الدوير: في مركز إيواء مؤقت قرب دمشق، يتملك القلق مدنيين أخرجهم الجيش السوري من بلدة مسرابا بعد سيطرته عليها، خشية على أفراد عائلاتهم الذين ما زالوا محاصرين داخل مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، قرب دمشق.
وتعرب ريما الشيخ بزينة (40 عاماً) بعدما خرجت مع زوجها وأربعة من أولادها عن حزنها لتركها ابنتها لمصيرها دون أن تعلم شيئاً عنها.
وتقول لوكالة فرانس برس وهي ترتدي وشاحاً ومعطفاً أسود وتجلس على بساط في زاوية إحدى غرف مركز الايواء، “لم أر ابنتي منذ شهر، تمنيت لو تأتي الى هنا”.
وتضيف السيدة بحسرة “ذهبنا لتفقدها في القبو حيث كانت تقيم لكنها كانت قد غادرت مع زوجها. لم أتمكن من إحضارها معي أو وداعها، انها حسرة بقلبي ولكن ليس باليد حيلة”.
خصصت الحكومة السورية مركزاً لايواء المدنيين الذين يتم اخراجهم من الغوطة الشرقية في منطقة الدوير في ريف دمشق، كان عبارة عن معسكر للتخييم يضم صالات رياضية قبل اندلاع النزاع قبل سبع سنوات.
ووصلت منذ السبت الى هذا المركز 17 عائلة مؤلفة من 76 شخصاً، من نساء ورجال وأطفال، قدموا من بلدة مسرابا إثر سيطرة الجيش السوري عليها.
وخصصت غرفة لكل عائلة من اجمالي 82 غرفة معدة لاستقبال النازحين في ملعب رياضي مغلق، وتفصل بينها ألواح خشبية. وتم تزويد كل عائلة بفرش سوداء وبطانيات وأدوات مطبخ وصناديق تحوي مساعدات غذائية ومواد تنظيف تحمل شعار الهلال الأحمر السوري.
كما تم تجهيز المركز بمرافق صحية مشتركة.
– “ليحفظهم الله”
بدأت القوات الحكومية في 18 شباط/ فبراير حملة عسكرية على الغوطة الشرقية، تخللتها غارات كثيفة وقصف مدفعي، وتبعها هجوم بري تم بموجبه فصل مناطق سيطرة المقاتلين الى ثلاثة جيوب.
في غرفة مجاورة، تعبّر رويدا عبد الرحيم (45 عاماً) عن حيرتها وهي تمسح الدموع عن وجنتيها الشاحبتين فيما يتجول أبناؤها حولها. وتقول لفرانس برس “فرحة لخروجي وحزينة لأنني لا أستطيع التواصل مع ابنتي التي وضعت مولودها” حديثاً.
وتروي “غادرت مع زوجها إلى دوما، وكنت أتمنى لو كانت معي لأرعاها أو أبقى بجانبها” بعدما خضعت لعملية ولادة قيصرية يوم بدء العملية العسكرية على الغوطة الشرقية.
وتضيف رويدا “لا أعرف عنها شيئاً وأشعر بالحزن لأنني لا أستطيع الاطمئنان عنها”.
تمكنت القوات الحكومية من استعادة نحو 60 في المئة من المنطقة التي كانت تحت سيطرة الفصائل المقاتلة منذ العام 2012.
وتصلي ميساء عيون (32 عاماً) لأمها واخوتها الذين غادروا الى جسرين وعربين، وهما بلدتان ما زالتا تحت سيطرة الفصائل المعارضة، متضرعة “الله يفرج عنهم”.
وتقول وهي ترفع عينيها الى الأعلى “أدعو أن يحفظهم الله.. لا أريد شيئاً الا سلامتهم، الروح لا تُعوّض”. وتضيف وفي عينيها لمعة، انها قد لا تصدق عينيها “لو رأيتهم في الدفعة المقبلة”.
– “عانينا الأمرين”
ومع تقدم المعارك، نزح المدنيون الى بلدات أخرى داخل الغوطة الشرقية ومن بينهم عرفات فرحات، الذي كان يقيم في قرية زبدين قبل أن ينزح إلى مسرابا.
ويتحدث عن معاناته خلال المعارك “عانينا الأمرين (…) كان أطفالي يأتون إلي ويقولون لي (بابا لا نريد أن نموت) هنا”.
ويتابع الرجل الأربعيني بصوت متقطع “أحسست حينها بغصة كبيرة وتمنيت الموت قبلهم في سبيل أن يعيشوا، لا أصدق اننا ما زلنا على قيد الحياة”.
ويأمل هذا الرجل الذي عمل سابقا في البناء، أن يتمكن من إيجاد عمل “لأشتري لهم كل ما يريدون الان”، مضيفاً بحسرة “لدي طفل لا يعرف الموزة أو التفاحة”.
خارج المركز، يركض أطفال بثيابهم الملونة ويلهون مع آخرين لجأوا الى المركز منذ سنوات النزاع الاولى.
وينهمك متطوعون في الهلال الأحمر السوري في معاينة عدد من المرضى.
ورغم الأمان في المركز، يعتصر الحزن قلب سعيد حسن يحيى (72 عاماً) لأنه لا يعرف شيئاً عن عائلته الموجودة في مدينة دوما، أكبر مدن الغوطة الشرقية.
ويقول هذا المسن الذي يمتلك أرضا زراعية وكان يرعى الأغنام “أتمنى العودة الى عائلتي ورؤيتهم”.
ولا يتمالك دموعه ويقول بحرقة “بعدما أصبحت في هذا العمر، (هل يمكن أن) أعيش من دون أولادي؟ كل ما اتمناه هو أن أراهم، اشتقت إليهم كلهم”. ويضيف “لا أريد من الدنيا أي شيء آخر”.