دمشق – «القدس العربي»: تواصل القصف الجوي للنظام السوري وحلفائه الروس على مدن وبلدات ادلب وحماة وأدى إلى مقتل 29 مدنياً خلال الأربع وعشرين ساعة الفائتة، بينهم 12 طفلاً. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن 7 على الأقل قضوا أمس الخميس جراء القصف على منطقة «خفض التصعيد»، بينهم 4 أطفال وسيدة لقوا حتفهم في مجزرة نفذتها طائرات النظام الحربية باستهدافها مدينة معرة النعمان جنوب إدلب.
ونفذت طائرات سورية وروسية أكثر من 51 غارة مستهدفة بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي، ومناطق في بلدة كفروما وحزارين وعابدين، واللطامنة وكفرزيتا وأرينبة والهبيط وكفروما ومحور كبانة بجبل الأكراد، وأريحا ومعرة النعمان وخان شيخون ترملا والفقيع وكفرموس ومنطف وترملا ومنطقة جبل الأربعين.
«لا معابر إنسانية»
مدير فريق «منسقو استجابة سوريا» محمد حلاج تحدث لـ «القدس العربي» عن إغلاق المعابر الداخلية والحدودية شمال غربي سوريا، وقال ان استجابة المنظمات الإنسانية لحركة النزوح «ضعيفة نوعاً ما مقارنة بأعداد النازحين، التي تقدر بنصف مليون نسمة، حيث دمرت 21 قرية وبلدة تدميراً كاملاً، وهجر أهالي عشرات القرى والبلدات من سكانها في ريفي محافظتي إدلب وحماة، ضمن السياسة الروسية الرامية إلى تهجير السكان قسرياً وحرمانهم من أماكن سكنهم وتصنف هذه الخطوة ضمن جرائم الحرب وعمليات الإرهاب المطبقة على السكان المدنيين، وتعود الأسباب التي سببت ضعف عمليات الاستجابة الإنسانية للنازحين كثافة حركة النزوح والأعداد الضخمة للنازحين الذين فروا من قراهم نتيجة الاستهداف المتكرر والمباشر».
العقيد حسون: تقارب تركي – أمريكي يغضب الروسي ويدفعه للتصعيد في الشمال
وأضاف: «تحدثت وزارة الدفاع الروسية عبر ما يعرف بمركز المصالحة في حميميم عن افتتاح معابر لعبور المدنيين من مناطق ادلب وحماة باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام، ولكن حسب الفرق الميدانية المتواجدة في المنطقة لم يسجل افتتاح أي معبر ولم تسجل أي حالة خروج للمدنيين من المنطقة بشكل مطلق وخاصة في المعابر التي ادعت روسيا افتتاحها في صوران وأبو الظهور، وهذا الأمر تكرر سابقاً أكثر من خمس مرات».
وقال حلاج إن المعابر الموجودة في الوقت الحالي توزعت بين معابر حدودية (باب الهوى، جرابلس، باب السلام، الراعي، الحمام) حيث شهدت هذه المعابر خلال الأيام الماضية نشاطا ملحوظا لعودة الأهالي من تركيا إلى محافظة ادلب وريف حلب الشمالي لقضاء إجازة عيد الفطر، في حين شهدت المعابر الداخلية مع قوات النظام توقفاً تاماً لعبور المدنيين بشكل كامل واقتصر وجود بعض المعابر على الحركة التجارية فقط في «المنصورة، العيس، أبو الزندين».
وتتعاظم فاتورة القصف والغارات التي يدفعها المدنيون من أشلائهم وأجساد أطفالهم، في مناطق شمال غربي سوريا، فقد قال مدير الخوذ البيضاء مصطفى الحاج يوسف لـ»القدس العربي» إنهم وثقوا مقتل 22 مدنياً مع نهاية يوم الأربعاء، بينهم ثمانية أطفال وست نساء، و21 مصاباً بينهم 10 أطفال وست نساء، حيث ارتكب الطيران الحربي مجزرة مروعة بحق المدنيين في قرية سرجة راح ضحيتها سبعة قتلى بينهم طفل وخمس نساء، وعشرة جرحى بينهم ستة أطفال وامرأة، إضافةً لأضرار مادية كبيرة لحقت بالمنازل والممتلكات جراء غارة بأربع صواريخ دفعة واحدة.
خلاف تركي – روسي
كما قتل ثلاثة مدنيين هم أب وطفلاه وأصيب أربعة آخرون معظمهم أطفال في بلدة البارة جراء استهداف منازل المدنيين ومبنى البريد في البلدة بثمانية براميل متفجرة من الطيران المروحي، وغارة جوية من الحربي استهدفت أطراف القرية وخلفت البراميل أيضاً دماراً كبيراً في المنازل والممتلكات.
واستهدفت المقاتلات الحربية نحو 10 بلدات وقرى بغارات جوية مكثفة سقط معظمها على قرية موقا ومحيطها، والأوتستراد الدولي، وأطراف مدينة معرة النعمان الجنوبية ومدينة سرمين، وسفوهن ومحيط كفرسجنة، وركايا سجنة، وعابدين، ومعرتحرمة، وكرسعة، وترملا، والشيخ مصطفى وكنصفرة كما استهدفت منازل المدنيين ومدرسة والحقول الزراعية ما أدى لنشوب حريق في المحاصيل.
وقصفت قوات النظام قرية عابدين بـ 145 قذيفة مدفعية و70 صاروخ راجمة، وكفرعين بـ15 قذيفة، والقصابية بـ60 قذيفة مدفعية، حيث أسعفت فرق الخوذ البيضاء المصابين وانتشلت جثامين الشهداء وأخمدت حرائق نشبت جراء القصف والغارات.
ومع حلول الشهر الثاني من التصعيد، من الواضح أن ما يحدث في منطقة إدلب الكبرى هو ترجمة لعدم توافق «تركي – روسي» بما يتعلق بالمنطقة الشمالية، والتي تشمل منطقة إدلب الكبرى، وشرق الفرات، مرورًا بمنطقة تل رفعت. ويعود ذلك حسب قراءة القيادي في المعارضة السورية فاتح حسون إلى التقارب التركي الأمريكي الذي بات في لمساته الأخيرة بالرغم من وجود بعض النقاط غير المتفق عليها حتى الآن.
وهذا التقارب، حسب المتحدث يزعج روسيا ومن ورائها إيران، حيث أن الأخيرة تتخوف من حدوث توافق «تركي – أمريكي – روسي» لإخراجها من الملف السوري برمته إخراجاً استراتيجياً، لا سيما مع قرب انعقاد قمة أمنية بين أمريكا وروسيا قريباً في إسرائيل ستتناول الملف الإيراني، وبالتالي تحاول إيران جاهدة أن تسحب روسيا وتركيا لمحور غير مكتمل وفق «محادثات أستانة» وتبعدهما عن الولايات المتحدة، أو أقلها عن الضرر الذي تحاول أن تلحقها به الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه فإن روسيا تجد بهذا التصعيد الإجرامي على منطقة إدلب الكبرى وما يمكن أن يخلفه من موجات نزوح باتجاه الحدود التركية ورقة ضغط على تركيا لتبتعد عن الولايات المتحدة، وكذلك على دول الاتحاد الأوربي المتخوفة من موجات لجوء جديدة ليضغطوا مع تركيا على أمريكا من أجل إعطائها دوراً في منطقة شرق الفرات، وحالياً هي تستخدم ورقة منطقة تل رفعت حيث عززت وجودها فيها بالاتفاق مع ميليشيا «قسد»، وتعمل على أن تكون لها قواعد ثابتة فيها وتنفذ دوريات مشتركة على حدودها مع «قسد» موجهةً بذلك إشارات عدم رضا لتركيا.
الشمال السوري برمته حاليا يعيش، تحت القصف الروسي ومحاولات قضم المنطقة جزءاً جزءاً، حالة من تداخل المصالح الدولية، وكذلك الخلافات الدولية، وأصبح ساحة لتصفية الحسابات، حيث يقول القيادي حسون ان «الولايات المتحدة نفسها تحذر روسيا من عملية عسكرية في إدلب، لكنها تغض النظر عن معارك محدودة في نفس المنطقة لتحرج تركيا وتبعدها عن روسيا. ووسط كل ما يحدث يبقى الشعب السوري من يدفع الفاتورة دماً وتهجيراً». وبات الان من الواضح، أن التفاهمات التي نتجت عن (قمة سوتشي حول إدلب) هي محور كل ما يمكن أن يتمخض عنه أي تفاهم جديد في منطقة إدلب الكبرى، كونه كان بين رئيسي دولتين ولا يمكن للجان أقل مستوى أن تلغيه، إلا إنه تم تعديله باتفاق بسبب تغير الظروف، وبالتالي ما زالت تهدئة منطقة إدلب مرهونة بتطبيق بنود الاتفاق.
تناقض المصالح
وفي رأي حسون، فإن مشاركة فصائل المعارضة المعتدلة، في مسألة الدفاع عن منطقة إدلب، مع الفصائل الجهادية، بما يتناقض مع سياستها، هي بسبب تناقض المصالح الدولية، فهو يقول «ما دام الشمال السوري يعيش حالة من تضارب المصالح الدولية وتناقضاتها، فبات لزاماً على المجتمع الدولي أن يعذر «قوى الجيش الحر» إن رأى في سلوكها «تناقضاً»، ففي اختيار «الموت أو النجاة» سيكون اختيار «الموت» قمة التناقض لأحرار خرجوا في ثورتهم من أجل تأمين «النجاة» لوطنهم ولأهلهم ولأنفسهم، فاجتماع الفصائل مع الجولاني لم يكن بطلب من تركيا، بل كان بشكل شخصي من قبل بعض القادة بسبب إجرام روسيا ونظام الأسد، والاستعداد لمواجهتهم كي لا يجتاحوا المنطقة ويقتلوا ويهجروا أهلها، فبرغم تناقض رؤى بين هيئة تحرير الشام والجيش الحر فإن الخطر المتشكل على المنطقة كبير جداً ويجعل القوى الموجودة بها تنسق فيما بينها لدرئه، تاركة كل العداوات والخصومات جانباً».
وحول فشل أنقرة في حل التنظيمات الجهادية، قال القيادي في المعارضة، ان تركيا كانت تعمل بشكل جاد على حل التنظيمات المصنفة بطريقة أمنية وفق تفاهمات قمة «سوتشي»، وكانت ستؤتي ثمارها، إلا أن التصعيد على المنطقة أعاق ما تم التوصل إليه في هذا المجال، «إن لم نقل نسفه».
وباتت روسيا ترى أنها وقعت في ورطة حقيقية، فشريكتها إيران التي تعتمد عليها برياً في سوريا لا تستطيع المشاركة العلنية الفاعلة كي لا تستفز الولايات المتحدة، وقوات النظام أظهرت عدم كفاءتها القتالية، والمرتزقة الروس بدأوا بالتقهقر قبل أن يشاركوا بكثافة، والقصف الجوي يؤلب المجتمع الدولي عليها، والمضي بنفس النهج سيبعد عنها تركيا أكثر.