«مدد يا أهل المدد»، فقد هرمنا ونحن نطلب بعدم اخضاع ما يجري على «مسرح اللامعقول» في مصر للتحليل السياسي، الذي يعجز عن فهمه وتفسيره، ويظل المحلل السياسي يشرح ويوضح، فيكون طحناً بلا طحين، لأنه أمر متصل بالمدد، ويمكن فهمه في سياق المدد وأهله!
وهو واحد من أنماط التحليل المهجورة، بقوة الهيمنة السعودية، التي يرى مذهبها الديني في «المدد وأهله» نوعا من الضلال، قد يصل بصاحبه إلى الشرك بالله، لكن السعودية الآن في مرحلة تحول، ولن نفاجأ لو طل علينا فقهاء المملكة بفتوى تبيح التبرك بالأضرحة، والاستغاثة بالأولياء، أحياء وأموات، على أن يكون أول ضريح في المملكة هو ضريح العارف بالله حضرة ولي العهد، حفظه الله ورعاه! قديما قبل ثورات الربيع العربي شاركت في ندوة تلفزيونية على مدى عشرة أيام متصلة حول البديل للأنظمة الحاكمة، وقد كان الكلام كله في السياسة، قبل مداخلة ممثل الوهابية، الذي قال إن مصر لن تقوم لها قائمة ما دامت توجد بها الأضرحة، وأن من بين المصريين من يتبارك بها، وأزعجني هذا المنطق، وإن لم يدهشني، فقد قرأت صغيراً رسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب، وأعرف كيف يفكر القوم، وسر الانزعاج هو استدعاء هذا الكلام في مقام السياسة، لكن لا بأس فنحن نشهد انقلاباً على الفكر السلفي الآن، من التشدد للتحلل، ليتماشى مع المرحلة الجديدة، وهي ليبرالية الشكل، عندما تصبح الحرية في إقامة ملهى ليلي، وليس في إقرار حق الشعب في اختيار حاكمه، وليس هذا موضوعنا!
فهيمنة السلفية منعت دون الوصول لفهم ما يجري في مصر، بالنظر إليه على أنه عمل سياسي، وقد صار على إثره أساتذة العلوم السياسية على الشاشات كـ «ليمونة في بلد قرفانة»، مع الفشل في فهم الحالة باخضاعها لهذا للاتجاه، واستبعاد المنهج القادر على مهمة الشرح، والتفسير، والتنبؤ، وهو غاية البحث العلمي، وهو المنهج الصوفي، حيث المدد وأهل المدد، وحيث نتذكر هذا الصوت الصائح عبر أثير الإذاعة المصرية عندما تنقل صلاة الفجر من المسجد الزينبي: «السيرة العظيمة الكريمة باسم ستنا السيدة زينب». لقد مات صاحب هذا الصوت منذ سنوات قليلة، رحمه الله رحمة واسعة. في الأسبوع الماضي، وعند افتتاح دورة كأس الأمم الأفريقية، كان إعلام النظام قد احتشد قبلها وحينها، ليقدم انجازاً للعالم، ومصر في هذه المرحلة الدقيقة مشغولة بالعالم، فحديث المسؤولين دائماً يضع «العالم» في جملة مفيدة، فوزيرة الصحة مثلاً، نقول إن تجربة مصر الصحية في عهد السيسي أذهلت العالم، ووزير التعليم يتحدث عن تجاربه الفاشلة باجماع الأئمة بأنها أذهلت العالم أيضاً، والذي كان ينتظرها على أحر من الجمر لينقلها، والسيسي قال بما معناها أن «العالم» يأتيه من كل فج عميق، ليأخذ منه الحكمة، ويعرض عليه مشاكله ويأخذ منه الحلول، باعتباره فيلسوف العالم!
فاتح عكا
فقد كان القوم يخططون في الافتتاح لإبهار «العالم»، فبدا السيسي كالذي دخل جنته وهو ظالم لنفسه، فالجيش بما عُرف عنه من جدية وقدرة على الإنجاز هو من يتولى الأمر (لا يثق السيسي في المدنيين أبدا)، وقد عهد بالمهمة إلى شركات أجنبية، مع أن جهاز الهندسة الاذاعية في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ينافس كبريات الشركات الأجنبية، لكنها عقدة الخواجة!
والحال كذلك، فإن نسبة الخطأ لا بد وأن تكون صفراً، وجاء موعد كلمة الافتتاح ليلقيها فاتح عكا، في مشهد رأى القوم أنه يمكن أن يعوض الفشل في السياسة والحكم، ويمثل مجالاً لممارسة الوطنية الزائفة، وقد أخفق الحاكم العسكري في المجال الجاد منها ففرط في التراب الوطني وتنازل عن جزيرتي «تيران» و»صنافير»، وقيل للناس إن الوطنية في استاد القاهرة، وقد خرجت دار الإفتاء المصرية عن مقتضى الواجب الوظيفي، وأفتت بضرورة احتشاد المصريين لتشيجع منتخبهم الوطني.. فهذا هو الرباط.. هذا هو الرباط!
وقف السيسي ليفتتح الدورة التاريخية، والتي تستمد تاريخيتها من مشاركته فيها، فإذا بصوته يخرج بالطريقة التي استمع لها العالم، وحول المشهد كله إلى أضحوكة، واحتارت البرية في فهم ماذا هناك؟! لأنها بعيدة عن «المدد»، فالسيسي الذي يعتمد على نظام المهرجانات في تحقيق انتصارات تخطف العيون، ومن أول ما سمي بالمؤتمر الاقتصادي، إلى تفريعة قناة السويس، لم يحدث أن اكتمل انتصار له، فكل مهرجاناته تنتهي بهذا الشكل، وبدا في كل مرة كالمربوط في «ليلة دخلته»!
إن المسؤول عن مبكرات الصوت البدائية في الأفراح الشعبية، يظل النهار كله يجرب في أجهزته استعداداً لليلة «المفترجة»، ويظل اليوم كله يخفض الصوت ويرفعه، وهو يزعج الجيران: «ألو..ألو..2..4..6..8..10.. ألو»، إلى أن يصل لمستوى الصوت المناسب، وما دمنا في رحاب المدد، فمرة واحدة عاصرت فيها مشكلة في مكبرات الصوت بعد يوم كامل من التجريب، وكان هذا بفعل فاعل، والفاعل هو مالك المعدات؛ إذ ظل يومه كله يجرب عملية تخريب الليلة!
كان هذا في بداية ظهور المنشد الديني الشيخ ياسين التهامي، وفي أول حلفة له في بلدتنا «جهينة» من أعمال محافظة سوهاج، يقول أهل المدد «ليلة» ولا يستخدمون وصف «حفلة»! وكان صاحب مكبر الصوت وماكيناته هو «منشد محلي»، أراد أن يوقف هذا المد لهذا النجم العابر للمحافظات في مهده، و»التهامي» من «الحواتكة» من أعمال محافظة أسيوط، لكن خبرة المنشد الشاب، أمكنته من ضبط الايقاع، واسقاط المؤامرة! وفي حالة عبد الفتاح السيسي بدا أن أهل الاختصاص فوجئوا بالأمر فعقدت الدهشة قدرتهم على التصرف، فلم نشاهد في أي وقت من إلقاء السيسي لكلمته أي محاولة لانقاذ الموقف، فقد ظل صوته كما هو، بالشكل الذي استمعنا اليه وكانت «ليلة لأهل الله»! هل كانت المشكلة في الصوت ونتيجة أن السيسي يتكلم من داخل حجرة من الزجاج؟ هكذا قال البعض، لكن هناك من سبقه بالكلام من ذات الغرفة الزجاجية، ولم تظهر أية مشكلة.. فماذا هناك؟!
قطر متهمة
في التو واللحظة بدا هناك توجيه صدر لميليشيات الأجهزة الأمنية على الـ»سوشيال ميديا»، وعلى طريقة: «تم الإرسال من جهاز سامسونغ» للمذيعة التي قرأت خبر الرعاية الصحية التي تلقاها الرئيس محمد مرسي في محبسه قبل وفاته، فأبت إلا أن تترك دليلاً على أنه ليس خبراً صحافياً، ولكنه التوجيه الأمني المتحكم في الإعلام المصري، فلم ينتبه الذين وضعوا الخبر على شاشة المذيع أن يحذفوا الزوائد، ربما لأنه وصلهم الخبر في التو، وكان الأمر قراءته في اللحظة، فقرأت المذيعة المرسل نصاً بخاتمته «تم الإرسال من جهاز سامسونغ»!
لقد تحركت الميليشات الإلكترونية في اتجاه إدانة قطر، وقناة «بي. إن. سبورت» القطرية، وكانت الرسالة تستهدف تأجيج المشاعر الوطنية، ورأيت أنه من المناسب أن تصدر القناة بياناً توضح فيه ماذا جرى؟ صحيح أن الاتهام لم يكن من جهة مسؤولة، لكن هذه الحملة كانت تلزم بالرد والتوضيح، ولا يجوز التعالي عليها، ثم إنها ملزمة بالاعتذار للمشاهد عن أزمة الصوت الذي كان ينبغي أن يتضمن توضيح أسبابه، لكن تم الصمت على نحو يمكن رسالة سامسونغ من النجاح، وتحريض المصريين على الركون لفكرة المؤامرة القطرية على الرئيس الموهوب، بغية تشويهه والتشهير به.
لكن لأننا في معية المدد، ولأن ربك بصير بالعباد، فقد جاء الدليل في الصباح على برأة «بي إن سبورت» من المؤامرة على صوت السيسي، لقد تم الترويج لفيديو من داخل الاستاد، لإلقاء السيسي لكلمته فإذا هي النغمة نفسها، وإذا بضحكات الجمهور تتعالى عند كل مقطع، ولا تتولى «بي إن» البث داخل الملعب الذي تقام عليه المباراة، ثم تبين أن عملية النقل ليست مسؤولية القناة القطرية، التي تلتقط الإشارة فقط، وغير هذا هو مسؤولية الدولة التي تقام على أرضها المبارايات، ومع التأكد من أن قطر وقناتها ليستا طرفا فيما حدث، مما يؤكد أن رداءة الصوت من المصدر، كان البحث عن سبب ما جرى!
لقد قاموا بالترويج بأن مهندس الصوت «إخواني» وأنه وراء إفساد «الليلة الكبيرة»، وأنه يخضع للتحقيق، وكان التساؤل: ومن سمح له بالدخول والمشاركة في هذا العمل الكبير، دون أن يقولوا من هو مهندس الصوت، وأي جهة تتولى التحقيق معه، لأنه من الواضح أنه لا مهندس صوت تم القبض عليه، ولا أحد يخضع للتحقيق.. فمن المسؤول عن ذلك؟!
برنامج «المسائية» على قناة «الجزيرة مباشر» استضاف مهندس صوت، يبدو من لكنته أنه تونسي، أو جزائري، أي ليس مصرياً، أفتى ببراءة مهندس الصوت، فصوت السيسي خرج هكذا، وذلك بمطابقة حركة الشفاة مع الكلمات الخارجة من الفم، لكن مهندس صوت آخر في برنامج «سيد علي» على إحدى القنوات المصرية، لف ودار، وذكر أكثر من سبب لرداءة الصوت، إلى أن وصل إلى واحد من الاحتمالات وهو تورط «بي إن سبورت»، فأمسك المذيع في هذا الاحتمال باعتباره الوحيد. لا بأس، فالقناة القطرية قامت بتشويه صوت السيسي، فلماذا لم يبدأ تحقيق في الأمر حتى الآن، رغم مرور أكثر من أسبوع، وتم تجاوز ما جرى، مع ما أنتجه من فضيحة تغنى بها الركبان، وهو أمر له علاقة بالمدد، ليس فقط لأنه لا نصر لصاحبهم، حتى وإن كان وهمياً، ولكن أيضاً لأنه إذا كانوا قد أعلنوا أن بدء مباريات كأس الأمم الأفريقية ستغطي على وفاة الرئيس محمد مرسي وما أثرته من ملابسات، فقد كان الرجل هو الحاضر الغائب في عملية الافتتاح!
فوجود السيسي داخل غرفة زجاجية، ذكر بالقفص الزجاجي الذي كان يوضع فيه الرئيس أثناء محاكمته، ورداءة صوت السيسي، ذكرت بصوت الرئيس الممنوع من الخروج من القفص، مع فارق لصالح الرئيس الشهيد، لأنه تم وضعه في القفص قسراً، بينما السيسي فيه خوفا، وصوت الأول منع عمداً، بينما صوت الآخر فسد قدراً.
فمدد يا أهل المدد.. مدد بلا عدد!
صحافي من مصر
قراءة صحيحة وتحليل بارع ليس غريبا على صحفي وكاتب اسمه سليم عزوز ،هكذا عهدناه ومن يقرأ مقالاته وكتاباته لا يمل ولا يكل.
لله درك يا استاذ سليم. . . التسليم لك ولقلمك الحر. . . مقالاتك دائما ممتعة وهادفة…نقدية وسخرية متحضرة … خاصة في الشأن المصري كما قطعت على نفسك …امتعتنا حفظك الله ورعاك. … مدد مدد يا أهل المدد
بدا في كل مرة كالمربوط في «ليلة دخلته»!—- هههههههههه
يستحق شعب 30-6 هكذا رئيس! لقد خسر الشعب المصري أنبل رئيس بتاريخ مصر, رحمه الله ولا حول ولا قوة الا بالله
صدقت يا أخى الفاضل “الكروي داود”, ما يقرب من نصف الشعب المصرى -الذى أنتمى إليه- يعشقون العبودية للطغاة السفاحين الخونة الكفرة … فلا عجب أن قصة السفاح الكافر فرعون, وهى أكثر قصص القرآن الكريم تكراراً, قد وقعت أحداثها كلها على أرض مصر!!
.
لم يعد فى مصر وسط أبداً .. فإما أُناس كالملائكة, وهؤلاء قتلى أو معتقلون أو مطاردون أو مشردون … وإما عبيد تحت نعال أحذية الطغاة, وهؤلاء يستحقون السيسى