عام آخر يرخي سدوله هذه الأيام غير مأسوف عليه حمل الكثير من التطورات المأساوية على الساحتين العربية والدولية، ولحقت بالعرب عموما وفلسطين خصوصا جملة من المصائب والعثرات بعضها مصنع داخليا، وبعضها مطبوخ في دوائر صنع القرار الغربية وابنتها اللقيطة إسرائيل، والكثير منها مزيج من الخلطتين السامتين. مساكين نحن، الحالمين بوطن عربي واحد رحيم على أبنائه شديد على أعدائه. الحلم يتهاوى أمام عيوننا غير أننا ما زلنا متمسكين بخيط رفيع من الأمل ونرفض له إفلاتا. لقد أصبحنا في هذا الزمان الرخو نصارع كي لا نغرق في طوفان الطغاة، مؤكدين أن القلم الحر سيظل أقوى من كاتم الصوت، كما أصر ناجي العلي وأنه سينتصر في المحصلة على الطلقة والمنشار.
كلما يقترب منا عام جديد نستبشر خيرا ونتبادل التهاني ونتمنى أن يكون العام المقبل أحنّ علينا من سوابقه وأقل مصائب من سلفه ولكننا نصاب بالإحباط والقهر، وفي كل مرة نردد قولا منسوبا لسيد نهج البلاغة كرم الله وجهه: ربَّ يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه. ونعود ونسأل أما لليل العرب من آخر؟ إلى متى هذا الهوان؟ أتصل الوضاعة إلى حد أن يستقبل مجرم حرب في عواصم العرب، وأن يعزف نشيد تلك الدولة المسخ في عواصم العرب، وأن تفتح أجواء العرب وموانئهم ومطاراتهم ومسارحهم وملاعبهم لأعداء العرب؟ هل كان يتخيل أحد أن تصل الأمور إلى الحد الذي تقوم دولة بتقطيع صحافي مرموق بمنشار في قنصلية بلاده؟ وأن يضرب المتظاهرون ضد الاحتلال بهراوات الأمن الوطني في الخليل؟ وأن تذبح سائحتان غربيتان لنصرة الإسلام؟ وأن تقوم مليشيات القبائل باحتلال ميناء تصدير بترول وأن يجدد إعتقال إداري لصحافي 45 مرة؟ وأن تعجز دولة عن تشكيل وزارة بسبب المحاصصة الطائفية؟ وأن رئيسا مريضا ينوي ترشيح نفسه لدورة خامسة؟ وأن يكون أكثر من ستين في المئة من مشردي العالم ولاجئيه عربا ومسلمين؟ وأن يقف أكثر من 14 مليون يمني على حافة المجاعة، بينما يشتري أحدهم لوحة بخمسمئة مليون دولار.
لقد نشأنا على قناعة بأن أمتنا العربية «خير أمة أخرجت للناس» في الطريق لتأخذ مكانا يليق بها بين الأمم، تشيد الحضارة وتنشر العلم، وتحمي السيادة وتعزز المواطنة المتساوية، وتستغل ثرواتها بشكل رشيد يستفيد منه الأخ والصديق والجار. لكن الواقع صدمنا والأمنيات تبخرت ونحن نشاهد الحدود تتمزق، والطائفية تتغول والطغاة يفرضون الحصار على إخوتهم وجيرانهم وأبناء عشيرتهم، ويفتحون قصورهم للغريب الذي جاء يجرف أموالهم وكرامتهم، «لا ليس هذا زمني».
ودعني أتوقف في هذه المراجعة السريعة لنهاية هذا العام عند ثلاثة تطورات كبرى: الهجوم الشامل لإدارة ترامب على القضية الفلسطينية ونهاية داعش، واقتراب الأزمة السورية من الحل، وجريمة قتل خاشقجي، التي فتحت عديدا من الملفات من بينها حرب اليمن غير السعيد.
لقد شهد عام 2018 استمرارا لجهود ترامب لتصفية القضية الفلسطينية التي بدأها يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، عندما قرر أن يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقد سارت تلك الجهود على ثلاثة مسارات: سياسية ومالية وتطبيع عربي إسرائيلي. لقد نسف ترامب الأسس التي توافق عليها المجتمع الدولي على أنها الحد الأدنى للسلام الدائم والشامل، على أساس إقامة دولة فلسطنية مستقلة. لقد شملت الإجراءات السياسية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وافتتاحها فعليا على عجل على أرض فلسطينية محتلة، يوم جندلت إسرائيل 65 شهيدا في مسيرات العودة العظيمة. وشملت الهجمات الأمريكية إلغاء القنصلية في القدس الشرقية وضمها للسفارة، وإغلاق ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. كما قررت هذه الإدارة أن تعيد تعريف من هو اللاجئ الفلسطيني، وإلغاء حق العودة، وتتصرف كأنها صاحبة الأمر والنهي في هذا العالم، وأنها فوق القانون الدولي. كما ألغت كلمة احتلال من أدبياتها، واعتبرت المستوطنات جزءا من إسرائيل. ولا أعرف ماذا بقي مستورا من صفقة العصر التي ينتظرها كثير من المطبعين والانهزاميين. إن الإدارة الأكثر صهينة في تاريخ الولايات المتحدة تعمل الآن على اعتماد قانون لتسهيل هجرة الفلسطينيين من كل فلسطين، لتبقى فقط للإسرائيليين. يبدو أنهم ينفذون ما عبّر عنه يائير ابن نتنياهو بقوله: «لا يوجد سوى طريقتين لتحقيق السلام، إما أن يغادر جميع اليهود، أو أن يذهب كل المسلمين. أنا أفضل الخيار الثاني». الشعب الفلسطيني بكامله موحد ضد صفقة القرن وتجلياتها الإسرائيلية، ولعل مسيرات العودة العظيمة وانتعاش روح المقاومة في الضفة الغربية، أبلغ رد على تلك المبادرة الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية مرة وإلى الأبد كما يحلمون.
أما على المسار المالي فقد جفف ترامب جميع المساعدات المالية للفلسطينيين، إلا ما يقدم بشكل مباشر للأجهزة الأمنية المعنية بالتنسيق الأمني، وليس كلها، بما في ذلك المساعدات للأونروا والمستشفيات وحتى برامج التطبيع التي بدأ تنفيذها بمبادرة أمريكية.
الجهود الأمريكية للتطبيع العربي مع إسرائيل تحرز كل يوم تقدما. لقد دشنت هذه العلاقة رسميا في 22 مايو/أيار 2017 يوم غادرت طائرة الرئيس الأمريكية من مطار الرياض إلى مطار تل أبيب لرسم الطريق الجديد. يومها رحب نتنياهو بالرحلة قائلا: «السيد الرئيس، لقد قمت برحلة من الرياض إلى تل أبيب. آمل في أن يتمكن رئيس وزراء اسرائيلي في يوم من الأيام من أن يقوم برحلة من تل أبيب إلى الرياض». ومع أن الأمنية تحققت في مسقط، إلا أن عام 2019 قد يشهد أكثر من رحلة مباشرة وعلنية من تل أبيب إلى أكثر من عاصمة عربية.
شهد عام 2018 جهود ترامب لتصفية القضية الفلسطينية التي بدأها في ديسمبر 2017، عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل
انتهى دور «داعش» هذا التنظيم المشبوه من أوله إلى آخره، فالطريقة التي أنشئ فيها على عجل واحتلاله عام 2014 لأراضٍ سورية وعراقية تزيد عن مساحة فرنسا، وإعلان الخلافة لا يمكن أن يكون صدفة وبقواه الذاتية فقط، بل لا بد أن تكون هناك أجهزة مخابرات متعددة الأطراف مستفيدة من تمكين هذه الجماعات التي تحت غطاء محاربتها دخلت قوات عالمية لتدمير سوريا نفسها. كما أن النظام السوري استرد جزءا أساسيا من عافيته، عندما انتشر هذا التنظيم الذي حارب فصائل المعارضة الأخرى والأقليات العرقية والدينية أكثر مما قاتل النظام. فأصبح الجميع يتساءل إذا كان هذا هو البديل لنظام بشار الأسد فلا كان ذلك البديل، ورماد بشار أفضل من جمر هؤلاء القتلة. إن متابعة ما قام به هذا التنظيم لا يمكن إلا أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أن كل ما قام به لا يخدم إلا الكيان الصهيوني، ولا يضر إلا بالإسلام والمسلمين. فقد هدم المدن ودمّر الآثار ونهب الثروات، وشتت الأقليات، واغتصب النساء وأعدم الأبرياء وجند الأطفال، وزرع ثقافة الموت وشوه كل مبادئ وقيم وأخلاق الإسلام. والآن ينتهى دوره بعد أن أنجز مهماته في نشر كل ما هو ضار للأمة. نتوقع أن تقوم بعض عناقيد هذه الجماعات بارتكاب جرائم بشعة باسم الإسلام، كما حدث في المغرب مؤخرا، لكن الستار بدأ يسدل على «داعش». نتوقع أن تشهد السنة المقبلة انفراجا حقيقيا في الأزمة السورية، وقد يكون الانسحاب الأمريكي وتحرك النظام التركي لحسم مسألة قوات الحماية الكردية، بعد أن تخلت عنهم الولايات المتحدة جزءا من الحل المقبل، بعد أن حسم الأمر لصالح الاتحاد الروسي وحلفائه الذين سيساهمون في صياغة سوريا الحديثة، بما يكفل بقاء النظام الحالي أو أحد تجلياته، مع توسيع قاعدة التمثيل الشعبي ضمن دستور جديد يكفل التعددية والحرية وتداول السلطة.
ستظل جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي علامة مميزة لعام 2018 ليس لبشاعتها فحسب، بل لكثرة ما كشفت من أسرار وعيوب وجرائم أخرى، وفتحت عيون العالم على ما يجري في المملكة السعودية. فقد كشفت هذه الجريمة الغطاء عن مدى تبعية النظام السعودي للإدارة الأمريكية، ليس كحليف بل تابع ينفذ الأوامر ولا يملك من أمر قراره شيئا. وتبين أيضا عمق العلاقات بين الكيان الصهيوني والدولة السعودية. فقد يكون أخطر تصريح صدر عن ترامب عندما قال «لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة ماذا يعني هذا؟ هل على إسرائيل أن ترحل؟ هل تريدون رحيل إسرائيل؟».
لقد فتحت هذه الجريمة الباب على مصراعية للنظر في ما يجري في الداخل من انتهاكات لحقوق الإنسان مثل حالات الإعدام بعد محاكمات صورية، وحالات تعذيب وتحرش بالسجينات، وتضييق منافذ التعبير ومراقبة حركات الناس. كما فتحت أبواب التحقيقات في هدر الأموال وصفقات السلاح والفساد اللامحدود وطريقة الحكم المطلق. وأعتقد أن من أهم النتائج الإيجابية لهذه الجريمة غير المسبوقة، فتح ملف حرب اليمن، التي كنا نسميها الحرب المنسية لأن ضحاياها من الفقراء الغلابى، حيث تكوّن رأي عام عالمي باتجاه الضغط لوقف هذه الحرب، خاصة في الكونغرس الأمريكي الذي ضغط فعلا باتجاه وقف الحرب، ووقف تسليح السعودية والإمارات وإعادة النظر في صفقات الأسلحة. وهذا الضغط أنتج لقاء السويد الذي صدرت عنه اتفاقية تم اعتمادها وتوسيعها وتحويلها إلى قرار مجلس الأمن رقم 2451 (2018) والذي يقضي بإرسال بعثة مراقبة لوقف إطلاق النار، ومراقبة الموانئ وإيصال المساعدات الإنسانية. ولذا نستطيع أن نقول ونحن ننتظر نهاية مأساة اليمن «لعل ضارة نافعة» وبذا يكون خاشقجي قد أنجز في رحيله أعظم خدمة للأمة بوقف تلك الحرب الظالمة.
ونتيجة لكل تلك المصائب التي عشناها عام 2018، قررت أن أقضي الأيام الأخيرة من هذا العام قريبا من المناضلين، وأجلس مطولا مع عهد التميمي وشادي فراح الأسيرين الطفلين المحررين، لأسمع منهما حكاية الانتصار على السجان لأرفع بهما روح الإصرار والاستمرار. وكل عام وأمتنا العربية بخير.
*محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
شكرا أستاذ صيام على هذا المقال الشامل الذي يلخص ألمأساه التي تمر بها الامه العربيه جمعاء. قليل جدا أن أجد ذكر للرئيس ألجزائري ألذي عاجز عن الوقوف أو الحركه و ما زال يتمسك بالكرسي “وأن رئيسا مريضا ينوي ترشيح نفسه لدورة خامسة؟”. فعلا أكبر عار على كل ألجزائريين.
ألله يرحمك يا نزار الذي قال العجب في قصيدة بلقيس في العرب و كيف كان بعيد النظر حين قال سنة ال 1967 “عفوا فيروز و معذرة ……..”.
من أعظم المآسي التي نزلت بالمسلمين بعد رحيل نبيها الكريم هو ما حل بابنته الطاهرة فاطمة الزهراء على أيدي بعض القوم ,فكانت تزور مرقده الطاهر و تأخذ حفنة من ترابه فتضعه على عينيها ووجهها وتطيل من شمّه ، وتقبيله ، وتجد في ذلك راحة ، وهي تبكي أمرّ البكاء وأشجاه ، وتقول :
ما ذا على من شمّ تربة أحمد ** أن لا يشمّ مدى الزّمان غواليا
صُبّت عليّ مصائب لو أنّها ** صبّت على الأيّام صرن لياليا
قل للمغيّب تحت أطباق الثّرى** إن كنـت تسمع صرختي وندائيا
قد كنتُ ذات حمى بظلّ محمّد ** لا أخش من ضيم وكان جماليا
فاليوم أخضع للذّليل واتّقي ** ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا
فاذا بكت قمريّة في ليلها ** شجنا على غصن بكيت صباحيا
فلأجعلنّ الحزن بعدك مونسـي ** ولأجعلنّ الدّمع فيك وشاحيا .
السبب هم حكامنا الخونه