سأظل ملتزما بتقليد بدأته مع بداية موجات الربيع العربي، إذ أقوم بكتابة مقال في نهاية السنة أراجع فيه أهم التطورات في العام الآفل على المستويات الثلاثة، العالمي والعربي والفلسطيني، في محاولة لاستخلاص عبرة أو عبرتين لعام على وشك الانبلاج. لقد شهد العام المنصرم تطورات عميقة على كل تلك المستويات المحلية والإقليمية والدولية، التي ستترك أثرها في المقبل من الأيام والسنين وسنحاول المرور على أهمها.
المشهد الدولي من كابل إلى تغراي
قبل أن أدخل في أهم التطورات التي شهدهما عام 2021 لا بد أن نذكّر بأن جائحة كورونا ومتحوراتها الجديدة مثل، دلتا وأوميكرون وغيرهما ما زالت منتشرة. فالعالم هذه الأيام يعيش حالة من الذعر المتجدد، بسبب سرعة انتشار فيروس أوميكرون، الذي اجتاح خمسين ولاية أمريكية و100 دولة ووصلت الإصابات في اليوم الواحد في مدينة نيويورك وحدها إلى 11000 إصابة، علما أن أول إصابة أعلن عنها على مستوى البلاد كانت يوم 1 ديسمبر، أي بعد أسبوع فقط من ظهوره في جنوب افريقيا يوم 24 نوفمبر. لقد بلغ عدد المصابين عالميا بوباء كورونا وتفريعاتها ما يزيد على 280505000 مليون، وعدد الضحايا نحو خمسة ملايين ونصف المليون. تقف الولايات المتحدة على رأس القائمتين تليها الهند فالبرازيل فالمملكة المتحدة فروسيا.
عام 2021 شهد توسيع التعاون وإعادة الاصطفاف مع الكيان الصهيوني، ضد الأخ والجار وعلى حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة
التطوران الأهم: أفغانستان وإثيوبيا
إن هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، والطريقة التي انسحبت فيها من البلاد بعد عشرين سنة من الاحتلال، ستظل علامة فارقة في تاريخ النزاعات المسلحة وهزيمة الدولة العظمى الثالثة، بعد بريطانيا وروسيا، على أيدي أبناء هذا البلد العنيد. وسيعلق في ذاكرة الشعوب، منظر الجنود الأمريكيين وآلاف الأفغان المتعاونين مع قوة الاحتلال يتدافعون في مطار كابل للهروب قبل وصول قوات طالبان، ما يذكرنا بهروب آخر جندي من سايغون في فيتنام عام 1975. فبعد سنوات الاحتلال الطويل وتأسيس جيش أفغاني مكون من 300 ألف جندي، وتشكيل حكومات عميلة ينتهي الأمر بذوبان الجيش وهروب الرئيس أشرف غني، حاملا معه ما تمكن من أموال منقولة. ونعتقد أن التدخل في أفغانستان سيكون آخر الحروب التي ستخوضها الولايات المتحدة بجيوش على الأرض. والتطور الثاني هو اتساع رقعة الحرب الأهلية في إثيوبيا لتصل إلى مشارف أديس أبابا بعد أن ظن آبي أحمد أن اجتياحه لمدينة ميكيلي في نهاية نوفمبر 2020 قد أنهى تمرد تغراي. استباح جنوده والمتعاونون الإريتيريون المدينة، فارتكبوا من الجرائم ما يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مسببين مأساة إنسانية لا مثيل لها بسبب الإغلاق التام للمنطقة. لكن الجبهة الشعبية لتحرير تغراي، وعدت بأنها لن توقف القتال إلا بطرد من سمتهم «الغزاة». وبالفعل استعادت العاصمة ميكيلي بتاريخ 23 يونيو، وتابعت زحفها نحو أديس أبابا، بعد أن انضم إلى جبهة تحرير تغراي جيش تحرير أورومو، وسبعة فصائل أخرى، متعهدين أن يسقطوا حكومة آبي أحمد حربا أو سلما. تدخل الاتحاد الافريقي وأرسل وفدا رفيعا للوساطة برئاسة أوليسغون أوباسانجو رئيس نيجيريا السابق، وتوصل إلى اتفاق مع آبي أحمد والجبهة الشعبية لتحرير تغراي وحلفائها على وقف القتال، وقبول البحث عن حل سياسي. وأعلنت الجبهة عن انسحابها من إقليمي عفار وأمهرة والعودة إلى إقليم تغراي.
* هناك تطورات مهمة في ملف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول العودة إلى اتفاقية 2015، المتعلقة ببرنامج إيران النووي. الولايات المتحدة تريد العودة للاتفاقية بعد تحصيل تنازلات إيرانية في مواضيع لا علاقة لها بالاتفاقية، وإيران تريد أن تعود من دون شروط، وتصر على أن رفع العقوبات يجب أن يكون نقطة البداية، وإسرائيل وحلفاؤها العرب يعملون على تخريب أي فرصة للعودة للاتفاقية.
* أما عن أزمة سد النهضة فقد فشلت محاولات مصر والسودان تدويل الأزمة، بعد أن أصدر مجلس الأمن بيانا بتاريخ 15سبتمبر أغلق فيه الملف، حيث أكد البيان أن بحث هذه المسألة في المجلس لا يعتبر سابقة لحل أي منازعات تتعلق بالمياه العابرة للحدود، ووصف الأزمة في بيانه بأنها «فنية وإدارية».
الساحة العربية: الانقلابان
أهم التطورات على مستوى العالم العربي، في رأينا، هو انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد، على الدستور التونسي، وانقلاب عبد الفتاح البرهان على الاتفاق السياسي مع المكون المدني للفترة الانتقالية. قام سعيّد يوم 25 يوليو بانقلاب دستوري متكامل، بحيث صادر دور السلطتين التشريعية والقضائية، وركز كل السلطات في يديه، وتحول خطوة خطوة إلى حاكم مطلق يصدر الفرمانات، ولا يأبه برد الشارع التونسي، الذي لم يهدأ منذ الانقلاب. جمّد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وطرد رئيس الوزراء، وضيق مجال حرية الرأي، وأغلق بعض القنوات الفضائية، ووضع في السجن العديد من المعارضين. اختار في أول أكتوبر، نجلاء بودن رمضان، لتكون أول رئيسة للوزراء في العالم العربي، ثم عاد وانقلب عليها. عطّل الحياة السياسة مقابل وعود بالاستفتاء على دستور جديد، ثم انتخابات لبرلمان جديد في نهاية عام 2022. ليس غريبا أن السيسي استقبل قيس سعيد استقبال العظماء، ليعود من عنده ويقوم بالانقلاب وبدعم إماراتي واضح لإطلاق الرصاصة الأخيرة على آخر ثورات الربيع الربيع العربي في طبعته الأولى. لقد ظننا أن تونس ستنجو بجلدها من مؤامرات محور الشر، إلا أننا لم نحسن تقدير قوة خصوم الثورات العربية.
الغريب أن اللواء عبد الفتاح البرهان قام كذلك بزيارة لسميه السيسي في مصر ليلة الإعلان عن انقلابه يوم 25 أكتوبر، وكأن الانقلابيين لا بد أن يأخذوا جرعة تطمين وحزمة نصائح ممن هم أطول باعا منهم في علم الانقلابات. وعلى خطى سعيد نفسها، قال الفريق البرهان إن الجيش السوداني استولى على السلطة لتجنب اندلاع حرب أهلية، ولتصحيح مسار الانتقال السياسي. والأدهى أنه احتفظ برئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك، في منزله «من أجل سلامته». لكن الشعب السوداني خرج بالملايين رفضا للانقلاب، وواجه الرصاص والاعتقالات، وهو ما حرك المجتمع الدولي بسرعة، فأطبق الخناق على البرهان ولم يكن أمامه إلا التراجع، على الأقل مؤقتا، خاصة بعد المواقف الحادة من مجلس الأمن الدولي والاتحاد الافريقي والولايات المتحدة. وهكذا تحايل البرهان على الوضع وأعاد حمدوك إلى رئاسة الوزراء، ظنا منه أن الشارع السوداني الذي كسر حاجز الخوف سيستكين ويتراجع، إلا أن العكس هو الذي حصل، حيث تواصلت المليونيات حتى أعلن حمدوك أنه على وشك الاستقالة.
* لكن أخطر التطورات في العام المنصرم ما تم توقيعه من اتفاقيات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني. لقد شملت زيارات رموز الكيان كلا من الإمارات والبحرين والسودان والأردن ومصر والمغرب. أخطر تلك الاتفاقيات ما قام به وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس مع نظيره المغربي، بتوقيع اتفاقية أمنية وعسكرية واستخباراتية يوم 24 نوفمبر، يتمكن المغرب بموجبها من الحصول على معدات أمنية إسرائيلية متطورة، إضافة إلى التخطيط وإجراء مناورات مشتركة. وهو ما عقد العلاقات مع الجزائر، التي كانت قد وصلت حد القطيعة منذ أغسطس. الإمارات وقعت عددا من الاتفاقيات من بينها، شراء منتوجات المستوطنات الإسرائيلية وهي خطوة تنتهك القانون الدولي. الأردن وإسرائيل وقعتا في دبي يوم 22 نوفمبر اتفاقية لإنتاج الطاقة الشمسية، وتحلية المياه، بحيث يقوم الأردن بإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل مقابل تزويد الأردن بالمياه. عام 2021 إذن شهد توسيع التعاون وإعادة الاصطفاف مع الكيان الصهيوني، ضد الأخ والجار وعلى حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
* المسألة الليبية شهدت انهيار إمكانية عقد الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر، كما كان مأمولا، ولا نعتقد أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستعقد قريبا. وحرب اليمن اتسعت كثيرا وشملت أراضي السعودية. كما تفاقمت الأمور خلال هذا العام وتم اختيار هانز غروندبيرغ في سبتمبر مبعوثا أمميا جديدا. الصراع يدخل عامه السابع ويشهد مؤخرا تكثيفا عسكريا واسعا في المناطق الحدودية على الخطوط الأمامية، لاسيّما في مأرب ومدن أخرى مثل تعز والحديدة، وحتى مناطق على ساحل البحر الأحمر.
الساحة الفلسطينية وهبة رمضان الشاملة
أستطيع أن أختصر التطورات على الساحة الفلسطينية ضمن مسارين متناقضين متعاكسين. من جهة ألغت السلطة الفلسطينية مواعيد الانتخابات، بعد أن تأكدت أن الشعب الفلسطيني سيطيح بها، وعادت لأحضان التنسيق الأمني وتسليم المناضلين وانتظار عطايا الدول المانحة. ومن جهة ثانية شهدت فلسطين، انطلاقا من القدس الشريف في رمضان، هبة شعبية شاملة تلاحمت فيها جماهير الشعب الفلسطيني في كل الوطن والشتات مع رجال المقاومة في غزة، في عملية «سيف القدس» التي استطاعت أن تهزم مسيرة الأعلام، وتدخل مئات الألوف من الإسرائيليين الملاجئ وعجزت ترسانة الكيان عن الانتصار الساحق عسكريا على المقاومة، فاضطرت لقبول وقف إطلاق النار، لقد وضحت تلك الهبة الشاملة صحة السردية الأساسية للرواية الفلسطينية وهي شعب واحد وأرض واحدة وقضية واحدة، وأن الذين قسموا الشعب الفلسطيني وقبلوا بجزء من الحقوق على جزء من الأرض لجزء من الشعب لا شرعية لهم، إلا بالاتكاء على دعم وأموال ومخابرات العدو. وكل عام وأمتنا بخير.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
عام 2021 عام الصراعات و الأزمات و الكوارث لكن .. “وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى” ، و “إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ” ، عام تُستخلص منه دروس كثيرة على أمل أن يكون عام 2022 عام التوفيق و النجاح .
” شهدت فلسطين، انطلاقا من القدس الشريف في رمضان، هبة شعبية شاملة تلاحمت فيها جماهير الشعب الفلسطيني في كل الوطن والشتات مع رجال المقاومة في غزة، في عملية «سيف القدس» التي استطاعت أن تهزم مسيرة الأعلام، وتدخل مئات الألوف من الإسرائيليين الملاجئ وعجزت ترسانة الكيان عن الانتصار الساحق عسكريا على المقاومة، فاضطرت لقبول وقف إطلاق النار، لقد وضحت تلك الهبة الشاملة صحة السردية الأساسية للرواية الفلسطينية وهي شعب واحد وأرض واحدة وقضية واحدة، وأن الذين قسموا الشعب الفلسطيني وقبلوا بجزء من الحقوق على جزء من الأرض لجزء من الشعب لا شرعية لهم، إلا بالاتكاء على دعم وأموال ومخابرات العدو. ” إهـ
هذا أهم حدث للشرفاء المحبين لفلسطين يا دكتور!
لا سلام مع إحتلال, ولا إقامة مع مقاومة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
عندما كانت التفجيرات الإستشهادية بالباصات الصهيونية توقف اليهود بالعالم من القدوم لفلسطين المحتلة!
وبدأت هناك هجرة عكسية لليهود من فلسطين بسبب الإستشهاديين والإستشهاديات!! ولا حول ولا قوة الا بالله
يا استاذ لك الشكر ، لقد فسرت كل شي، يسلم قلمك ولسانك ، اقراء كل ما تكتب واحتفظ به في مكتبي
العامل المشترك لكل ما اوردته في مقالكم الرزين هو سياسة القطب الواحد ، وكل من اراد الحفاظ على مصلحته توجب عليه الانصياع لاوامر ذلك القطب .
مؤامرات بشكل متزايد في عام 2021 على الشعوب العربيةوالمسلمةبدون توقف وبالتاكيد ان كثرة الضغط تسبب الانفجار ، ونحن في انتظاره بفارغ الصير .
رائع