الناصرة ـ «القدس العربي»: يقول رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب الجنرال في الاحتياط تامير هايمان هايمن إنه من أجل اتخاذ القرار بشأن الرد على تحدّي حزب الله واستعادة الأمن على الحدود الشمالية، علينا أولاً أن نفهم السياقين الخارجي والداخلي لاتخاذ القرارات والتحديات الماثلة أمامنا- وفحص ما إذا كنا تعلمنا من الحرب، حتى الآن، ما يسمح لنا بتحقيق أهداف الحرب في الشمال، والوصول إلى أقصى إنجاز ممكن، بأقل ثمن ممكن، وبأقصر وقت.
وحسب تحليل هايمان المنشور في موقع القناة 12 العبرية فإن في السياق الخارجي، تزعزعت مكانة إسرائيل كقوة إقليمية. وتراجعت صورتنا كدولة قوية عسكرياً، لديها قدرة على الابتكار. ويتابع: «الرواية المعادية للسامية، ومفادها أن إسرائيل مدعومة من يهود العالم تتصاعد، وباتت معاداة واضحة للسامية، تقوم على أساس كراهية اليهود لأنهم يهود. إسرائيل تقف أمام تهديد عزلة دولية. إيران والمحور ينجحان، في رأيهما، في إنقاذ حماس من الإبادة، عبر الضغط العسكري الذي يقومان بتفعيله في شمال البلد. الدعم الأمريكي الذي وصل خلال الحرب إلى الذروة، تكتيكياً، لا يمكن الشعور به سياسياً، ومَن ينظر من الخارج (إيران ودول الشرق الأوسط) يفسّر ما يحدث بأنه تصدّع في العلاقات بين واشنطن والقدس».
أما السياق الداخلي فيرى هايمان أن هناك إشارات مقلقة داخل إسرائيل إلى أزمة قيادة: انتقادات في الجيش النظامي لهيئة الأركان، وتعب في منظومة جيش الاحتياط – وفي هذا السياق، يجب التذكير بأن هذا التعب غير محصور فقط في جيش الاحتياط. وحكومة إسرائيل الضيقة لا تحصل على شرعية لخطواتها من جميع أطياف المجتمع الإسرائيلي، وأحياناً، من أغلبيته. هذه القضية مصيرية في سياق حرب شاملة في الشمال لن تكون شبيهة بأيّ حرب شهدتها الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ويرى أنه في هذا السياق المعقد، هناك حاجة ملحة إلى إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن، وإعادة الشعور بالأمن والأمان.
بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، يجب الافتراض أن إعادة الثقة والأمان إلى سكان الشمال بالمؤسسة الأمنية هي المهمة الأصعب. الثقة بالاستخبارات والردع تراجعت، والثقة بقدرة الدفاع لدى الجيش محدودة، والشعور العام، الذي يتأثر بالسياقين الداخلي والخارجي اللذين ذكرتهما سابقاً، يشير إلى أن الردع الإسرائيلي نحو الخارج أيضاً تراجع. لذلك، وقبل شنّ حرب على لبنان، علينا إدراك التحديات والإسقاطات والعبر التي يجب تطبيقها من أجل اتخاذ القرار الصحيح الآن.
التخوف من غياب الدعم الأمريكي
التحدي: ويعتبر هايمان أنه على الساحة الدولية، تقف إسرائيل اليوم على خط واحد مع روسيا، يتم التعامل مع الدولتين على أنهما الجانب العدواني والعنيف، في الوقت الذي يتم التعامل مع الفلسطينيين وأوكرانيا على أنهما الطرف الضعيف لافتا ألى أن «حقيقة أن إسرائيل هي التي تعرضت للهجوم، كأوكرانيا، لم تساعد على تفكيك هذه الرواية المبنية على أخوّة الضعفاء. وأيضاً في أوساط داعمينا، هناك انتقادات لمبالغة إسرائيل في ردّها على هجوم حماس، وأنه مرّ وقت طويل، وآن الأوان للتوقف. في أوساط داعمينا، هناك مَن ينتقد عدم وجود أيّ إنجاز عسكري بعد هذا الوقت الطويل».
الإسقاطات: وحسب هايمان تعتمد إسرائيل على سلسلة خطوط إمداد دولية من أجل اقتصادها ومجهودها الحربي. كل تشويش على هذه السلسلة، يمكن أن يؤثر سلباً في قدرة القتال. هذا الوضع الحساس يستوجب ضمانات بأنه طوال الحرب مع لبنان، ستبقى خطوط الإمداد مستقرة، بدءاً من الوسائل القتالية، وصولاً إلى المنتوجات الضرورية لبقاء الاقتصاد الإسرائيلي وتحصينه. ويقول إن الدولة الأهم لضمان كهذا هي الولايات المتحدة. ويجب التشديد على أن إسرائيل قادرة على فتح معركة محدودة في الشمال، من دون هذا الشرط. ولكن، في حال توسعت الحرب وطالت، فسيصبح هذا الشرط ضرورياً، ولذلك، يجب ضمانه قبل البدء.
التحدي: وبالنسبة لهايمان فإن شن حرب على لبنان أشبه بخوض إسرائيل سباقاً سريعاً 100 متر من خط النهاية، بعد أن ركضت في الماراثون: تم التخطيط لحرب «السيوف الحديدية» كحرب طويلة، بعكس الرؤية الأمنية الإسرائيلية التي تشدد، تاريخياً، على تقصير مدة القتال كمبدأ مركزي. هذا المبدأ لم يكن أمام مَن خططوا للحرب الحالية لأن الحرب الطويلة هي الطريقة الوحيدة لتجسير الفجوة بين أهداف طموحة من جهة، وبين قيود القوة وكفاءة التنفيذ العسكري من جهة أُخرى. زاعما أن إسرائيل، بعكس الولايات المتحدة التي حسمت حرباً طويلة ضد «داعش» ليست قوة عالمية عظمى مع جيش مهني نظامي كبير جداً: «نحن دولة صغيرة، تعتمد قواتها العسكرية على جيش الاحتياط، الأشخاص أنفسهم الذين هم أيضاً المركّب المركزي في الاقتصاد الإسرائيلي». ويرى أن الحرب في لبنان تحتاج إلى قوات احتياط كبيرة، وإن طالت، فمن المتوقع أن يواجه الاقتصاد الإسرائيلي، وبصورة خاصة رجال ونساء الاحتياط، ضرراً كبيراً ولذا يمكن أن ينكسر الدعم الداخلي لجيش الاحتياط، ويمكن أن يجد الجيش نفسه أمام أزمة كبيرة.
الإسقاطات: وعلى هذه الخلفية يرى هايمان أنه يجب تقصير مدة الحرب، والتخطيط للحرب في الشمال بطريقة يكون فيها هذا المركّب مفتاحياً ولتقصير وقت الحرب، يجب العمل على صعيدين: تفعيل قوة قصوى بأقل وقت ممكن، وبصورة فجائية في بداية المعركة، أو وضع أهداف متواضعة جداً لافتا أنه من الناحية العسكرية من الأفضل الذهاب إلى الإمكان الأول؛ أّمّا سياسياً، في السياق الحالي، فإن الإمكان الثاني يبدو أفضل.
ويشير أن هناك سيئات واضحة للخيارين: لا يمكن السيطرة على توسيع المعركة المحدودة، وفي نهايتها، سيسيطر الشعور بالإحباط على أوساط المستويَين السياسي والعسكري، مثلما حدث في حرب لبنان الثانية. ويقول إنه رغم ذلك، فإن تفعيل القوة القصوى في بداية المعركة ووضع أهداف طموحة، من المتوقع أن يؤديا إلى سقوط عدد كبير جداً من المدنيين في الطرف اللبناني، وإلى ضرر بدولة لبنان، وأشك في أن يكون لدى إسرائيل الرصيد والشرعية والدعم الدولي الذي يسمح بذلك.
الحسم على جبهتين في الوقت نفسه
التحدي: وينوه أنه حسب رؤية عمل الجيش (استراتيجية الجيش، نيسان/أبريل 2018) فإن الجيش سيدافع عن إسرائيل في الوقت نفسه على جميع الجبهات، لكن الحسم في مواجهة الأعداء سيكون بالتدريج ما يعني أنه من غير المفضل أن يحسم الجيش القتال على جبهتين في الوقت نفسه. ويضيف: «رغم كون هذا ممكناً، لكنه غير مفضل، لأنه سيتطلب توزيع القوات والجهود. وفي ظل استمرار المعركة في مواجهة حماس، يبدو أن الجيش سيكون مطالباً بالعمل في الشمال قبل حسم المعركة أمام التنظيم الإرهابي الغزي. هذا الوضع يمكن أن يقود إلى انعدام الحسم على الجبهتين، وحرب استنزاف على جبهتين ستكون طويلة».
الإسقاطات: ويرى هنا أنه من أجل التركيز على الحسم على جبهة واحدة، يجب وقف القتال على الجبهة الثانية. ويمكن القيام بذلك بطريقتين: تسريع الحسم في غزة: مثلاً، عبر تجنيد الاحتياط والسيطرة مجدداً على كل قطاع غزة حتى فرض الحكم العسكري، وهو ما سيضمن هزيمة «حماس».
وقف الحرب في غزة: إعادة تعريف الإنجازات حتى الآن، وإزالة تهديد الاقتحام الواسع للبلدات في الجنوب كإنجاز كافٍ. وهذا طبعاً في موازاة العمل على تحقيق صفقة تبادُل رهائن، في مقابل وقف الحرب كلياً.
ما هي الاستخلاصات التي يجب تطبيقها في الحرب في الشمال؟
عن ذلك يقول هايمان إنه من الضروري بدء الحرب بتعريف وضعية نهايتها وما ستؤول إليه على يد المستوى السياسي: مع بدء الحرب، كان هناك نقاش في الحاجة إلى اتخاذ قرار، قبل بدء المناورة البرية، بشأن النهاية ومنظومة إنهاء الحرب. في تلك الأيام الصعبة، ساد المجتمع الإسرائيلي شعور بأن هذا النقاش غير ضروري وسابق لأوانه. وبالاستناد إلى الواقع (حتى الآن لم يتم اتخاذ القرار بشأن منظومة النهاية) هذا ما قرره المستوى السياسي. الافتراض والأوامر يقضيان بضرورة تفكيك «حماس» أولاً، وبعد ذلك فقط، يمكن التفكير فيمن سيحلّ محلها، وكيف سننهي الحرب. وعن ذلك يضيف: «اليوم، يعتقد كثيرون أن هذا كان الخطأ الأكبر في الحرب: إسرائيل أضاعت نقطة الذروة في الإنجاز العسكري (احتلال مدينة غزة) ولم تحولها إلى إنجاز سياسي. الآن، وبعد مرور هذه النقطة، فإن الأوراق العسكرية في أيدينا أضعف من أن تُترجم إلى إنجاز سياسي». ويمضي في تحذيراته: «لذلك، قبل أن نقرر بدء الحرب الشاملة مع حزب الله، يجب أن نقرر كيف ستنتهي: ما الذي سيدفع بالتنظيم الإرهابي اللبناني إلى قبول وقف إطلاق النار؟ وفي أيّ ظروف؟ وما هو الوضع العسكري الذي سيدفع بالتنظيم، بقيادة نصرالله، إلى القيام بذلك؟ مَن هم الحلفاء الدوليون الذين سيساعدوننا على الوصول إلى نقطة النهاية؟ وفي هذا السياق، من غير الواضح كلياً ما إذا كانت المعركة الواسعة في لبنان ستنجح في فرض شروط وقف إطلاق نار أفضل، أو مختلفة عن تلك التي اقترحتها فرنسا، أو الولايات المتحدة. يجب حسم الأسئلة الصعبة هذه قبل أن تخترق الدبابة الحدود شمالاً». ويرى أنه «يجب إقرار خطة الحرب مسبقاً وتطبيقها بذكاء: على الجيش تفعيل خطة بسيطة تتضمن فكرة مركّبة. وبعكس ما قمنا به في غزة، ممنوع التخطيط للمرحلة الأولى فقط، وانتظار تطوّر الأمور، من دون قيود زمنية، وبطريقة متساهلة جداً. هذا التخطيط سيؤدي إلى معركة طويلة جداً، وغير منظمة، ومن دون حسم. يجب الاتفاق على «صورة المعركة الشاملة» (خطة حرب كاملة) وتطبيقها بشكل يسمح بمرونة، وبتغييرات».
تحذير من الأسوأ
القيادة والتكاتف هما مفتاح النجاح: وطبقا لهايمان فإنه بعد إخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان النهوض الذي انعكس لدى ضباط الجيش في الشهر الأول من الحرب مذهلاً: خلق تكاتفاً جماهيرياً واسعاً، وأدى إلى دعم كامل من الجمهور لهيئة الأركان ورئيسها. إلا إن هذا الوضع انتهى. تأليف حكومة الطوارئ وإقامة «كابينيت الحرب» خلقا حالة ثقة في أوساط الجمهور الإسرائيلي بقيادة الدولة، والتكاتف في الأيام الأولى من الحرب كان مهماً في مقابل الأعداء الذين رأوا في الاختلافات داخل المجتمع الإسرائيلي نقطة ضعف مركزية، لكن هذا الوضع أيضاً انتهى. ويتابع «هذا كله يبدو اليوم كرؤية من الماضي البعيد: القيادة العسكرية في أزمة، حزب المعسكر الرسمي خرج من الحكومة وكابينيت الحرب لم يعد موجوداً، والثقة بالمستوى السياسي منخفضة، والاحتجاجات ضد الحكومة تتصاعد، وثقة الجمهور بالجيش في حالة تراجُع. هل ستؤدي الحرب في لبنان إلى معالجة هذه الجروح كلها في إطار التأثير المعروف للحرب، والمعروف بالتكاتف حول العلم؟ في ظل المعطيات الحالية، هناك شك في ذلك. ولذلك، قبل شنّ حرب شاملة على لبنان، نحن مطالَبون بقيادة عسكرية وسياسية من أجل تقوية شرعية الحكومة والجيش وقيادة الجيش. أشك فيما إذا كان هذا ممكناً في الوقت الحالي، إلا إن الاعتراف بأهمية إعادة تشكيل صفوف القيادة هو شرط ضروري للانتصار على التنظيم الإرهابي الشيعي في لبنان».
ويختتم هايمان بالقول «رغم الإيجابيات الكبيرة لإزالة تهديد حزب الله في حرب حسم واسعة، يجب القول إن لذلك إسقاطات كبيرة. صحيح أن إزالة التهديد وحده قادرة على إعادة الشعور بالأمان إلى سكان الشمال بشكل كامل، يسمح بتحسين مكانتنا الاستراتيجية في عيون أعدائنا، لكن علينا أن نحسب هذا الحساب جيداً. فالفشل في هذه الحرب سيضع إسرائيل في وضع أسوأ من الوضع الحالي. لذلك، فإن توقيت هذه الحرب لا يقلّ أهميةً عن تحقيق الإنجاز فيها، ويجب خوض هذه الحرب، فقط في ظروف تضمن الانتصار فيها».