين منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو أول اعتراف رسمي أمريكي بعدد القتلى من الأطفال والنساء والفلسطينيين.. أي أكثر من 25 ضعفا من عدد القتلى الإسرائيليين في هجوم 7 أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1160 شخصا معظمهم من العسكريين والمستوطنين. رغم ذلك لا تزال إدارة بايدن تحمي إسرائيل من الملاحقات الدولية، وتمدها بالسلاح والمال والعتاد في حربها الدموية ضد شعب فلسطين الأعزل في غزة. الأكثر من ذلك أنها أسهمت في إفشال إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف القتال 3 مرات، ومنعت إصدار بيان رئاسي لإدانة مذبحة طوابير الجوعى، ولا تزال حتى الآن تراوغ في وقف الحرب.
ثروة ميتة
لأن الحديث عن صفقة استثمار “رأس الحكمة” لم ولن ينتهي، نصح المهندس محمد عبدالحليم، مسؤول ملف الزراعة في حزب التجمع، عماد فؤاد في “الوطن” بضرورة البحث عن كتاب «رأس المال الميت» الذي صدر قبل أكثر من 25 عاما لباحث مكسيكي، لم يتذكر اسمه، وأشار المؤلف إلى مصر كنموذج لرأس المال الميت، ويقصد به ذلك المال أو الأصل غير المستخدم، أو الذي لا يستفيد أحد منه، أو الذي لا يُستخدم بحكمة لتعظيم العائد من ورائه. وأكد القيادي التجمعي تأييده لمشروع «رأس الحكمة» كأفضل استثمار لرأس المال غير المستغل في مصر. عقب ثورة يوليو/تموز 1952 اعتمدت مصر عدة تجارب تنموية، وتراوحت نسب نجاحها، وبعد عشرات السنين وجدنا أنفسنا خارج المنافسة، واقتصادنا بعيد عن أي معدلات إنتاجية تسمح باندماجنا في الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه ابتعدنا كثيرا عن قواعد العدل الاجتماعي، وسرقنا الوقت الذي لم نقطعه فقطعنا هو، لنقف متفرجين على دول سبقتنا، بعد أن كانت ترانا النموذج الملهم، والأكثر تقدما عنها في كل المؤشرات. نامت ضمائرنا على المقولة الزائفة «إن مصر فقيرة لقلة مواردها الطبيعية»، وهي عبارة لا تستقيم مع الواقع الذي نعرفه عن بلدنا الذي تبلغ مساحته نحو مليون كيلومتر مربع تعادل مساحة كل من فرنسا وألمانيا مجتمعتين، وتطل على بحرين، وشواطئها تتعدى الثلاثة آلاف كيلومتر، ولديها نهر يتجاوز طوله 1500 كيلومتر، و14 بحيرة، ومساحات شاسعة من الصحارى الحبلى بالثروات المعدنية والمحجرية.
المحلي والأجنبي
كل المقومات والأصول التي حدثنا عنها عماد فؤاد ظلت على مدى آلاف السنين على حالها كرأس مال ميت، ولم نحسن التعامل معها، وظللنا نلف وندور، ونتكاثر ونموت، على نسبة من الأراضي المأهولة بالسكان تقدَّر بحوالي 78 ألف كيلومتر مربع تقريبا، أي ما يعادل 7.8% فقط من مساحة مصر. مصر الآن تحقق قفزات ملموسة نحو الجمهورية الجديدة، التي ولدت من رحم ثورة 30 يونيو/حزيران الأعظم في التاريخ الإنساني كله، وحسبما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي – قبل عامين- في الذكرى السبعين لثورة 23 يوليو/تموز 1952: «إن مصر تسير بخطى ثابتة وواثقة، من أجل الانطلاق إلى الجمهورية الجديدة، جمهورية التنمية والبناء والتطوير، وتغيير الواقع، جمهورية تؤسس نسقا فكريا واجتماعيا وإنسانيا شاملا، وبناء إنسان ومجتمع متطور»، وعن شخصي فإننى أصدق ما أكده من: «أن البلاد قادرة على التغلب على الظروف المعاكسة، التي تسبب فيها الكثير من الأحداث والتطورات الدولية «مستهدفا مضاعفة المساحة المعمورة من 7٪ إلى 14٪، بإنشاء مجتمعات جديدة كامتدادات في الظهير الصحراوي للمدن القائمة، وإنشاء مدن جديدة، وخلق فرص تنموية، وتوفير فرص عمل، لجذب الزيادة السكانية إلى خارج وادى النيل. المخطط وضع آفاقا جديدة للتنمية والنهضة العمرانية، وتضمن تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات – لم يقف عند مجرد إنشاء المدن فقط.
عبر مشروعات عملاقة موزعة جغرافيا في كل المحافظات، والاهتمام بتطوير البنية التحتية، والشبكة القومية للطرق، وإتاحة الفرص الجاذبة للاستثمار الخاص (المحلي والأجنبي)، وتحفيز المطورين العقاريين على المشاركة في تنفيذ المخطط الطموح. ولم تهمل الجمهورية الجديدة في مخططها الاستراتيجي، مصر القديمة (فى الوادي والدلتا، لكنها قررت اصطحابها إلى المستقبل، بإعادة إعمار الريف المصري بمشروع «حياة كريمة»، والقضاء على العشوائيات التي لا تليق بأي جمهورية، سواء كانت جديدة أو قديمة.