مدينة السعيدية المغربية: جوهرة زرقاء سكنت قلوب زوارها

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: مدينة السعيدية المطلة على البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من شمال شرق المغرب، لا تأتي منها عادةً إلاّ أخبار الخير والفرح والفسحة السياحية الجميلة والبهية والسباحة في المياه المتوسطية، والعيش في نعيم الرفاهية التي توفرها المنتجعات والفنادق، والتلذذ بالأكلات المذهلة لمطاعمها وفناجين القهوة وكؤوس الشاي في مقاهيها الراقية.

من النادر أن يأتي خبر حزين مثل الذي اعتلى واجهة عناوين المواقع الإخبارية محليا وحتى دوليا، بعد مصرع شابين مغربيين اجتازا المياه الإقليمية للجزائر بالخطأ، برصاص خفر السواحل في الجارة الشرقية للمغرب، هو خبر طارئ وغريب على مدينة تعيش الفرح في فصل الفرح، وهو الصيف، مثل سحابة عابرة في سماء نقية.
بالتزامن مع الحادث الأليم، كانت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، على موعد مع بشائر جديدة بخصوص القطاع السياحي في المنطقة الشرقية برمتها، لكن مدينة السعيدية «سيكون لها دور محوري في التنمية السياحية بجهة الشرق بأكملها، وفقا لخريطة الطريق للسياحة».
بين السحابة القاتمة التي تخللت سماء السعيدية في صيف هذه السنة، ومواصلة المغرب لتطوير القطاع السياحي ومنه الجهة الشرقية وخاصة السعيدية، تبقى هذه المدينة شاهدة على حداثة الإقلاع التنموي والحضور اللافت من خلال واجهة لامعة وعمق متين.
مقارنة مع تاريخ المغرب الضارب في القدم، نجد أن السعيدية مدينة حديثة الولادة، طفلة تحبو في بهو التاريخ، لكنها عريقة كوجهة سياحية لا بد أن يزورها كل عاشق ولهان يحب الاستمتاع بالشمس ورفاهية المنشآت، وبذلك يتحقق لها التفرد بموقعها الطبيعي الخلاب، وأناقة المنشآت التي بنتها سواعد المغاربة في ظرف زمني وجيز.

قلعة عجرود

قبل السعيدية، كانت قلعة عجرود، الاسم الذي عرفت به المدينة الواقعة في الشمال الشرقي، وإحدى مدن الجهة الشرقية، وتتربع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تطل بجمالها على مياهه الزرقاء ولا يفصلها عن الحدود الجزائرية سوى 100 متر.
أما تعداد ساكنتها فلا يتجاوز 8780 نسمة وفق إحصاء عام 2014 لكن الأكيد أن هذا العدد يتضاعف عند كل صيف، زوارها بل عشاقها يأتونها من كل بقاع العالم، والمغاربة من بين سياحها، القادمون من أوروبا المقيمون في ديار الغربة يجدون متعة الانتماء للوطن وبذخ العيش في ضيافتها خلال فصل الصيف، وهي في ذلك شبيهة بمعظم مدن شمال المغرب، حيث يصبح للعطلة الصيفية طعم مغاير يشبه حلوى رأس السنة.
قد يختصر عاشق البحر مدينة السعيدية في شاطئها الممتد لعشرات الكيلومترات، ورمالها الصفراء الذهبية وطقسها الجميل المعتدل صيفا وشتاء، واستحقت أن ترفع اللواء الأزرق باستمرار، نظرا لنظافة ساحلها.
أما عاشق الضيافة فقد يختصرها في تلك المنتجعات السياحية والفنادق المنتشرة والتي تكفي حاجة الزوار وزيادة، ويوجد على رأس قائمتها مارينا السعيدية صاحبة الميناء الترفيهي، وتلك المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي، والفنادق ومئات الفيلات، وبذلك تكون حكاية العشق الكبير لمدينة السعيدية لا تجسده علاقة الزوار بها فقط، بل حتى إقبال شركات سياحية كبرى أجنبية منها الإسبانية على الاستثمار بها من خلال مرافق سياحية فخمة تليق بمقام الجوهرة الزرقاء كما هو لقبها المستحق.

حداثة التاريخ وعراقة العشق

السعيدية ضاربة في عمق الحضور السياحي والامتياز الترفيهي والبهاء الطبيعي على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
يعود تاريخ النواة الأولى لهذه المدينة إلى سنة 1883 حيث بنى السلطان الحسن الأول بنى قصبة (قلعة) بمساحة 15600 متر مربع على الضفة اليسرى لمصب وادي كيس لتكون بمثابة مراقبة وعلامة حدودية مواجهة للجزائر التي كانت في ذلك الوقت خاضعة للاحتلال الفرنسي.
وفي عام 1913 وُضعت السعيدية تحت الحماية الفرنسية. وقد جرى تحويل البلدة، التي حظيت بتقدير الأهالي، إلى منتجع ساحلي. تمر اللحظات القاتمة عابرة سماء المغرب ومعها الجوهرة الزرقاء، السعيدية. إلى أن بزغ فجر الاستقلال عام 1956 لتبدأ المدينة رحلة التألق في مسيرة السياحة، وتزدهر وتنمو مثل شجرة باسقة مثمرة، مستقطبة المزيد من الزوار، لتصبح بذلك أحد أكبر المراكز السياحية في المملكة المغربية.
كل المناطق السكنية عمل المغرب على ترميمها، وامتد شريان الحياة فيها إلى كل مناحي اليوميات من أسواق ومهن مختلفة يمتهنها أبناء المدينة، ونجد منهم الصياد والمزارع والمستثمر في السياحة والتجارة وغيرها من ضروب البحث عن لقمة العيش في فضاء هذه المدينة التي تشبه في ذلك مختلف مدن المملكة.

يوميات أبناء السعيدية

قد تغيب عن المدينة المعالم التاريخية، لكنها مثل باقي مدن المغرب الحديثة تصنع تاريخها الخاص، وتستند على ماضي سكانها الذين عاشوا فيها بما تيسر من مهن وصناعات مختلفة، ويأتي الصيد على رأس القائمة، ويعتبر إحدى ركائز اقتصاد المدينة، والأسماك التي يتم صيدها تدل على التنوع والغنى، فهي عديدة ومختلفة.
الزراعة حاضرة بقوة الأرض الخصبة التي تتوفر عليها أرض السعيدية الخضراء، وتعتلي الحبوب قائمة المزروعات تليها الخضراوات والفواكه بأنواعها.
ونصل في يوميات الساكنة إلى السياحة التي صارت من أساسيات اقتصاد المدينة وطبيعي أن يمتهنها أبناء المدينة فهي مصدر رزق وعمل يدر على ممارسه ما يكفيه ويسد حاجته ويزيد على ذلك. ومن ثم، صارت السعيدية من المناطق السياحية الأشهر في المغرب، موقع استراتيجي ومتميز وإطلالة ساحرة على البحر الأبيض المتوسط، ومارينا السعيدية يوفر الرفاهية والكثير من فخامة العيش التي يحتاجها السائح الهارب من ضغط السنة بكاملها، أما شاطئ المدينة فحدث ولا حرج، فهو يعتبر من بين الأطول في أفريقيا، ويحتل المرتبة الثالثة، ويبلغ طوله ما يناهز 14 كيلومترا، وليس الطبيعة وحدها ما يشكل عامل إغراء وجذب للسياح، بل تتحالف معها المنشآت السياحية من فنادق ومنتجعات وفيلات وغيرها من المساكن المخصصة لإيواء السياح، الذين تغص بهم المدينة خلال فترة الصيف.

السياحة حكاية نجاح

جرى تدشين منتجعات السعيدية في 19 حزيران/يونيو 2009 من قبل العاهل المغربي محمد السادس، إذ تحتضن واحدا من أكبر الموانئ الترفيهية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ويعد هذا الفضاء الأزرق بمثابة دعوة لقضاء أوقات آسرة وممتعة.
تتولى «شركة السعيدية للتنمية» تطوير منتجعات هذه المدينة، من خلال استغلال مجموعة من الأراضي المخصصة لاستيعاب الفنادق والعقارات والإقامات السياحية والفضاءات التنشيطية والترفيهية. كما أن من بين مهامها إدارة وتطوير ملعب الغولف والمارينا ومركز التسوق الخاص بالمنتجع. والهدف من كل ذلك جعل منتجعات السعيدية مجمعا سياحيا يقدم خدمات سياحية عالية الجودة، فضلاً عن الوصول إلى بنية تحتية متطورة وفق المعايير الدولية.
بالنسبة للمنطقة الشرقية للمغرب، فإن مدينة السعيدية تشكل لوحدها 47 في المئة من الطاقة الإيوائية للسياح، وهو ما أكدته وزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور في لقاء خصص لتقديم خريطة الطريق الجديدة لقطاع السياحة الممتد من 2023 إلى 2026 وبالأرقام فإن الجوهرة الزرقاء تتوفر على طاقة إيوائية تبلغ 6500 سرير.
نجاح هذه المدينة سياحيا، بعد أن بوأها مراتب متقدمة في سلم جذب الزوار من مختلف بقاع العالم، جعل الوزيرة المغربية، تؤكد على أن الهدف في المستقبل القريب هو جعل السعيدية كمحطة سياحية محركا لتنمية الجهة الشرقية بأكملها، مشددة على أنه «يجب علينا الإسراع في تطوير المحطة حتى تكون قاطرة لتنمية الجهة بأكملها».
مسألة الموسمية تؤرق بدورها، لأن فصل الصيف وحده هو الذي يشهد كثافة في الزوار، ومن ثم يبرز الطموح في توفير عروض متنوعة تجذب السياح على مدار السنة، تلعب فيها المناطق الخلفية الغنية والمتنوعة دورا رئيسيا.
بالنسبة لخريطة الطريق الاستراتيجية لقطاع السياحة برسم الفترة 2023-2026 فإن الهدف منها في أفق سنة 2026 استقطاب 17.5 ملايين سائح، وتحقيق مليارات الدراهم من المداخيل من العملة الصعبة، وخلق 200 ألف فرصة شغل مباشرة وغير مباشرة، فضلا عن إعادة تموقع السياحة كقطاع أساسي في الاقتصاد الوطني، وهو ما رصد له غلاف مالي يصل ضخم سيعمل على تحقيق هذا المبتغى المنشود والمحدد في ثلاث سنوات.

على مقاس الحلم

أول ما يقابلك وأنت تقبل على كورنيش السعيدية الممتدة، اسمها وقد توسطه قلب، وأطل على البحر الأبيض المتوسط، تقترب أكثر، فتتضح لك الصورة، مظلات شمسية مختلفة الألوان تزيد من بهجة الوصول إلى المدينة كسائح، تلك الرمال الصافية تغري بالسير عليها حافي القدمين، الناس في هدوء يمارسون طقوس الاغتسال بمياه البحر الأبيض المتوسط حيث اغتسل قوم سبقونا إليه بآلاف السنين بل والقرون.
الجوهرة الزرقاء ميزتها أنها توفر لكل طالب ما يطلب، البسطاء لهم نصيب من البحر النقي والفسحة السياحية العادية التي لا بذخ فيها، وطالب خمس نجوم يجد ضالته ويمضي قدما في الانفاق على رغباته بما لذ وطاب من مأكل ومسكن وتسوق أيضا، ومارينا تفتح له أبوابها مشرعة وتهديه الرفاهية وكل ما يحلم به.
قبل الوصول إلى الكورنيش، تجد لافتات بيانية تشير إلى الدفاع المدني، والهلال الأحمر، وقصر المهرجان، يعني كل شيء متوفر من حماية وإسعاف وترفيه، سيارات الشرطة المميزة تقف حارسة أمن المصطافين، وعلى طول الكورنيش الممتد على مدى الشاطئ، بالسيارة يتطلب جهدا كبيرا لعبوره نظرا لطوله، لكنه ممر بهي بين البحر وما شيد من تجهيزات ترفيهية، والأجمل أن السماء تعتلي المشهد باستمرار، فلا شيء يجبّها عن العابرين، هي سقفهم دون بنايات إسمنتية تعيق الرؤية الطبيعية.
الخروج من الكورنيش إلى باقي الشوارع يحيلك على طبيعة المدينة المتجددة، بنايات على جنب الطريق في طور البناء والتشييد، وأخرى تضع اللمسات الأخيرة والبقية تؤثث الفضاء، وتمنح العين متعة مشاهدة ما يمكن للإنسان أن يبنيه.
هكذا إذن، تبدو المدينة بمثابة طبق من العمران والتطور موضوع على أرض منبسطة، والسماء لا تغيب عن الأنظار حاضرة في كل الممرات والشوارع، فلا شيء يحجبها عن الزائر الراغب في القيام بجولة في مدنية هي بحق الجوهرة الزرقاء، هو الإحساس نفسه بالمتعة وأنت تعبر من شارع بوراس إلى شارع عبد الكريم الخطابي، إلى طريق مداغ الذي سمي على اسم القرية الواقعة بنفوذ مدينة بركان والشهيرة بكونها مقر الطريقة القادرية البودشيشية التي تعتبر احدى أهم الزوايا الصوفية في المغرب وفي العالم الإسلامي.
من طريق مداغ، يمر الزائر إلى شارع الوفاق، والإحساس بطعم الانبساط والأفق المنفتح يتواصل، كما الحال مع كل الشوارع الأخرى والأزقة والأحياء السكنية، ويكون الشاطئ هو الحاضن الصيفي لمتعة العطلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية