مدغشقر .. دعوات لإنقاذ الجنوب من المجاعة

حجم الخط
0

أنتاناناريفو- الأناضول  – المجاعة، أو ما يصطلح سكان مدغشقر على تسميته محلّياً بـ “كيري”، عادت لتخيّم بثقلها على المناطق الجنوبية للجزيرة الكبيرة. ففي “أندروي”، استشرت المجاعة بين السكان منذ سنوات عديدة في السابق، لتعاود الظهور مؤخراً، متسبّبة في مصرع العشرات.

آفة تعدّ نتاجا لنقص الغذاء قبل أن تتطوّر لتصل أسوأ مراحلها على الإطلاق، وتتغذّى في هذا البلد من الجفاف الناجم عن ظاهرة “النينو”، والتي تحدث كل 3 سنوات بفعل تسخين القسم الشمالي للمحيط الهادي، ما يتسبّب في تبدّلات مناخية في جميع أرجاء المعمورة، من ذلك الجفاف والفيضانات وتدمير المحاصيل الزراعية.

وبحسب تقارير إعلامية محلّية، فإنّ المجاعة أو “الكيري” تتسبّب يومياً منذ مطلع العام تقريباً في وفاة شخصين إلى 10 أشخاص، بدون اعتبار الوفيات غير المعلن عنها. وضع إنساني حرج تسعى الحكومة الملغاشية إلى التصدّي له بشتّى السبل، غير أنّ الجفاف الحاد وغياب الدعم الكافي والفعّال من جانب المجتمع الدولي، بلغ بتلك المجهودات إلى طريق مسدودة.

وفي مطلع شهر فبراير/شباط الماضي، أعلنت وزارة السكان والإحاطة الاجتماعية وتطوير المرأة في مدغشقر، وفاة 3 أشخاص بسبب سوء التغذية الحاد، وقد دفع هذا الإعلان الفاعلين المحليين إلى التعبئة الفورية لوقف المجاعة التي تحصد أرواح السكان.

وفي 19 و20 فبراير/شباط الماضي، عقدت مشاورات محلية في مدينة “أمبوفومبي” جنوبي مدغشقر، من أجل التوصّل لحلول دائمة لآفة المجاعة في هذه المنطقة الجنوبية. مبادرة لقيت دعماً من طرف العديد من الفاعلين المحليين والدوليين، خاصة من ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدولية، من ذلك صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى منظمات أطباء بلا حدود، والتعاون الألماني والصحة العالمية وغيرها.

أونيتيانا ريلي، وزيرة السكان والإحاطة الاجتماعية وتطوير المرأة في مدغشقر، قالت معقّبة عن الموضوع: “ينبغي أن نتجاوز الماضي، لنجد حلولاً دائمة للمستقبل بهدف انقاذ أبناء بلدنا من هذه المجاعة”.

وعقب يومين من هذه المشاورات، توصّل أعضاء الحكومة الملغاشية المشاركين إلى توقيع بيان يتضمن 21 تعهداً لمواجهة الجفاف والمشاكل الناجمة عنه جنوبي البلاد. كما التزمت الحكومة بدعم إمدادات المياه للمناطق الجنوبية، عبر إعادة تأهيل وبناء مجمّع للمياه (نظام لتجميع مياه الأمطار) وضمان ديمومته، وربطها بهذا المورد الحيوي، اعتماداً على تقنية تساعد على جلب المياه من مصدرها عبر شبكة نقل نحو مناطق الاستهلاك، من خلال صيانة السدود وإعادة تأهيل وبناء الآبار لدعم الزراعة وتربية الماشية والصيد البحري وإعادة تشجير الغابات على نطاق واسع.

من جانبه، وعد الرئيس المالغاشي، هري راجاوناريمامبيانينا، خلال زيارة أجراها مؤخراً إلى منطقة “أندروي” بالجنوب، بمعالجة مشكل إمدادات المياه الصالحة للشرب، والذي يعتبر من أبرز أسباب الجفاف في المنطقة الجنوبية للبلاد، في حين أكّد مجلس وزاري عقد في الـ 22 من مارس/ آذار الماضي، الصبغة العاجلة والملحّة لمسألة المجاعة، من خلال إعتماد مرسوم “بيان الأضرار الناجمة عن تدهور الأمن الغذائي والتغذية جنوبي مدغشقر”.

آفة تهدّد بتحوّلها إلى كارثة إنسانية، ترجعها الدولة الملغاشية إلى قلة التساقطات المسجلة جنوبي البلاد منذ بداية عام 2015. فمناخ هذه المنطقة شبه جاف، وتسجل سنوياً معدلات هطول أمطار تتراوح من 0.5 إلى 0.7 متر مكعّب، بحسب الأرقام الرسمية، وهو ما تسبّب في ظهور حالة من الجفاف المستمر، تسبّبت في دورها في تداعيات سلبية على الحياة اليومية للسكان، وألحقت أضراراً كبيرة بأمنهم الغذائي.

وبحسب نتائج دراسة نشرها برنامج الأغذية العالمي، في فبراير/ شباط الماضي، فإنّ التغيرات المناخية أثّرت سلبياً على أكثر من مليون ملغاشي، ممن تضرّروا من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يمثّل 80 % من سكان المناطق الريفية في الأقسام الـ 7 لأعماق الجنوب الملغاشي (أمبواسارس، أمبوافومبي، تسيهومبي، بيلوها، بيكيلي، أمبانيهي وبيتيوكيه).

ويعاني 475 ألف و523 من هؤلاء الأشخاص (34 %) من انعدام الأمن الغذائي بشكل معتدل، فيما يواجه 663 ألف و484 منهم (47 %) الوضع نفسه لكن بشكل حادّ وخطير، وفق المصدر نفسه، في وقت تتكثّف فيه الجهود المحلية مدعومة بأخرى دولية لإنقاذ منطقة يخشى أن تأخذ الأوضاع فيه منحى الكارثة الإنسانية.

ورغم الحلول التي تبنتها الحكومة المالغاشية وشركاءها، على المدى القصير والطويل، إلا أن آخر التقديرات تشير إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، إضافة إلى قلة الموارد المتوفرة في المناطق المعنية.

ولم تتمكن مشاريع إمدادات المياه (التي أقرها الرئيس السابق ديدييه راتسيراكا/ 1975- 1993/ 1997- 2002)، من القضاء على هذه الآفة.

ولإيجاد حلول عاجلة، دعت الحكومة الملغاشية في نهاية مشاورات فبراير/شباط الماضي، إلى جمع الأموال الضرورية لتمويل “خطة الاستجابة والإنعاش المبكر”، بقيمة 69.7 مليون دولار، كما من المنتظر أن تطلق نداءا للحصول على الدعم الدولي، على هامش مؤتمر المانحين والمستثمرين الخواص، المقرّر موفى النصف الأول من العام الجاري في العاصمة الفرنسية باريس.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية