مدينة الشامية العراقية منجم أرز العنبر

صادق الطائي
حجم الخط
0

مدينة الشامية هي مركز قضاء في الجنوب الغربي من العراق، وتعد ثاني أكبر مدينة في محافظة الديوانية بعد مركز المحافظة، وتبعد حوالي 150 كم عن العاصمة بغداد، ويسكنها قرابة 300 ألف نسمة. وهي تقع في منطقة سهلية منبسطة تمتاز بوفرة المياه وخصوبة الأرض ما جعلها من أهم مراكز زراعة الأرز العراقي الشهير المعروف برائحته الفواحة لذلك اطلق عليه اسم العنبر. وتتبع قضاء الشامية إداريا أربع نواحي هي: ناحية مركز قضاء الشامية، وغماس، والصلاحية، وناحية المهناوية.

بروفايل

تقع المدينة بين محافظتي الديوانية والنجف الأشرف وتبعد عن الأولى 35 كيلومتراً وعن الثانية 32 كيلومتراً، ويخترقها شط الشامية المتفرع من نهر الفرات جنوب ناحية الكفل فيقسمها إلى صوبين، كبير (أيمن) وصغير (أيسر). تتركز معظم الدوائر الحكومية والمحلات التجارية في الصوب الكبير بينما يضم الصوب الصغير دوائر محكمة الشامية، ودائرة النفوس، ومصرف الرشيد، وسايلو الحبوب، ومحطة البنزين الحكومية، كما تحد المدينة بعض المسطحات المائية التي تشكل ثروة حيوانية ونباتية للمدينة وتشمل؛ هور الجعارة الذي يعتبر الحد الفاصل بين قضاء الشامية وقضاء المناذرة التابع لمحافظة النجف، وهور أبو نجم وأهوار منطقة آل كمون وهي في غالبها تستخدم لغرض صيد الأسماك والطيور.
اقتصاد المدينة يقوم بشكل رئيسي على الزراعة، فالمدينة تعد من بين أهم مراكز زراعة الأرز في العراق، إذ تنتج أرز العنبر المعروف باسم عنبر الشامية المميز لدى العراقيين بنكهته اللذيذة ورائحته الزكية، إضافة إلى زراعة الحنطة والنخيل، إلا أن التغيرات التي طرأت على العراق جعلت السلطات الحكومية والدوائر المحلية في المحافظة تحد من زراعة الأرز نتيجة حاجته الكبيرة للمياه، ومع تزايد أزمة المياه في العراق، باتت زراعة الأرز من المحضورات في عدة مدن عراقية من بينها الشامية.

التنوع السكاني

يمتد التاريخ السكاني لمدينة الشامية، كحال أغلب مدن العراق إلى حقب تاريخية قديمة، ويظهر ذلك في طبقات الآثار الموجودة في المدن العراقية، ويسكن المدينة اليوم أفراد يتحدرون من قبائل عربية متنوعة مثل العوابد والحميدات وآل شبل وآل فتلة والجبور والكرد والخزاعل وآل زياد وآل بدير والسادة العلويين، أما في النصف الأول من القرن العشرين فقد سكنها العديد من العوائل اليهودية المعروفة التي انتقلت للسكن في المدينة للاستثمار الزراعي والتجاري، ويذكر وداي العطية مؤرخ الديوانية أن من بين أشهر عوائل اليهود في مدينة الشامية أسرة يحيى قوجمان التي انتقلت من السليمانية إلى المدينة، وأسرة ساسون معلم التي انتقلت من الكفل حيث يوجد مزار أحد أنبياء اليهود واستقرت في الشامية عام 1919 واشتغلت في تجارة الحبوب، وبيت جبران وهم من اليهود المشتغلين في الصياغة، وأسرة شاؤول راحيل الذين انتقلوا من الحلة إلى الديوانية والشامية عام 1936 وعائلة زبيدة الذين انتقلوا من الحلة إلى الديوانية والشامية عام 1882 وأسرة إلياهو خلاصجي الذي كان يلقب بملك الديوانية لما يملكه من أراض شاسعة كان يعمل فيها آلاف الفلاحين. كما كانت تعيش في المدينة في منتصف القرن العشرين بعض العوائل المسيحية التي أمتهنت التجارة، أو العمل في الوظائف الحكومية.
تاريخ الشامية
ذكر المدينة بعض المؤرخين والبلدانيين العرب مثل ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» باسمها القديم (شوميا) إذ يقول عنها؛ هي «موضع في بقعة الكوفة، نزله جيش مهران لمحاربة المثنى والمسلمين. وهي موضع دار الرزق في الكوفة» وكذلك جاء ذكر المدينة في «تاريخ الطبري» كما ذكرها إبن عساكر في كتابه «تاريخ دمشق» فقال عنها؛ «إن العجم لما أذن لهم في العبور نزلوا (شوميا) موضع دار الرزق، فتَعَبوا هناك».
أما المدينة الحديثة فيذكر المؤرخون أنها تأسست في القرن التاسع عشر مع توسع الإدارة العثمانية في العراق في تأسيس المدن ومحاولتها إجبار القبائل على التوطن والاستقرار. ويذكر المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني مدينة الشامية في كتابه «العراق قديما وحديثا» بقوله؛ «الحميدية قصبة حادثة انشئت سنة 1897 في عهد السلطان عبد الحميد وسميت باسمه تيمنا، ثم أبدلته الحكومة العراقية باسم (الشامية) عام 1924 كما أبدلت اسماء عدد كبير من القصبات والقرى، وهي قائمة على الضفة اليسرى من الفرع الأيسر من نهر الفرات المعروف بشط أبو كفوف في موضع يبعد عن الديوانية غربا 37 كم» .
بينما يرد ذكر مدينة الشامية في بحث لمدير الآثار العراقي د.ناجي الأصيل نشر في مجلة «سومر» عام 1945 إذ يقول؛ «الشامية بلدة متوسطة العمران، أسست في زمن السلطان عبد الحميد العثماني قبل نحو خمسين سنة. وهي مشهورة بزراعة الرز فاخر النوعية. وتقع في مغرب الديوانية على نحو 38 كم منها. وقد شاهدنا في أحد الخلجان سربا من الغرانيق، وهو طائر نادر في العراق». بينما يذكرها جمال بابان في كتابه «أصول أسماء المدن» فيقول؛ «الشامية مركز قضاء في محافظة الديوانية، تتبعه نواحي غماس والمهناوية والصلاحية والخورنق. تبعد هذه البلدة عن غرب الديوانية مسافة 37كم، ويصلها بالضفة اليمنى من نهر الفرات (شط ابو كفوف) جسر حديدي. تم تشييد القصبة سنة 1897 في عهد السلطان عبد الحميد خان العثماني، فسميت عند انشائها باسمه الحميدية، ثم أبدلته الحكومة العراقية عام 1924 باسم الشامية».
لكن مؤرخ الديوانية وابنها الحاج وداي العطية المتحدر من عائلة العطية شيوخ الحميدات في محافظة الديوانية فيذكر التسلسل التاريخي الإداري لمدينة الشامية معتمدا على السالنامات العثمانية (الصحيفة الرسمية للولايات العثمانية) إذ يقول في كتابه «تاريخ الديوانية قديما وحديثا»؛ إن «مركز القضاء كان يقع على تل الزهيرية، وأول ممثل فيه للحكومة هو خطاب بن شفلح بن شلال بن نجم بن عبد الله الزبيدي (عم وادي شيخ زبيد) وذلك سنة 1844م». ثم يسرد تحولات المدينة في القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني فيقول؛ «انتقل مركز القضاء إلى الشنافية ولم يدم ذلك أكثر من سنة، وكان القائمقام في الشنافية أحمد أفندي، ثم انتقل مركز القضاء إلى أم البعرور وذلك سنة 1872م، وكان القائمقام فيه علي بك، ثم انتقل مركز القضاء إلى الحميدية وهي مدينة الشامية بعد أن تغير اسمها ومنحت الاسم الجديد تيمنا بالسلطان عبد الحميد، وكان قائمقام المدينة نشأت أفندي بن بكر أفندي سنة 1897م، ثم نقل مركز القضاء إلى أبو صخير سنة 1910م في زمن القائمقام العراقي عاكف بك الآلوسي، إلى أن عاد أخيراً مركز القضاء إلى الحميدية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى وكان القائمقام شوكت أفندي عام 1914م».
أما حال مدينة الشامية تحت سلطة الاحتلال البريطاني منذ عام 1917 فقد شهد عدة تغيرات، اذ أسس البريطانيون نظاما إداريا جديدا لإدارة المدن العراقية أصبحت بموجبه الشامية محافظة، والتي كانت تسمى حينذاك لواء وأسميت لواء (عموم الشامية والنجف) وعين البريطانيون ضباطا لإدارة المدن بصفة حاكم سياسي، وكان الكابتن بلفور أول حاكم سياسي للواء عموم الشامية والنجف الذي وصلها في تشرين الأول/اكتوبر 1917م وبقي فيها حتى حزيران/يونيو 1918م، تلاه المستر وينكت وأعقبه الميجر نوربيري من عام 1918م حتى عام 1920م.
وقد لعبت المدينة وقياداتها العشائرية دورا محوريا في الانتفاضات العشائرية على الحكم البريطاني ويذكر من القيادات العشائرية البارزة التي لعبت أدوارا قيادية في هذه المرحلة الشيخ سلمان آل عبطان شيخ عشيرة الخزاعل، والشيخ مرزوك آل عواد شيخ العوابد، والشيخ عبد الواحد الحاج سكر شيخ آل فتلة، والشيخ رايح العطية شيخ عشيرة الحميدات، والسيد محسن أبو طبيخ.
وكان لمدينة الشامية دور بارز في دعم ثورة النجف عام 1918 التي قتل فيها الكابتن مارشال الحاكم العسكري للمدينة، ثم التمرد الكبير لقبائل الفرات الأوسط على الحكم البريطاني عام 1920 الذي عرف باسم ثورة العشرين. لذلك صب البريطانيون جام غضبهم على المدينة، وقطعوا أوصال لواء عموم النجف والشامية ووزعوه على المحافظات المجاورة لمنع التواصل الجغرافي والاجتماعي بين أبنائها.

المواقع الأثرية

يضم قضاء الشامية والنواحي التابعة له عدة مواقع أثرية، تم الكشف عن بعضها بينما لم يتم التنقيب الرسمي في بعضها الآخر، وقد تعرضت العديد من المواقع الأثرية في المدينة لهجمات عصابات تهريب الآثار التي نبشت بطريقة غير علمية في مواقع عدة وخربت محتوياتها الأثرية، دون أن تستطيع السلطات الحكومية إيقاف هذا التدمير نتيجة ما تعانيه من وهن وعدم امتلاك القدرات التي تواجه بها عصابات نبش الآثار.
ويذكر كتاب مديرية الآثار الذي يحدد المواقع الأثرية في العراق أن ناحية الصلاحية التابعة لقضاء الشامية تضم 11 موقعا أثريا بينها أبو البير، وأبو صخيرات، وأبو كبور، والزهير. بينما تحوي ناحية العباسية التابعة لقضاء الشامية 13 موقعا أثريا بينها أبو ضبع، وأبو عريف، وجغيمان والصيلجية وناحب. كذلك تضم ناحية غماس في قضاء الشامية 26 موقعا أثريا مهما بينها أبو شعير، وحمدان، والخنيزرات، والسودة، والمقطرات، والنبي ادريس، والكريعة. وتحوي كل هذه المواقع الأثرية طبقات من الآثار يعود أقدمها إلى عصور ما قبل التاريخ في وادي الرافدين، وبقيت آثار المدينة تعاني الإهمال ونقص العناية اللازمة من وزارة الثقافة والآثار العراقية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية