الناصرة- “القدس العربي”:
يقول مراقب إسرائيلي إن كل ما تريده الولايات المتحدة اليوم هو إعادة إعمار الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية المحتلة فيما يهاجم مراقب إسرائيلي آخر مزاعم الاحتلال حول الأسرى داعيا لتسوية نزيهة مع حركة حماس بدونها لن يتحقق هدوء.
ويشير الباحث في “مركز القدس للشؤون العامة والسياسة“ بنحاس عنباري أنه في أحاديث له مع جهات فلسطينية في رام الله اتضحت له تفاصيل المحادثات التي أجراها الدبلوماسي الأمريكي الرفيع المستوى هادي عمرو في الفترة الأخيرة وما هي الأهداف الدبلوماسية الأمريكية في الشأن الفلسطيني وما ينتج منها.
وحسب عنباري فقد طُرح في المحادثات موضوعان؛ الأول، فتح القنصلية الأمريكية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة والثاني، مسألة تطوير الاقتصاد الفلسطيني ودلالاته. ويقول إن المسؤول الأمريكي الرفيع المستوى أوضح للسلطة الفلسطينية أنه ليس في نية الولايات المتحدة البدء بمبادرة سلام جديدة، لكنها مهتمة جداً بالدفع قدماً بالموضوع الاقتصادي، وبناء على ذلك، هي تؤيد فكرة استبدال حكومة محمد اشتية بحكومة تكنوقراط لا تنتمي إلى “فتح” ولا إلى “حماس”، وتكون مقبولة على “حماس” من أجل تأمين وصول المساعدات لإعادة إعمار غزة.
ويزعم عنباري أن هذه هي الفكرة التي وجهت المحادثات التي جرت في القاهرة وينقل عن مصادر في الضفة الغربية قولها إن “حماس” وافقت على هذه الخطوة، وكذلك أبو مازن ومن المفترض أن تُشرف حكومة التكنوقراط على انتخابات عامة. منوها أن مبادرات لتأليف حكومة تكنوقراط طُرحت أكثر من مرة في السياسة الفلسطينية، ولا تحمل أي جديد ويقول إن الرغبة في إعادة توحيد غزة ورام الله لها شعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، وكل فلسطيني يلوح بها يحصل على نقاط، لذلك نسمع الكثير عن مبادرات الوحدة، لكن الطريق إلى تحقيق ذلك لا تزال طويلة”. زاعما أن “فتح” لن تتنازل عن الضفة الغربية وأيضاً لن تتنازل “حماس” عن غزة؛ بناء على ذلك، إذا تألفت هذه الحكومة لن يكون لها أهمية وستسقط بسرعة كما سقطت الحكومات السابقة. ويسوغ الباحث الإسرائيلي رؤيته هذه بالقول “هناك أمر بديهي فـ”حماس” مرتاحة لوضعها في غزة وما من سبب يدفعها إلى التخلي عن سيطرتها عليها، و”فتح” مرتاحة لسيطرتها على الضفة ولا يوجد سبب للتنازل عن ذلك”.
ويعتبر عنباري أن المنطق يقضي، بحسب توضيح رام الله، ألا يمنح المجتمع الدولي “حماس” مساعدة مالية، وأن يكون مستعداً لإعادة إعمار غزة، فقط عبر السلطة الفلسطينية. ويضيف “إذا كانت الحكومة التي ستحصل على أموال المساعدة في غزة حكومة حيادية وليست تابعة لـ”فتح”، فإن “حماس” ستقبل الأمر. تحويل أموال قطر المخصصة لسكان غزة مباشرة إلى المصارف هو نوع من التدريب والاستعداد على تحويل أموال إعادة الإعمار. كما يدعي أن معارضة “حماس” لتحويل أموال المساعدة عبر رام الله ليس لأنها لن تحصل على نصيبها منها بهذه الطريقة، رام الله أيضاً لا تحصل على شيء”.
وينوه أن “حماس” لم تحصل (حتى الآن) على أموال لموظفيها، بحسب الترتيب الذي جرى من أجل تحويل أموال قطر إلى غزة لكن مع الاتفاق على تأليف حكومة تكنوقراط، في استطاعة رام الله الحصول على شيء من هذه الأموال وحدها، و”حماس” لن تحصل على شيء. ومن هنا يقول إنه بناء على ذلك، ليس واضحاً مغزى إعلان “حماس” موافقتها على حكومة تكنوقراط. ويتساءل هل هذه الموافقة تهدف إلى إرضاء الضيف المصري ويدعي أنه من الواضح للجميع أن “حماس” ستحبط هذه الخطوة إذا لم تحصل على نصيبها من تحويل الأموال”.
وفي هذا المضمار يؤكد محام إسرائيلي بارز أن تسوية مع حماس فقط هي التي تكفل حلا وهدوءا في جنوب البلاد وينسف مزاعم الاحتلال حول الأسرى وصفقة تبادل مع حماس. ويقول المحامي شموئيل شنهار في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” إنه ليس هناك طريقة لحل مشكلة قطاع غزة إلا التسوية داعيا للاعتراف بأن الجيش الإسرائيلي ليس مؤهلاً للسيطرة على غزة وقتاً طويلاً. موضحا أن جيش الاحتلال مؤهل للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق – غزو غزة بوحدتين عسكريتين أو ثلاث وحدات – لكنه لن يكون مؤهلاً لتنفيذ عملية تطهير ذات مفعول رجعي للخلايا على الأرض والقضاء على القوة المقاتلة لـ”حماس”.
ويؤكد أيضا أن “حماس” من جهتها ستقاتل من بيت إلى بيت، ومن زقاق إلى زقاق، وعندما تصبح عاجزة عن الصمود أكثر – ستطلب من عناصرها النزول إلى شبكة الأنفاق وسيختفون. زاعما أن قيادة “حماس” ستنزل أيضاً إلى الأنفاق ولن ينجح الجيش في ضربها وعند الحاجة ستجتاز هذه القيادة الحدود المصرية مرة أُخرى عن طريق الأنفاق.
ويحذر أنه في أحسن الأحوال، سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى السيطرة على قطاع غزة وعلى مليوني شخص وقتاً طويلاً ويقول إن هذه المهمة صعبة، وفي الأساس لا هدف لها. ويتساءل ماذا سنفعل هناك؟ نعالج الحاجات الهائلة للسكان؟ نؤمن المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، والغذاء، والعمل؟
عن ذلك يضيف “علاوة على ذلك، لن تنتهي العملية باحتلال الأرض. مقاتلو “حماس” سينطلقون من الأنفاق، وسينصبون الكمائن للجنود الإسرائيليين، وسيخوضون حرب عصابات شرسة ووحشية. لن يمر يوم من دون سقوط مصابين. وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلى تجنيد آلاف الاحتياطيين من أجل تنفيذ مهماته، من دون الحديث عن الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بالدولة، ومع الافتراض بأن احتلال القطاع لن يؤدي إلى انضمام حزب الله إلى القتال من الشمال، وربما أيضاً إلى هجمات إيرانية من سورية. كل ذلك من دون هدف. لأننا ما إن نخرج من المنطقة ستعود “حماس” إلى السيطرة عليها. وليس هناك تنظيم آخر قادر على الحلول محلها. السلطة الفلسطينية غير مؤهلة للسيطرة على غزة”.
وبرأي شنهار لن تتضمن هذه التسوية إعادة المواطنين وجثمانيْ الجنديين لأن “حماس” لن توافق على ذلك أبداً، زعيمها يحيى السنوار هو نفسه خرج من السجن الإسرائيلي بعد 23 عاماً من الاعتقال ضمن صفقة “وعد الأحرار”، وهو لم ينسَ ذلك. ويوضح أن التزامات السنوار قبل كل شيء هي للأسرى الفلسطينيين، وفي الأساس هؤلاء الذين يمضون فترات اعتقال طويلة.
ويرى أن السنوار يدرك من التجربة الشخصية والتاريخية أن الفرصة الوحيدة لإخراج رفاقه من السجن هي من خلال صفقة، لذا لن يوافق على إعادة المواطنين والجنود من دون إطلاق عشرات أو مئات الأسرى. ويخلص المحامي الإسرائيلي للقول في هذا السياق “مثل هذه الصفقة ليس سيئاً. يجب فحص المسألة من خلال نهج معاكس لما هو سائد اليوم. عائلة الجندي غولدين تلح على فكرة لا فرصة لها في النجاح – بادرة إنسانية مقابل بادرة إنسانية، أو مقابل تقديم تسهيلات للسكان في غزة، أو مقابل تسوية”.
وبخلاف مواقف أوساط إسرائيلية رسمية وغير رسمية واسعة يؤكد شنهار أنه من الخطأ التفكير في أن “حماس” تحتفظ بالمواطنين والجنود كرهينة من أجل إطلاق الأسرى ويقول إن العكس هو الصحيح: الأسرى الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية منذ عشرات الأعوام هم رهائن في يدنا كي نستخدمهم لافتداء أسرانا وجثامين جنودنا في مثل هذه الأوضاع البائسة. وأكثر من ذلك إذ يؤكد أيضا أن الادعاء الإسرائيلي أن الأسرى الذين سيُطلق سراحهم سيعودون إلى الإرهاب ليس صحيحاً ويمضي في تعليل رؤيته: “الذي قتل عائلة فوغل أو دفنة مائير… وغيرهما هم شبان في الـ16-18 لم يمضوا يوماً واحداً في سجن إسرائيلي. هؤلاء الشبان الفلسطينيون هم فعلاً الأكثر خطرا”.
ويضيف “الخلاصة التي توصلت إليها هي أن الطريقة الوحيدة لضمان الهدوء في النقب الغربي هي عملية سياسية مع “حماس” تؤدي إلى تسوية. تسوية معقولة مقابل هدوء ليست ثمناً مرتفعاً ولا تشكل تشجيعاً لـ”حماس”، ولا تشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل. ما سيتحقق في المقابل هو ضروري لحياة سكاننا في غلاف غزة. كم من الأعوام التي ستمر، وكم من العمليات العسكرية التي لا هدف لها كي نتوصل إلى هذا الاستنتاج؟”.