ذهبتُ إلى هُناك كثيرا
لكنني ما زلتُ لا أعرف الطريق؛
لأن المعرفة مُمارسة
وأنا أتكاسل/ أخاف دائما.
دخلتُ المبنى ذاته مرّتين
لكنني ما زلتُ لا أثق بالعابرين
لأن الثقة مواجهة وأنا لا أُطالع في الوجوه.
لو طردتُ العزلة
لكنتُ أكثر قدرةً على المواجهة
لو أزحتُ عنّي التعب
لكنتُ أتقنتُ ما لم أكنه من قبلُ.
يتراءى لي أن يداً ستنقذني
أو ملاكاً سيترك حلمه ليجري معي..
ثمّة شيء داخل الشاعر لا يمكن سحقه
ثمّة حدس فظيع يكمن في جوهره
إنهُ ينبع من هشاشته الروحيّة
التي تخفي ملامحها بالغرور
«لم أكن أعرف أحداً يستحقّ حدسي
كُلّ ما حدث لي من سوء لم أنسهُ
لذلك هُناك بعض الأشياء على الأرض
ما أزال أريدُ امتلاكها بشدّةٍ»
ومن بينها لُغة -أجنبيّة – سليمة تداوي المغدور
بعد أن كانت لُغتهُ الأمّ ترميه بالشوك كُلّ ليلة.
لقد كانَ عليَّ ذات صباح
أن أفعلَ ما بوسعي بجديّة الفيلسوف
إلا أني فعلتُ ما أستطيع فعله
بطبيعة الشاعر الجريح والمهجور،
عندما كانت عيناه تلوّح إلى شجرةٍ شفيفة
من أجل أن تحزن معهُ في تواصل اللحظة
المُتكرّرة برتابتها الأبديّة.
لكُلّ شاعر حزنه الخاصّ
ما إن يبيّن للآخرين كم يشبههم
حتى يفقد شاعريته ورعبهُ المعماريّ
ثمَّ ينسى أن تتعاطف معه أوراق الشجر
في حضوره وغيابه الذي لا يُفهم،
في انزوائه الذي لا يمكن تفسيره سوى الفجر السريع
رأيتُ كيف يموت مَن لا تفرد لهُ
وكيف يغرق في حياةٍ
لا يرغب حتى في تسميتها كناية.
أشعرُ بطنينٍ يحتل رأسي
لذا فإن الماضي لا تعتمد عليه ذاكرتي.
كُلّما كنتُ متوجهةً نحو مكانٍ ما في بغداد
أحسُ بالغربة
وفي كُلّ مرّة أعود إلى المكان نفسه
تطاردني الخسارة؛
ذلك لأن بغداد تتسع وتتسع
إن مساحاتها من فرط ما تستقبل الأُناس
لا يمكنها أن تتذكرَ أحد
بغداد مدينة الغرباء،
أعيشُ فيها على الوحدة
لعلي بهذهِ المآسي المُتراكمة
أنسى قبح مدينتي القديمة
فالغرباء يتأخرون في العيش
بين مدينتين بائستين ومُذنبتين
تقودك إحداهما إلى زمنٍ من الجنون
جنون لا عودةَ منه
أمّا الزمن فهو ذكرى خلفها وهمٌ غير مسؤول.
يا إلهي
ما زلتُ لا أستطيع التخلي
عن إحدى المدينتين
وأولئك الذين عكروا عالمي
لن أسامحهم على إطفاء النور
فالحُبّ لا يشمل مَن يعطينا السُّموم.
يا روحي
لن تبقي مُمتلئة بالحضور المُشرق
يا روحي
غير تعبكِ لن تحصدي،
الركام النفسيّ يخترع لي الشِّعر
أنا التي لا تعرفني الراحة ولا الرحمة
أسقطُ في الهاوية ويحتضنني السكوت
بعد أن خانني اليقين
بأن موج الوقائع لن يجيءَ
إلى سيّدة التناقض،
ذات الامتياز الحضوريّ المسلوب.
رُبّما سيتغيّر كُلّ شيء قريبا
إلا ذاكرتي، ستجدد عليَّ المأساة المُترنحة
وبودّها أن تهمسَ لي:
لا تثقِ بالعيش في أبعادٍ هادئة.
حتّى لا أكون مدينةً للحياة بأفقٍ منحوس!
شاعرة عراقية